ذهنيّة وثقافة القناع، متأصّلة في سلوك أنظمة الشرق الأوسط ومعارضاتها. ذلك أن هذه الأنظمة، حين كانت quot;معارضةquot;، وقبل أن تصل للحكم بأنقلاب، كان لسان حالها يطقر معسول الكلام عن أنيل القيم والشعارات التي تنادي وتطالب بها، من قبيل؛ سلطة الشعب والمواطنة الحرّة في دولة القانون والخير والحبّ والعادلة. وحتّى استلامها للحكم، والإمساك به بقبضة من حديد، وسحقها لمعارضاتها، كانت دوماً تتمترس خلف الشعارات الطنّانة والرنّانة تلك، ذات الوهج والبريق. لكنها في الوقت عينه، تقول الشيء الحميد، وتفعل نقضيه الخبيث والمذموم والقبيح والبشع، مما تحفل به سجّلات هذه الانظمة من كوارث اجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة ونكبات وطنيّة!. لكن، والحال هذه، المعارضات في الشرق الأوسط، الإسلاميّة منها والعلمانيّة، اليساريّة منها والقوميّة، الليبراليّة منها والمتطرّفة، وبخاصّة في سورية والعراق وإيران وتركيا، هي أيضاً، تشرّبت ثقافة وذهنيّة القناع الموجودة لدى الأنظمة الحاكمة، في حالة تماهي، غير معنلة، للضحيّة مع جلاّدها! على الكرد عدم القلق. قلقهم مبالغ فيه جداً. ذلك أن المعارضة العربيّة العراقيّة، قبل سقوط النظام العراقي، قبلت بكامل حقوق الكرد الوطنيّة، وبعد سقوط النظام أيضاً. ولم يسترعِ وصول طالباني لرئاسة الجمهوريّة وحصول الكرد على الفيدراليّة، كل تلك المعارك السياسيّة والمناكفات والممانعات والمزايدات والطعن في صدقيّة ونوايا ومواقف كرد العراق الوطنيّة!. وعلى الفور، طبّقت المعارضة العربيّة العراقيّة ما كانت وعدت به الكرد، ووقّعت عليه، ولم تناقض نفسها، ولم تتنصّل من وعودها تلك. بدليل، ان المادّة 140 من الدستور العراقي، التي كان يجب ان تطبّق وينتهي من أمرها سنة 2007، طبّقتها المعارضة العراقيّة فور استلامها للسلطة!. ولم تترك أمر تلك المادّة معلّقاً حتّى الآن!. ناهيكم أن الكرد في العراق، لم يتم اتهامهم بالخيانة والنزوع الانفصالي...، من قبل المعارضة _ السلطة العراقيّة، ولم يتعرّضوا للتهديد والوعيد، من هذا الطرف العراقي أو ذلك، بين الفينة والأخرى!. وبالتالي، لا أحد يعرف؛ لماذا كل هذا القلق الموجود لدى الكرد؟! كاتب كردي سوري
هذا الاستهلال، هو توطئة للقول: على الكرد السوريين ألاّ يقلقوا أبداً. إذ لا مبرر لقلقهم مطلقاً. ذلك أن كل ما كانوا محرومين منه في سورية من اعتراف دستوري بوجودهم القومي، وتضمين حقوقهم السياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة في الدستور السوري، على زمن نظام حزب البعث الحاكم، ستحققه المعارضة السورية، حال الإطاحة بالنظام وتأسيس عقد وطني اجتماعي، سياسي جديد، ومن شأنه إنجاز دولة ديمقراطيّة ومدنيّة تعدديّة... وطنيّة، تكون فيه سورية بكل شعوبها ولكل شعوبها وأديانها ومذاهبيها وطوائفها. وبالتالي، لا توجد أيّة دواعي لقلق الكرد السوريين أبداً!.
أنا quot;متأكّدquot; أن قلق الكرد، لا يمتلك أدنى درجات التسويغ والتبرير!. فحزب العدالة والتنمية التركي، ومنذ أن وصل للحكم في تركيا، وقد خطى خطاً (جديّة وحقيقيّة!) نحو حلّ القضيّة الكرديّة، بعيداً من ذهنيّة وقرار التصفية والقتل والقتال والإنكار والمراوغة والتحايل والكذب والدجل!. ولم يؤجّل العدالة والتنمية، حلّ القضيّة الكرديّة الى 9 سنوات أخرى من الدمّ والصراع والاحتراب الداخلي!. ولم يؤجّل إعلان الدستور المدني الديمقراطي الذي يعترف بالتنوّع القومي والاثني والديني والمذهبي التركي، ويضمن ويصون استحقاقاته الوطنيّة الديمقراطيّة، إلى 88 سنة أخرى من عمر الجمهوريّة التركيّة، وإلى بحرٍ آخر من الدماء!
