اليسار الفاشل

تعيش الأحزاب اليسارية في الأردن أو الذين يعتبرون انفسهم يساريون في عالم آخر عن بقية الناس، فلا يزالوا يعتقدون أن الشعارات القومية ستنقذ الشعوب من الفقر والهيمنة الامبريالية وستحرر الأراضي المحتلة، وسيقيمون دولتهم الفاضلة الخاصة بهم. لقد أثبت التاريخ ووقائع الاحداث أن هذه اوهام وأكاذيب، وسأذكرهم ببطلهم الكبير جمال عبد الناصر رحمه الله، والذي فشل فشلا ذريعا في انهاء حالة الفقر في مصر، وفي تحقيق الوحدة العربية، لكنه للأسف نجح في جلب أكبر هزيمة ذاقها العرب في تاريخهم الحديث. إن ما يعانيه الشعب الفلسطيني من احتلال واذلال ومصادرة اراضي واستيطان الآن له علاقة بمغامرة عبد الناصر الفاشلة رغم كل ما قاله احمد سعيد ومحمد حسنين هيكل في تضليل الشعوب، بأن ما حدث عام 1967 كان انتصارا، لأن اسرائيل لم تتمكن من احتلال القاهرة ودمشق، حتى أنهما وصفا الهزيمة بالنكسه، أي وعكة بسيطة، لكن لا تزال هذه الوعكة تنخر في جسم الأمة العربية لمدة 44 عام. هذا هو بطل القوميين اليساريين. ألم يتعلموا الدرس بعد؟

ثم انتقل اعجابهم لصدام حسين الذي جلب لشعبه الغزو والدمار بسبب سياساته الحمقاء الغبية. خاض حرب طاحنة مع ايران استمرت ثمانية سنوات واحتل الكويت ومني الجيش العراقي بأم كل الهزائم عام 1991 وعام 2003 وانتهى الأمر بصدام في حفرة بائسة ثم حبل المشنقة. ولم يتعلموا الدرس بعد؟والآن يطبلون ويزمرون ويصفقون لنظام دمشق الاجرامي حيث انهم لا يزالوا يعتبروا الاحتجاجات الشعبية ضد نظام بوليسي قمعي في سوريا هي مؤامرة صهيونية امبريالية لاسقاط آخر قلاع القومية التي لم تقدم سوى الصمود اللفظي والممانعة الشفهية والرفض اللغوي والدعم الكلامي للمقاومة. ألم يقدم نظام دمشق الحماية لاحتلال الجولان لأكثر من 40 عاما حيث ينعم الاحتلال الاسرائيلي بهدوء تام على هذه الجبهة. الم تعارض اسرائيل سقوط نظام بشار الأسد؟ ألم يقل رامي مخلوف لصحيفة نيويورك تايمز في شهر مايو/ آيار الماضي، أن امن واستقرار اسرائيل مرتبط بأمن واستقرار سوريا؟ السؤال هل تعلّم اليساريون الدرس من ذلك؟

الاخوان السلبي المتخبط

يحاول هذا اليسار الفاشل الآن بالتحالف مع حركة أخرى في الأردن الا وهي حركة الاخوان المسلمين من افتعال مواجهة واراقة دماء بدون سبب. الاخوان المسلمون يعتصمون ويحتجون بحجة المطالبة بالاصلاح ثم يرفضون المشاركة في الحوار الوطني ويرفضون المشاركة في الحكومة لماذا؟ دعوا إلى العصيان المدني ثم يوزعون الفتاوى يمينا ويسارا بدون التفكير في العواقب.

