حين كان المعارض السوري هيثم المالح ممنوعاً من السفر ومسجوناً، قبل فترة، سمحت السلطات السورية لزعيم الحزب الديمقراطي التقدّمي الكردي في سورية، عبدالحميد درويش، بزيارة كردستان العراق، لتهنئة زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني برئاسة ثانيّة للعراق. حيث استُقبل هناك، استقبال القادة والرؤساء. والآن، quot;شيخ المعارضين السوريينquot;، هيثم المالح، كما يحلو للبعض تسميته، حرٌّ طليق، والسلطات السورية تسمح له بالسفر، لرئاسة مؤتمر quot;إنقاذ وطنيquot; للمعارضة في تركيا، وتحت مظلّة ووصاية جماعة الاخوان المسلمين، وبدعم من حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا، بينما تمنع السلطات السورية، السيد عبدالحميد درويش، الذي تجاوز العقد الثامن من عمره، من السفر الى الخارج، لتلقّي العلاج!. وللذي لا يعرف درويش، فهو أكثر القادة الكرد السوريين ليبراليّةً واعتدالاً، وكانت تربطه بالسلطات السورية، علاقات، لم يكن ينكرها. بينما المالح، ذو الخلفيّة الإسلاميّة، والميول الأخوانيّة، كان ولازال، من ألدّ المعارضين للنظام السوري!. منع درويش من السفر للعلاج، هو مؤشّر دامغ على موقف النظام من الكرد السوريين، سواء أكانوا معتدلين أم quot;متطرّفينquot;، حتّى في أحلك الظروف التي يعيشها النظام!. وسماحه للمالح بالسفر، هو أيضاً مؤشّر على ما تمّ التنويه إليه أعلاه. وبين هذا المؤشّرين، سورية الى المزيد من حمّامات الدم، بمعيّة همجيّة النظام، وتشتت المعارضة السوريّة وغطرسة بعض رموزها وأطرافها، إلى جانب الصمت العربي المخزي، وصفقات الدول الكبرى المشينة. كاتب كردي سوري
مشهد كهذا، يفتح قوساً كبيراً للسؤال حول آلية تعاطي النظام السوري، بذكاء شديد، مع قوى المعارضة، ولعبه على التناقضات بينها، بالتزامن مع تعاطيه العنفي والوحشي مع المظاهرات الاحتجاجيّة!. وبالتأكيد، أن (ليبراليّة واعتدال) عبدالحميد درويش، لا تشكّل خطراً على النظام، بقدر ما تشكّله (راديكاليّة) هيثم المالح، إذا أخذنا الأمر، وفق معايير ومقاييس النظام في دمشق.
النظام السوري، وبسماحه للمالح بالسفر لحضور مؤتمر quot;الانقاذquot;، وقبله حضور البرلمان الأوروبي، يشي بأن هنالك ثمّة احتمالين، لا ثالث لهما، يمكن أن يفسّرا هذا الموقف المتناقض.
الاحتمال الأوّل؛ إن النظام، شديد المتابعة والرصد والتنصّت على اتصالات المعارضة السورية، فيما بينها من جهة، وبينها وتركيا والسفارات والأطراف الدوليّة من جهة أخرى. وثمّة خبراء في علم النفس، قد درسوا طباع ونفسيّة كل معارض سوري. وبالتالي، النظام يعي تماماً تفاصيل وماهيّة العُقد النفسيّة لدى أقطاب ورموز المعارضة السوريّة العربيّة والكرديّة والآثوريّة، وفي مقدّمهم المالح، وجماعة الأخوان المسلمين والتيّار الإسلامي. وبالتالي، النظام يعي بأن إشراف التيّار الإسلامي على مؤتمرات المعارضة، وبعقليّته تلك، سيجعل من المؤتمر فاشلاً. فمنذ مؤتمر اسطنبول 1 وصولاً لمؤتمر اسطنبول 2، مروراً بمؤتمرات انطاليا وبروكسل وباريس، كلها كانت مؤتمرات فاشلة، نتيجة ذهنيّة السطوة ونزعة الاستعلاء والنرجسيّة الدينيّة والقوميّة العروبيّة، المستبدّة بالتيّار الإسلامي _ الإخواني، ومحاولاتهم فرض تلك الذهنيّة وأجندتها على بقي الشركاء من الطيف المعارض، الممثل لمكوّنات النسيج الاجتماعي السوري. وبالتالي، إطلاق حريّة السفر للمالح والسماح له بالمشاركة في مؤتمر اسطنبول 2، لـquot;الانقاذ الوطنيquot;، كان مدروساً بعناية وذكاء، من قبل النظام، كي يظهر للشعب السوري والحراك المنتفض، من جهة، وللاطراف الدوليّة الأوروبيّة والأمريكيّة من جهة أخرى، مدى بؤس وخراب حال المعارضة السورية، وتحديداً، التيّار الإسلامي _ الإخواني. وباعتقادي أن النظام نجح، إلى حدّ بعيد، في تشويه صورة المعارضة السوريّة، داخليّاً وخارجيّاً، بمعيّة تهافت التيّار الإسلامي، وبطانته الطائفيّة _ القومجيّة، التي لا تقلّ بؤساً عن البطانة الطائفيّة _ القومجيّة للنظام السوري!.
