بعد مرور سنة ونصف على اعلان النتائج الرسمية للانتخابات البرلمانية في السابع من آذار السنة الماضية، وانعقاد الدورة الثانية لمجلس النواب، والاتفاق على رئيس الجمهورية ونوابه وتشكيل الحكومة على أساس المحاصصة والتوافق والتوازن استنادا الى اتفاقية أربيل برعاية رئيس اقليم كردستان، وبقاء الوزارات الأمنية على حالها دون وزراء، وعدم تشكيل المجلس الاعلى للسياسات الاستراتيجية، بقيت الحالة العراقية تراوح في مكانها وبقي موقف كل من رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي ورئيس القائمة العراقية أياد علاوي على حالهما دون تغيير ودون تحريك منذ اليوم الاول لاعلان نتائج الانتخابات والى يومنا هذا، ووصل الامر الى وقف التشاور والحوار بين الطرفين ومطالبة العراقية باعادة الانتخابات البرلمانية للخروج من الأزمة السياسية التي يعاني منها العراق، ويبدو أن الأمر يرتبط بفرض الزعامة ونيل الامتيازات والصلاحيات والحصول على مراكز النفوذ بدلا من التفكير بحال العراقيين وبالمصالح العليا للبلاد.

ولا شك أن هذه المواقف غير المسؤولة لدولة القانون والعراقية ورئيسيهما، لم تأتي من فراغ، بل أنها متعمدة لتعقيد المسألة السياسية بسبب المصالح وتحديد مراكز القوى داخل بنية سلطة الدولة، وتعليق الوضع وعدم الوصول الى حل مرضي ترك العراقيين امام حيرة وتساؤول كبير حول وطنية كل منهما، والحالة المعلقة التي تشهدها الساحة وضعت الواقع الراهن امام احتمالات خطيرة، ولكن المقروء تحت الاسطر لصفحات الحالة السياسية تبين أن المالكي وكتلته هو المستفيد من الوضع.

ويمكن تحليل المشهد بموضوعية وحيادية من خلال ما يلي:
bull;السيطرة على المراكز الأساسية والرئيسية للجيش والشرطة والاجهزة الأمنية والاستخبارية من قبل المالكي وكتلته لبسط السيطرة الفعلية على هذه المراكز والمؤسسات الدفاعية والأمنية بعيدا عن مشاركة الاقوى السياسية الاخرى.
bull;فرض قبضة قوية للمالكي على مجلس الوزراء وادارة المكاتب الخاصة بالحكومة من قبل اتباعه واعضاء حزبه.
bull;السكوت الصارخ للمالكي وحكومته عن القصف المدفعي الايراني للمناطق الحدودية في اقليم كردستان بسبب رضوخ بعض القوى السياسية لارادة النظام في طهران.
bull;الصمت غير المبرر للمالكي والحكومة العراقية ازاء ثورات الربيع العربي وبالاخص منها ثورة السوريين ضد نظام بشار الاسد.
bull;التماطل المتعمد في اصدار القرار العراقي بخصوص بقاء القوات العراقية والخوف المتصاعد من انهيار الحالة الامينة بعد انسحاب القوات الأمريكية.
bull;طرح سياسة الترشيق الوزاري في الحكومة لاجراء تغييرات حسب سياسة المالكي وحزبه لتركيز قبضتهم على الحكومة.
bull;العمل المبرمج من قبل المالكي وكتلته لابعاد القائمة العراقية والتحالف الكردستاني بأي شكل من الأشكال من الشراكة الحقيقية في العملية السياسية لادارة البلد.

هذا المشهد غير المستقر للحالة العراقية المبني على اساس عدم الشراكة بين كل القوائم والكتل الفائزة في مجلس النواب، وميل كفة الميزان الى المالكي وكتلته، وما يرافق هذا المسار غير المتوازن من ازمات ومشاكل وتعليق معالجة أزمة الخدمات واعمار البلد، ما هو الا نتيجة طبيعية للمسار الخاطيء للسياسيين، وما يؤسف لها ان الحالة المعلقة أصابت العراقيين بالصدمة، والواقع الراهن قدم صورة قاتمة للحاضر والمستقبل بسبب عدم استيعاب القيادات العراقية للواقع الماساوي للمواطنين وعدم قدرتهم على حل ازماتهم الحياتية والمعيشية وعدم استيعاب مباديء الدستور الدائم واستغلالهم للديمقراطية المتبعة في عراق ما بعد السقوط.

وهذا الوضع المتأزم الذي تعيشه الكتل البرلمانية وعدم قدرتها على حل الأزمة بجدية ووطنية يشكل واقعا مرفوضا من العراقيين بسبب تواجده على حقول مكتظة من الألغام الموقوتة، وحالة عدم الشراكة وعدم القدرة على ادارة البلاد والتقصد بخلق الازمات السياسية المستمرة، ما هي الا انعكاسات سيئة للسياسيين على المواطنيين.

لذا ومن باب الحكمة والمنطق فان الحالة العراقية المسيرة بالازمات التي اتعبت اغلب المواطنين تستدعي ازالتها لارساء حالة من الاستقرار السياسي لبناء واعمار البلد، وهذه الازالة تتطلب اعادة الانتخابات البرلمانية لرسم الخارطة السياسية من جديد بعد ان كل العراقييون من صراعات القادة السياسيين وبعد ان فاض الكيل من هموم الاغلبية الفقيرة من الشعب.

وحان الوقت للناخب العراقي ان يدرك أهمية صوته وان يحسب الف حساب لصوته في الانتخابات القادمة لكي لا يذهب هدرا ولكي لا يكون منبع كنز للسياسيين المنتفعين لكسب الاموال والامتيازات بعيدا عن هموم المواطن وعلى حساب الشعب، والحقيقة المرة ان الاحداث أثبتت ان أصوات الناخبين لم تقدر على اختيار سياسيين وطنيين بمستوى المهام الوطنية.

لذلك نجد ان اعادة الانتخابات البرلمانية اصبحت ضرورة وطنية ملحة لوضع العملية السياسية على مسارها الصحيح والبدء بخطوات جدية لضمان الخدمات وبناء واعمار البلاد بعد غياب شبه تام للخدمات والشعب العراقي على اعتاب الدخول الثامن لسنوات ما بعد سقوط النظام البائد، ونأمل ان يكون لصوت الناخب القادم دوره الفعال لاستقامة الميزان السياسي واختيار رجال مؤهلين وقادرين على خدمة العراقيين.

كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]