ألا يجعلك هذا السلوك الأهوج أن تشك بأنهم يعملون لأجندة مغرضة تخدم جماعات وعواصم اقليمية لا تهتم بالاصلاح بل لخلق البلبلة والتخريب من اجل تحقيق مآرب طالبانية واطماع اقليمية؟

ألا يوجد على الطاولة الآن في الأردن رزمة من الاصلاحات الدستورية وقوانين احزاب وانتخابات برلمانية وغيرها سيدرسها البرلمان، السؤال لماذا الاخوان المسلمون يرفضون الاصلاحات سلفا وقصدا يعمدون على تجاهل كل هذه الخطوات الايجابية بهدف تحريك الشارع وتحريضه على المواجهة.

لقد اختاروا التمسك بالاخطاء ولم يلاحظوا او يستوعبوا الدروس من خبرة زملاءهم في مصر وتونس حيث ابدى الاسلاميون هناك براغماتية وواقعية في التعامل مع المتغيرات، في حين أن إخوان الأردن ما شاء الله عليهم لا يتزحزحوا، ويعتبرون الكل خاطيء ومقصر وغلطان، إلا هم، حيث يحتكرون الحقيقة والاتصال المباشر بالقدرة الربانية كما فعل اخوانهم في حماس الذين فقدوا مصداقيتهم وشعبيتهم ويتهربون الآن من الانتخابات بأعذار مختلفة.

الاخوان المسلمون واليساريون يروجون لأكذوبة اعتدنا عليها وهي أن quot;وعود الإصلاح في الأردن هي كلام في الهواء لذر الرماد في العيون وكسب الوقت. فلا توجد إرادة سياسية لبدء عملية الإصلاح ومكافحة الفساد، وذلك لأن الفاسدين يسيطرون على مفاصل النظام السياسي، ويتحكمون بمصير البلاد من الألف إلى الياء.quot;

وهذا يتناقض مع الواقع ومع التطورات على الأرض ويتجاهلون الاجراءات الفعلية لتحقيق الاصلاح المنشود. لقد طالب الإخوان المسلمون بإقالة الحكومة السابقة وحل البرلمان، وبعد ان رحلت حكومة سمير الرفاعي طالبوا بسقوط حكومة البخيت الجديدة حتى بعد تعديلها. ثم طالبوا بحكومة انقاذ وطني، لكن الوطن لا يمر بكارثة وليس على وشك الانهيار حتى تظهر الحاجة لحكومة انقاذ وطني. هذه مبالغات للتخويف والتهويل وخلق جو من اليأس في النفوس.

ثم رفضوا انضمام الأردن لمجلس التعاون الخليجي الذي هو مطلب غالبية الأردنيين بسبب الفوائد الاقتصادية والسياسية التي ستنتج عن ذلك. لكن ما هو الهدف من معارضتهم لذلك ؟ ما هو السبب المقنع وما هي الحجة وما هو المبرر لمثل هذا الرفض؟ هل هو لارضاء طهران؟ اذا كان الأمر كذلك ليقولوا لنا بصراحة ان اسيادهم في طهران يرفضون انضمام الأردن لمنظومة مجلس التعاون الخليجي.

لماذا لم يعترضوا على التحاق الأردن بمنظومة التجارة الدولية عام 2000 والتي تشجع على خلق تكتلات اقتصادية لتسهيل عملية التفاوض والتبادل التجاري.

لقد فشل الأخوان في تعبئة الشارع الأردني ضد هذا الموضوع، فانتقلوا من الخليج الى جرش حيث اصدروا الفتاوى لالغاء مهرجان جرش الفني والثقافي.

انهم يلعبون بالنار ويريدون تأجيج الوضع لاشعال حرب داخلية ويلعبون على وتر خطير يهدد الوحدة الوطنية بشقيه الأردني والفلسطيني، كما أنهم بفتاويهم التي أصدروها والتي تعتبر أن الذي يموت خلال المظاهرات بأنه شهيد ما هي إلا دعوة خطيرة للعب على منوال الدين واستغلاله لتنفيذ اجنداتهم، وبالتالي لا تختلف هذه الفتاوى عن فتاوى تنظيم القاعدة التي تقول بأن من يفجر نفسه فهو شهيد. لذا على الإخوان وحتى اليساريين وبعض من يسمون أنفسهم بأنهم ليبراليين أن يتقوا الله في الأردن، وأن يتذكروا الحقائق التالية والتي يعرفونها:

حقائق يعرفونها ويفضلوا تجاهلها

اولا:

لا يحكم الأردن دكتاتور ثوري جاء بانقلاب عسكري بل نظام ملكي دستوري له شرعية دستورية ودينية وتاريخية، فهو يحكم بعقلانية وحكمة جلبت الاستقرار والأمن لعقود من الزمن، كما جلبت التقدم في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والسياحة والزراعة والصناعة والفن. هناك مؤسسات دستورية ومجتمع مدني ناشط واحزاب سياسية وآليات رقابة ومحاسبة وقضاء نزيه ومستقل.

ثانيا:

الأردن ليس دولة بوليسية قمعية تحكم بالحديد والنار وتقوم بتشويه جثث الاطفال واغتصاب النساء واستعمال فرق موت لتصفية الخصوم والمتظاهرين كما يحدث في بلدان القومية الممانعة الصامدة.

ثالثا :

لا يتم اختطاف الناس بالليل ولا يختفوا بحيث لا احد يعرف مصيرهم. لا يتم ابتزاز المواطنين في المطارات عند عودتهم من الخارج كما يحدث في عواصم الثورات الوراثية. وعند وصولك للمطار لا تتعرض للمتابعة والمراقبة والملاحقة والاعتداء والاعتقال التعسفي والتعذيب.

رابعا:

لم يتم قتل آلاف المواطنين ولا يوجد شبيحة وقناصة تصطاد المتظاهرين. الأردن ليست ليبيا وليست اليمن وليست سوريا. لا يحكم الأردن طغاة اغبياء يتشبثوا بالسلطة حتى لو تم ابادة شعب كامل.

خامسا:

النظام في الأردن لا يرفع شعارات فارغة رنانة للإستهلاك المحلي والخارجي، بل يتعامل بواقعية وبراغماتية تدرك ما يدور على الساحة ويتعامل معها بحكمة ولمصلحة الوطن، وقد جنب شعبه ويلات الحروب والمغامرات الهدامة.

سادسا:

النظام في الأردن احتضن الاخوان المسلمين لعقود في الوقت الذي كان نظرائهم في دول عربية يتعرضون للملاحقة والتعذيب في السجون.

خلاصة االكلام:

ألا يهرب الناس وينزحوا من الدول المجاورة ويتجهوا للأردن، في حين لا نرى افواج من الأردنيين يهربوا باتجاه سوريا او العراق أو اليمن أو مصر. كل هذه دلائل لها مغازي كبيرة وعلى رأسها ان الأردن بلد معتدل متسامح ويتمتع بقيادة حكيمة استطاعت بذكاءها السياسي ومقدرتها على قراءة المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة قراءة دقيقة، كما استطاعت ان تجنب الأردن الكوارث والمهالك. ورغم وضعه الجغرافي السياسي الصعب، حيث اسرائيل من الغرب تحتل وتغطرس وتتربص لتطهير الضفة الغربية من سكانها وترحيلهم للأردن، وشرقا العراق الغير مستقر وشمالا نظام دكتاتوري يشن حربا شعواء ضد شعبه للبقاء في السلطة رغم انه حكمها لأكثر من 40 عاما بقبضة من حديد، تمكن الأردن بقياداته الواعية ان يحافظ على استقرا وأمن البلد. كل هذا لا يعني ان الاصلاح غير مطلوب.

إن الاصلاح في الأردن حاجة ملحة وضرورة وطنية، وهناك اجماع وطني على ضرورة الإصلاح حتى قبل الثورات التي اجتاحت المنطقة، ونحن بانتظار ما ستسفر عنه الأسابيع القادمة من تعديلات للدستور وقوانين جديدة مثل قانون الانتخابات والأحزاب.


اعلامي عربي - لندن