إن ما يدل على رفعة الانسان و سمو أخلاقه عن غيره من الكائنات هي بعض الصفات والطباع الغريزية و الفطرية كالعدالة التي توزع الحقوق و الواجبات و المساواة التي تلغي الفكر الانتمائي الاستعلائي و من ثم التسامح الذي يحرر به الانسان نفسه من أحقاد الماضي و ضغائنه ليخرج من العزلة الاجتماعية و الروحية إلى بحر المجتمع الذي ينتمي إليه بمشاعر إنسانية راقية. إن هذه الصفات مجتمعة من شأنها أن تُولد مجتمعاً يخلو من مسيئات البشر و يسوده الامانة و الصدق و احترام الاخر و الشفافية، و لعل ما يمر به وطننا السوري و شعبه هذه الايام من الظروف الخطيرة و الصعبة جداً جراء ما يمارسه النظام السوري المستبد و القمعي من خلال إطلاقه يد أجهزته الامنية و بأساليب وحشية لقتل الشعب السوري المسالم الذي يطالب بالخلاص من القمع و الاضطهاد و الانطلاق إلى مساحات الحرية و العدل و المساواة و بأساليب سلمية بحتة يحتم علينا التحلي و التمسك أكثر بتلك الصفات و الطباع لما فيها من سمو في الاخلاق و طيبة في القلب و زرع لثقافة التسامح بدلاً من الفتنة و الحقد لنستطيع الخروج من هذه الازمة الحرجة و التي تعتبر الاولى في تاريخ سوريا قديماً و حديثاً.

و لكن... و للأسف الشديد تظهر و في هذه الايام العصيبة بين الحين و الآخر طروحات اطروحات إعلامية و شعارات و كتابات سواء من قبل النظام السياسي السوري أو من بعض القلة القليلة من أطراف المعارضة العربية السورية لتزيد من الفتنة و الحقد بين أبناء الشعب السوري عبر الهروب المتعمد من هؤلاء إلى تاريخ غير صحي و مليء بالجراح كان لهم كما للنظام السوري الجزء الأكبر من المسؤولية فيما جرى آنذاك و محاولة الربط بين ما جرى من أحداث مؤسفة آنذاك ومنذ أكثر من ثلاثين عاماً 1979 ndash; 1982 بما يحدث اليوم في وطننا الحبيب - من سفك لدماء الشعب السوري عامة على أيدي النظام البعثي و بأساليب بعيدة كل البعد عن الاخلاقيات الانسانية - رغم اختلاف الوقائع و الاسباب و النتائج و لو بشكل نسبي.

صحيح إن ما يحدث في سوريا اليوم هو نتاج لتاريخ من القمع و التنكيل و التهميش و الاستفراد و الاستقصاء و التحكم بمقدرات الشعب بشكل مستبد لا بل و بشكل إرهابي مارسه النظام السياسي السوري و منذ أكثر من 40 عاماً ككل سياسي متكامل و بمنهجية وبرنامج عمل واضح وضعه الأولون من البعث العربي و هو بالتالي إذا ليس مرتبط بجزء متجزأ أو بشخص أو مسؤول أو عضو من هذا النهج السياسي المتغطرس.

إذا و كما أتصور أنه ليس من الصواب أن نسقط تلك التجربة المؤلمة على واقع اليوم و نضع المسؤولية في كل ما جرى من مصائب و جرائم على جزء كان من النظام فالنظام السياسي السوري كان كل متكامل و القرار يتخذ في إطار القيادة السياسية و هذه القيادة كانت تحتوي على الكثير من الأشخاص المختلفة في الانتماء الاجتماعي و الديني و لم يكن القرارات محصورة بأيدي أناس من انتماء عائلي أو ديني محدد على عكس ما يحاول البعض اليوم من ركوب هذا الحصان ليحقق به مصالحه الفئوية و الحزبية الضيقة. إن ما يجري اليوم في سورية هي ثورة الشعب السوري عامة و بكل انتماءاته الاجتماعية و السياسية و القومية و الدينية و ليس حركة مسلحة أو تيار فكري أو سياسي أو ديني واحد كما كان في حماه 1980 هي ثورة شعب ضد نظام ديكتاتوري مستبد جائر... ثورة سلمية حضارية و ليست مسلحة كما كان في حماه 1982.... سلاحها حناجر الشباب السوري و الإيمان بالله و الوطن و الوعي الوطني و السياسي، شباب قاموا من أجل كرامة و حرية الشعب السوري و ليس من أجل السلطة و انتزاعها بقوة السلاح، شعارهم واحد... واحد... واحد... الشعب السوري واحد، وليس إمارة يحكمها سلفيون و متدينون كما في حماه 1982، ثورة عفوية بدأها أطفال من درعا البطلة و انضم إليها الوطن و الشعب معاً ثورة لم تبدأ بالاغتيالات و القتل لأناس اختلفوا في الانتماء أو الرأي مع طرف كما جرى في حماه 1982، ثورة شعب لم ينتظر الدعم المالي و العسكري من قوى اقليمية او دولية على عكس ما جرى في 1980 بل اعتمد على قوة إيمانه بالحق و بالوطن... إن المقارنة بين ما يجري اليوم و ما جرى عام 1980 هي مقارنة خاطئة لا بل مسيئة للثورة و هي تعميق للجرح الوطني.