الاحتمال الثاني؛ السماح للمالح بالسفر والمشاركة في مؤتمر اسطنبول، بالتزامن مع وجود هيلاري كلينتون هناك، يشي بوجود صفقة بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين، عبر الوسيط التركي، وبرعاية أمريكيّة _ أوروبيّة، مرتكزها، تقاسم السلطة مع الأخوان، وإجراء تعديلات وإصلاحات دستوريّة، من شأنها الإطاحة بدولة البعث، والإبقاء على الرئيس السوري وحاشيته في الحكم لفترة معيّنة، بحيث يتمّ خلالها تهيئة الأرضيّة المناسبة لخلع الرئيس السوري، لاحقاً، دون عناء وتبعات وخيمة، ربما تؤثّر على أمن وسلامة إسرائيل والمصالح الغربيّة، الأمريكيّة والأوروبيّة والتركيّة في المنطقة. وقد اوكل الأوروبيون والأمريكيون الدور الرئيس في هذا المخطط لتركيا، وابرموا معها اتفاق يقضي بالتوسّط بين النظام والمعارضة من جهة، والنظام وأمريكا وأوروبا من جهة أخرى، وصولاً لمخرج يضمن مصالح الجميع، ويحافظ على رأس النظام السوري. وهذا ما نلحظه، في التصريحات التركيّة والأمريكيّة والأوروبيّة، التي تحضّ النظام على التفاوض مع المعارضة السوريّة. وهي تقصد، المعارضة الأخوانيّة تحت وصاية الاتراك، بالدرجة الأولى. وبالتأكيد، ان تركيا قد قبضت الجزء الأوّل من اتعابها في هذه الصفقة، من كيس أكراد تركيا، وذلك عبر زيادة الضغوط الأمريكيّة والأوروبيّة على حزب العمال الكردستاني. وستقبض الدفعة الثانية من الاتعاب لاحقاً، بعدم منح الشعب الكردي في سورية أيّة حقوق سياسيّة وثقافيّة واجتماعيّة، على زمن الأسد أو بعده، لأن ذلك سيترتّب عليه انعكاسات جدّ وخيمة على وضع الكرد في تركيا، ويدفعهم للمضي أكثر في خياراتهم السياسيّة والاصرار على مطلبهم في الادارة الذاتيّة لمناطقهم جنوب شرق تركيا. دون أن ننسى بأن تركيا، تعتبر سورية quot;عراقهاquot; الذي لن تتنازل عنه، أيّاً كانت الأكلاف. وعليه، يمكن اعتبار دور جماعة الأخوان المسلمين السوريّة، بالنسبة لتركيا، هو نفس الدور الذي لعبه ويلعبه حزب الدعوة والمجلس الاسلامي الأعلى وجماعة مقتدى صدر بالنسبة للنظام الايراني، قبل وبعد سقوط نظام صدام حسين. والحال هذه، تركيا لن تفرّط بسورية. وهي جاهزة حتّى لاستخدام القواعد الامريكيّة وأراضيها، لأيّ تدخّل عسكري أمريكي _ أوروبي في سورية، ولن تكرر خطأ سنة 2003، حين رفضت الاشتراك في التدخّل الأمريكي في العراق، وسمحت لايران لأن تبتلع العراق، وللكرد أن يحصلوا على ما حصلوا عليه.
وما يوكّد أن أوروبا وأمريكا، قد أسندت ملفّ سورية لتركيا، التصريحات الأمريكيّة والأوروبيّة التي تشدد دوماً على ضرورة التنسيق مع أنقرة، وتركّز على الدور والثقل التركي الوازن في سورية. وغالب الظنّ، أن أنقرة نجحت في إعطاء تمطينات لتل أبيب وواشنطن ولندن وباريس وبروكسل أن جماعة الاخوان المسلمين، لن تضرّ بأمن وسلامة إسرائيل، في حال وصولها للحكم. وأبلغ رسالة أرسلها الإخوان للغرب الأوروبي والأمريكي والاسرائيليين، هو حضورهم لمؤتمر باريس، المثير للجدل، الذين نظّمه ليفي، الداعم لتل أبيب!.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات