يقال في علم الانثربولوجيا أن موطن الإنسان الأول كان في افريقيا، ومن ثم أنتقل قبل خمسة وثمانون الف سنة إلى القارتين الاوربية والآسيوية عبر الشرق الأوسط في أول هجرة جماعية كبيرة. فكلما أقترب الإنسان من الأجواء الباردة صارت بشرته أكثر بياضا ً حيث يبدأ يفقد اللون الأسود الذي كان يحمية من أشعة الشمس الضارة التي قد تصيبه بأمراض سرطانية.

ويقال أيضا ً بأن الكثير من الأدوات التي طورها الإنسان البدائي كانت في أفريقيا قبل أكثر من مئتي ألف سنة قبل أن ينتقل إلى القارات الأخرى. أما افريقيا اليوم فهي تعيش الفقر والجوع والجهل الذي يخيم عليها، وبالخصوص موجة الجفاف الأخيرة التي تضرب شرق القارة في المنطقة المحصورة بين كينيا والصومال. يقول الخبراء بأن هذه الكارثة هي الأسوء منذ ستين عاما ً، حيث تهدد نصف مليون طفل بالموت مالم تقدم لهم المساعدات العاجلة. يمشي الآلاف سعيا ً للوصول لآبار المياه من أجل أطفالهم وماشيتهم أياما ً عديدة ويموت في الطريق من يموت ليصبح طعاما ً للطيور الجائعة. أما العالم فأنه ينظر بعين العطف ويده الطويلة لاتصل لجيبه الذي يمكن أن يحل المشكلة.

لقد كانت أفريقيا مصدرا ً لموارد الدول الصناعية وقبلها مصدرا ً مهما ً لجلب العبيد نحو أوربا وأمريكا وشبه الجزيرة العربية. وإلى الآن يعامل الافارقة على انهم بشر من الدرجة الثانية في الكثير من الدول وأولها الدول العربية التي تستغلهم أسوء إستغلال وبالخصوص الخادمات الواتي يجلبن على شكل عمالة أجنبية. فالنظرة لهم نظرة دونية حيث يفرقون عن باقي البشر في التعامل بعيدا ً عن التعامل الإنساني الذي أوصت به الشرائع السماوية والاديان والفلسفات الأخلاقية المختلفة. حتى التعامل مع الكوارث الإنسانية يكون بشكل إنحيازي فيلاحظ المرء الفرق الواضح في المساعدات المقدمة لليابان في التسونامي الأخير ومايحدث من كارثة إنسانية في شرق افريقيا. شيء جميل أن تقدم المساعدات لليابان من كثير من الدول فاليابان بلد سباق في تقديم المساعدات لدول العالم المحتاجة، ولكن أن يتم الكيل بمكيالين تجاه بشر من نفس النوع مع إختلاف اللون فهذه كارثة أخلاقية.
لقد قدمت الدول الغنية، الغربية بالخصوص، مساعدات من أجل معالجة الوضع هناك ولكن لم يسمع أحد عن تقديم دول عربية لمساعدات إنسانية. بالرغم من أن بعض الدول العربية قدمت المساعدات لليابان كالعراق ولبنان. إن أقل من مليارين تكفي لإنقاذ حياة نصف مليون إنسان من تلك المجاعة الرهيبة، وإلى الآن لم يوفر سوى نصف المبلغ لذلك حسب تقارير الأمم المتحدة. إن هذا المبلغ ليس بالكبير للكثير من الدول الغنية التي تمتص دماء الدول الفقيرة من خلال إستغلال مواردها الطبيعية أو من خلال إستغلال حصصها في طرح ثاني أوكسيد الكاربون في الجو من أجل زيادة الإنتاج. حتى أن هذا المبلغ غير كثير على الكثير من الدول العربية التي تشتري الأسلحة بمليارات الدولارات.

المشكلة هي أن الدول تدور حيث تدور مصالحها وبعض الدول، العربية منها طبعا ً، تدور في إطار ديني وطائفي بحت حين يكون الموضوع موضوع مساعدات إنسانية. إن الدائرة الأوسع هي الدائرة الإنسانية والتي يجب أن تكون منطلقا ً لتقديم المساعدات من قبل الكثير من الدول ومنها الدول العربية.

لكن ومن جانب آخر، لابد أن لايستغل الوضع في تلك الأماكن الفقيرة من أجل التأثير على المحتاجين هناك لتغيير ديانتهم. فالكثير من المنظمات الإنسانية خلفها اجندات دينية أو طائفية أو سياسية مستغلة الوضع الحرج الذي يعيشه هؤلاء الناس الجياع. يقول قسم كبير من الباحثين أن الإستعمار الغربي كانت خلفه عقلية مسيحية تبشيرية من خلال تواطئ الكنيسة الكاثوليكية مع المشروع الإستعماري الغربي قبل أكثر من مئتي عام في أفريقيا. أما الآن فهناك صراع محموم بين حملات تنصير مسيحية ومجموعات تسعى لإسلمة مجموعات في أفريقيا من خلال تقديم المساعدات الإنسانية أو التعليم أو بناء المدارس والجوامع لها.

إن تقديم المساعدات لابد أن لايقتصر في توفير المال لشراء الطعام بل يتم من خلال توفير سبل التعليم ونشر الوعي الصحي والمساعدة في بناء البنى التحتية فذلك يقطع الطريق بلا شك أمام الإستغلال الذي تمارسة بعض المنظمات تحت المسميات الإنسانية. لابد أن يكون الدافع الإنساني هو المحرك في تقديم المساعدات وإنقاذ تلك المجموعات من الهلاك فالإنسان إنسان إينما حل وكان إن كان في اليابان أو افريقيا. إن أي تجاهل لهكذا كوارث هو وصمة عار في جبين الدول التي تملك المال ولاتقدم المساعدات، بل هي وصمة عار في جبين البشرية جمعاء أن يموت بشر من الجوع وتفرش موائد يتخم بها الأثرياء في الكثير من الأماكن في العالم لا لشيء سوى لأن أولئك البشر من لون آخر.

[email protected]