حزب العدالة والتنمية الإسلامي، دفع بالتي هي أحسن، وجنح للسلم، تطبيقاً لمبادئ وقيم الدين الإسلامي الحنيف، ولم ينزلق للبطانة القوميّة، الطورانيّة، ولم يتّجه الى إنتاج نسخة جديدة من الاتاتوركيّة، بلبوس quot;إسلامي معتدلquot;!. وسخّر العدالة والتنمية استلامه للسلطة لثلاث دورات انتخابيّة، وإمساكه بالرئاسات الثلاث (الجمهورية، الحكومة، البرلمان)، وإمساكه بعصب الاقتصاد التركي وحركة المال والاعمال، وبالإعلام، وسيطرته على المخابرات المدنيّة الـ(MIT) وقوّات الأمن الداخلي (البوليس)، واستيلائه على 90 بالمئة من الجسم القضائي، وتغلغله ضمن الجيش وهيئة الاركان، وسيطرته على مجلس التعليم العالي والجامعات والمعاهد التركيّة...، سخّر كل ذلك، لحلّ القضيّة الكرديّة وكل قضايا تركيا العالقة، ولم يسخّرها لأجل فرض هيمنته على الدولة ومؤسساتها!. وبالتالي، لا أحد يعرف أسباب قلق الكرد، بعد أن أقرن أردوغان الأقوال بالأفعال، إزاء حقوق الكرد وقضيتهم!، ولم يستكبر ويتمادى في منطق الحرب والتصفية!؟
في سورية، النخب السياسيّة والثقافيّة الكرديّة، (مغالية جدّاً) في قلقها. فالمعارضة العربيّة السوريّة، ليست النظام أبداً!. ولا يوجد أي تماهي قومجي، عنصري، عصبوي، لدى المعارضة السورية مع نظام بشّار الأسد!. فلماذا كل هذا القلق لدى الكرد السوريين!
المعارض العربي السوري، في تعاطيه الفردي مع نظيره الكردي، يكون في منتهى الودّ والتفاهم لحقوق الكرد السوريين ومطالبهم العادلة في الاعتراف الدستوري بهم وحقوقهم. ويغرّد لسانه بمناقب ومحاسن الدور الوطني للكرد السوريين، في نشأة الدولة السوريّة والثورات على الاحتلال الفرنسي، وحتّى الآن. هذا المعارض، سواء أكان إسلامي أو علماني، قومي أو يساري أو ليبرالي، في تعاطيه الجانبي والفردي مع نظيره وشريكه الكرديّ، هو من أروع ما يكون، والأنموذج الأنصع في مدى العمق في الوعي والسلوك الوطني والديمقراطي. وحين يدخل هذا المعارض مؤتمراً مشتركاً مع الكرد، مما يجري حاليّاً، هنا وهناك، لا ينقلب المعارض العربي على quot;قناعاتهquot; في المؤتمر!، ولا تتبدّى بطانته ورطانته القومجيّة في المؤتمر!، ولا يعرقل أي مسعى كردي سوري، بغية توثيق المطالب الوطنيّة الديمقراطيّة العادلة للشعب الكردي السوري في أوراق وبيانات ووثائق المؤتمر!. المعارض العربي السوري، هو خارج وداخل أي مؤتمر للمعارضة، هو نسخة واحدة وليس نسختان!. وبالتالي، لماذا يقلق الكرد السوريين من أيّة سلطة قادمة لدمشق، ويخشون أن تكون هذه السلطة الوليدة، نسخة معدّلة عن نظام حزب البعث!؟. بدليل، أن كل البيانات التي صدرت عن مؤتمرات المعارضة السوريّة، داخل وخارج الوطن السوري، (وصفت!) الكرد السوريين بأنهم (شعب)!، ولم (تصرّ) هذه البيانات على عروبة سورية، رغم أن الشعب السوري، مزيج من الكرد والعرب والسريان والآشوريين والأرمن والتركمان والشركس والروم...، وحتّى العرب السوريين، قسم كبير منهم، مستعرب، وليسوا أقحاحاً. وكل تلك البيانات أكّدت على تسميّة quot;الجمهوريّة السوريّةquot;، كما كانت، منذ ولادتها، ولم (تصرّ) على تسميّة quot;الجمهوريّة العربيّة السوريّةquot; التي أتى بها حزب البعث العربي الاشتراكي، حين انقلب على النظام واستلم السلطة سنة 1963.
وعلى ضوئه، قلق الكرد السوريين وهواجسهم ومخاوفهم، لا مبرر لها مطلقاً، طالما هنالك معارضة quot;ديمقراطيّةquot; خالصة، ليست من طينة السلطة، وقطعت مع سلوك وذهنيّة النظام في تعاطيه مع الشعب الكردي السوري!. وتتحلّى بثقافة الإقناع والتواصل والشراكة الحقّة والحرّة. وهي براء من ذهنيّة وثقافة القناع. بدليل؛ أن المعارضة السورية التي تجتمع في اسطنبول وأنطاليا بروكسل، بخاصّة منها التيّار الإسلامي (جماعة الأخوان المسلمين وملاحقها)، تصدر البيانات الختاميّة، برفض التدخّل الخارجي. في حين أن وتركيا مخترقة للشأن السوري، حتّى ما بعد النخاع، حاليّاً وسابقاً!.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات