المحاولات الدبلوماسية التي تبذلها القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس للحصول على موافقة الجمعية العامة للامم المتحدة لاعلان دولة فلسطين تعترضها ممانعة الولايات المتحدة الامريكية والثقل الدبلوماسي لاسرائيل، وتشير التقارير ان آمال تحقيقها ضئيلة بالرغم من استحقاق الشعب الفلسطيني لهذا الخيار الذي كان أخر انضمام له هو دولة جنوب السودان، ونأمل ان ينجح الرئيس عباس في جهوده المتواصلة لاستحصال موافقة الجمعية لدخول دولة فلسطين برقم 194 الى الامم المتحدة.
ولكن من باب التناول الموضوعي، فان مسألة اعلان الدولة الفلسطينية مازالت تجوبها مشاكل عديدة، منها العاصمة قدس والسلام بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني وتحديد حدود سيادة الدولة والمسائل الامنية والدفاعية، وتعنت أصحاب القرار السياسي في تل ابيب، وهذا التعنت تراكمت بفعل توقف الصراع الاسرائيلي والعربي وميل كفة الميزان الى صالح الدولة العبرية، ومواقف حكوماتها المتعاقبة برهنت على عدم التعامل بجدية لحل الصراع مع الطرف الفلسطيني خاصة طوال السنوات بعد ابرام اتفاقيات السلام في اوسلو، ومازالت حكومة تل أبيب تتراخى في التزاماتها تجاه الجانب الفلسيطيني حسب الاتفاقيات المبرمة بينهما وتحاول بشتى الوسائل التأخير عن اعلان الدولة الفلسطينية المستقلة بسيادة كاملة وعاصمتها القدس.
والحقيقة ان تجربة السلطة الفلسطينية بعاصمتها الادارية رام الله مازالت تنقصها مقومات السيادة والاستقلالية بالرغم من تعامل دول كثيرة معها على أساس الدولة، ولكن بالرغم من عدم تكاملها وانقسامها بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فان هذه السلطة سجلت لنفسها حضورا دوليا واقليميا فعالا، ولكن بفعل اندلاع ثورات الربيع العربي وتعرض الأنظمة المستبدة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا الى الزوال فان الحالة الفلسطينية بدت تحتاج الى ارساء استقرار سياسي في المنطقة لتأمين تأييد فعال لضمان حقوق الشعب الفلسطيني في اعلان الدولة.
والحق يقال ان الحركة التحررية الفلسيطينة توازيها تجربة اخرى في المنطقة وهي الحركة التحررية الكردية في كردستان العراق، والحركتان لم تقدرا لحد الان من اقامة دولة مستقلة بسيادة كاملة للشعبيهما، ولكنهما نجحتا في اقامة كيان سياسي لهما، ممثلا بالسلطة الفلسطينية بعاصمتها رام الله وفيدرالية اقليم كردستان بعاصمتها اربيل، وفي الحقيقة يمثل الكيانين بدولة فلسطين في واقع الامر والجمهورية الفيدرالية لكردستان العراق.
والأمر المؤكد ان ما يجمع بين دولة فلسطين والجمهورية الفيدرالية لكردستان العراق مقومات مشتركة عديدة لعبت دورها وستلعب دورها في الحاضر والمستقبل لتحديد مصير هذين الكيانين وفق حساباتهما السياسية والاقليمية والدولية، ويمكن ايجازها بما يلي:
1.عاصمة دولة فلسطين غير مستقرة لحد الان ولم يتم التوصل الى حل لها، بينما عاصمة الاقليم الكردي محددة بأربيل.
2.الحدود الادارية للدولة الفلسطينية ما زالت قيد التفاوض بين تل ابيب ورام الله، بينما نفس القضية في اقليم كردستان ما زالت قيد التفاوض بين اربيل وبغداد بسبب المناطق المتنازع عليها.
3.المؤسسات الحكومية غير مكتملة وموزعة داخل الدولة الفلسطينية، بينما في كردستان العراق مكتملة ومستقرة في العاصمة.
4.الاعتراف الدولي للدولة الفلسطينية جاوز حدودها الاقليمية والقارية، بينما الاعتراف باقليم كردستان ما زال ضمن الاطار القانوني لدستور العراق الدائم.
5.مصادر الثروات الطبيعية مازالت غير مستثمرة في الدولة الفلسطينية، بينما في فيدرالية كردستان مستثمرة مثل النفط والغاز.
6.المقومات الادارية العامة لدولة فلسطين مكتملة في اطارها المؤسساتي، وفي كردستان مكتملة ايضا في اطارها المؤسساتي بجميع مجالاتها الخدماتية والتربوية والصحية والتعليمية وغيرها.
7.لدولة فلسطين علمها ونشيدها الوطني، ولاقليم كردستان علمها ونشيدها الوطني.
8.لكل من الدولة الفلسطينية وكردستان العراق مسيرة حافلة بالنضال وقوافل طويلة من الشهداء وتاريخ حافل بالكفاح.
9.للشعبين الفلسطيني والكردستاني هويتهما القومية والثقافية المميزة والخاصة بهما.
10.ارساء النهج الديمقراطي في نقل سلطة الحكم وفق خيار الشعب عن طريق الانتخابات وفصل سلطات الحكم في الدولة الفلسطينية واقليم كردستان بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
بايجاز، هذه هي المشتركات القائمة بين دولة فلسطين والجمهورية الفيدرالية لكردستان العراق، وهي تشكل قواسم مشتركة حقيقية بين الشعبين الفلسطيني والكردستاني، وتمثل دافعا قويا لكل فرد منتمي لهذين الشعبين المناضلين للعمل على تحقيق الاهداف والغايات المشروعة لكل منهما في اطار المواثيق واللوائح الدولية الصادرة من الامم المتحدة والتي تكفل خيار حق تقرير المصير لكل الشعوب على هذا الكوكب النابض بالحياة، وتضمن خيار اعلان الدولة المستقلة بسيادة كاملة لتحقيق امال واحلام الشعبين الفلسطيني والكردستاني والتي ناضلا وقدما من اجلهما عشرات ومئات الالوف من الشهداء والمعوقين والمحرومين لاقامة كيان مستقل لهما من أجل السلام والحرية وكرامة الانسان والعيش المشترك ومن أجل ضمان مستقبل مضمون لاجيالهما اللاحقة.
كاتب صحفي
[email protected]
التعليقات