و لكن و للأسف هناك من يحاول قصداً الربط بين الحدثين رغم اختلاف الوقائع و الأسباب بقصد الإساءة للثورة عبر ايهام المجتمع بأن السبب هو نفسه الذي كان 1980 و بالتالي فرض أجندتها السياسية غير العصرية على الثورة و كسب عطف الناس، كما أن هناك من يربط بين الحدثين دون قصد و دون أن يكلف نفسه البحث عن الحقيقة التاريخية و الاعتماد على مصادر من جهة واحدة دون آخر رغم أن هناك الكثير ممن عاشروا تلك الاحداث و يعرف تماماً حقيقة الاسباب و النتائج في 1982.

إن ما جرى في حماه بين عامي 1979- 1982 بين الاخوان المسلمين و نظام البعث السوري...!!! ليس كما يجري اليوم في سورية و بالمطلق...!! سيما و أن القارئ لتاريخ هذا الصراع بين الاخوان والدولة السورية يرى أن هذا الصراع بدأ فعلياً عام 1964 عندما أرسل رئيس الجمهورية آنذاك أمين الحافظ فوج من الدبابات بناءً على طلب عبدالحليم خدام الذي كان محافظاً لمدينة حماه وقتئذ و الوقوف في وجه حركة الاخوان المسلمين التي كانت تمارس التهديد و القتل ليس ضد رموز الدولة السورية في حماه فقط لا بل ضد القوميين العرب quot; الناصريين quot; و الشيوعيين و القوميين السوريين أنصار أنطون سعادة و ازداد وتيرة هذا الصراع بين الدولة السورية و حركة الاخوان المسلمين التي كان لها جناح عسكري قوي حسبما تشير الدراسات التاريخية بعد استلام حافظ الأسد عام 1970 المنتمي إلى الطائفة العلوية السورية عبر الكثير من عمليات الاغتيال لرموز الدولة السورية فضلاً عن الكثير من الكوادر العلمية و الدينية المختلفة معها بالنهج كالعقيد علي حيدر سنة 1976 ndash; و الدكتور محمد الفاضل رئيس جامعة دمشق الذي اغتيل في شباط فبراير 1977، والعميد عبد الكريم رزوق امر فيلق الصواريخ( كان يعتبر بشهادة الغرب من افضل ضباط الصواريخ في العالم) الذي اغتيل في حزيران يونيو 1977 و الاستاذ علي بن عبد العلي من جامعة حلب الذي اغتيل في تشرين الثاني نوفمبر 1977، ونقيب اطباء الاسنان السوريين الدكتور ابراهيم نعامة الذي قتل في اذار مارس سنة 1978و الدكتور شحادة خليل المختص بجراحة الاعصاب في اب اغسطس 1979 وقد أخذ الصراع بين الدولة السورية و الإخوان المسلمين منحى آخر حيث كان أكثر شراسة و دموية خاصة بعد مذبحة quot; مدرسة المدفعية quot; في حلب في 16 حزيران 1979 الذي نفذته مجموعة مسلحة من الإخوان المسلمين بقيادة المدعو النقيب ابراهيم اليوسف ضد مجموعة من الطلاب الضباط أثناء اجتماعهم في إحدى قاعات المدرسة و قد قَتلوا أكثر من 90 ضابطاً من طائفة واحدة و زادت حدة المواجهات بين الطرفين أقول بين الطرفين فقط...!! وفقط في مدينتي حلب و حماه و لم تمتد إلى المدن الأخرى و تمادت حركة الاخوان المسلمين أكثر و أكثر ليس طلباً للحرية و الديمقراطية و العدالة كما يشاع اليوم بل طرحوا أنفسهم كتيار فكري بديل للنظام و لتنفيذ أجندة دينية متطرفة و تأسيس لإمارة إسلامية في حلب و حماه و لعل ما قامت به هذا الحركة آنذاك من قتل عشوائي للعديد من الشرائح السورية المختلفة معها بالنهج فقط امتدت للخبراء و الفنيين الروس و الكوادر العلمية غير البعثية من أمثال العلامة محمد الشامي في مسجده مسجد السليمانية في حلب في 2 شباط فبراير 1980 ولم يسلم حتى عمال التنظيفات من القتل فضلاً عن المئات من البعثيين و الناصريين و الشيوعيين و الأكراد و كان أسوأ ما أقدمت عليه جماعة الاخوان المسلمين التي كانت متحالفة مع النظام العراقي بقيادة المجرم صدام حسين هي حادثة تفجير سيارة مفخخة في شارع الأزبكية في دمشق والذي راح ضحيتها العشرات من المدنيين الأطفال و الشيوخ، و في العام 1982 و بالتحديد في الثاني من شهر شباط عندما و قعت دورية من الجيش السوري في كمين لجماعة الاخوان المسلمين و على أثرها و بعد تتبع الجيش لإشارات لاسلكية كانت تصدر من بيت المدعو عمر جواد المسمى بأبي بكر و المعروف بأنه كان قائداً عسكرياً للجماعة في حماه هاجم الجيش مكان إقامته ليعلن أبو بكر الجهاد من خلال الجوامع و مكبرات الصوت ليفاجئ الجيش و الدولة السورية بمئات المسلحين و الجهاديين وتؤكد مصادر كانت معاصرة للأحداث أنه ظهر العشرات من العناصر غير السورية quot; العراق، قطر، السودان quot; ليفر الجيش السوري و ينسحب من حماه تماماً بعدما خسر الكثير من عناصره نتيجة لعنصر المباغتة من قبل الاخوان المسلمين و الهجوم عليه و تم إعلان حماه إمارة عسكرية و هذه حقيقة أنا عاشرتها و كان قد جاء إعلان حماه إمارة إسلامية عن طريق إذاعة صوت سوريا الحرة التي كانت تبث من بغداد كما تم إصدار بيانين واحدة في ألمانيا الغربية آنذاك و الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية يعلنا بدء الثورة في حماه و كان لهذا دعم في توجه النظام إلى إتهام هذه الجماعة بارتباطها بأمريكا و اسرائيل عن طريق نظام صدام المقرب آنذاك من أمريكا...!! و بعد أن أعاد الجيش صفوفه أعد العدة لمهاجمة المدينة و كسر شوكة الاخوان المسلمين الذين كانوا أشدوا تطرفاً من اليوم و تدمير إمارتهم الاسلامية و كان من المؤسف حقاً أن الاخوان و بعد أن أدركوا أن الامور بدأت تسير لصالح الدولة السورية التجأوا إلى الاحياء القديمة من المدينة و يحتموا بالأهالي و المدنيين حيث كان الخطأ الفاحش الذي ارتكبه القائمين على هذه المعركة من طرف الجيش بقصف الاحياء ليقتل المئات من الاهالي و المدنيين و عدة آلاف من الجهاديين التابعين للإخوان المسلمين و ليس كما يشاع اليوم أن عشرات الالاف من المدنيين قتلوا // هيثم المالح في مؤتمر استنبول مؤخراً // و أن الآلاف أعدموا في سجن تدمر و هذا غير منطقي لأن لو جمعنا عدد القتلى الذين قتلوا في تلك الأحداث كما تشيع بعض المصادر سيصل الرقم إلى 100000 قتيل هذا ما عدا الذين سقطوا من الجيش السوري و البعثيين و الشيوعيين و القوميين العرب الذين قتلوا على أيدي الاخوان المسلمين، و لو افترضنا بأن هذه العدد صحيح و أنهم يملكون الحقيقة، فلماذا لم يقدموا شهاداتهم و إثباتاتهم و شهودهم إلى محكمة الجنايات الدولية في الوقت الذي أكدت هذه المحكمة حيادها عبر الكثير من المحاكمات التي جرت للكثير من مجرمي الحرب سيما أن تعتبر جريمة إنسانية حسب وصفهم لها.....؟؟؟