تطرح هذه الأيام في وسائل الإعلام فكرة إنتخابات مبكرة في العراق لتجاوز المأزق السياسي الذي تعيشه الأوساط السياسية العراقية. إن هذه الفكرة ليست بالجديدة إذا مافهمنا بأن أقطابا من القائمة العراقية يلوحون بهذا الحل كلما تعكرت الأجواء وتعثر الحوار مع دولة القانون. نعم, أن إعادة الإنتخابات لايتعارض مع الدستور الذي يدعو لذلك في حالات معينة. لكن, ومن الناحية الفنية والسياسية, هل يمكن أن تكون إنتخابات مبكرة حل للمشاكل السياسية أو طريق يؤدي لحلحلة الوضع السياسي المتأزم في العراق؟ من ناحية أخرى, السؤال الأهم هو, ماذا لو أجريت الإنتخابات المبكرة ولم تتغير الخارطة السياسية ونوع التحالفات والتكتلات, ماهي الخطوة التي ستلي الإنتخابات بعد إعادتها؟ أو على فرض أن الخارطة السياسية تغيرت ولم يتغير الوضع السياسي, فماذا سيكون الحل؟ سوف لن أناقش إعادة الإنتخابات من الناحية الفنية لأنه شيء ثانوي بالرغم من صعوبته وبالخصوص بعد اللغط الذي أثير حول مفوضية الإنتخابات التي لم يصوت البرلمان لإقالتها.
من أجل أن تتغير الخارطة السياسية للمكونات والكتل في البرلمان العراقي فلابد أن يحدث شيء معين, كتغيير وجهة النظر تجاه الحكومة أو إرتفاع شعبية المعارضة, خروج القوات المحتلة من البلاد أو أشياء كثيرة. ولكن أي شيء من ذلك لم يحدث عدا فشل الحكومة في تنفيذ برنامجها الذي وعدت ناخبيها بتنفيذه وهو سبب غير كاف لإسقاط الحكومة في العراق لسبب بسيط وهو أن التصويت الذي جرى في الإنتخابات السابقة كان على أساس طائفي وليس على برنامج حكومي تلتزم به الحكومة. من هذا المنطلق, لو أجريت إنتخابات جديدة, فهل ستفرز كتلة كبيرة يمكن أن تأخذ بزمام العملية السياسية أو ستغير وجه التحالفات من طائفية إلى سياسية على أساس المصالح المشتركة. بالتأكيد الجواب لا, إن إجراء إنتخابات جديدة سوف لن يغير شيء عدا زيادة ونقصان طفيف في عدد أعضاء القوائم. فالكل يعرف بأن عدد الفائزين الحقيقيين في الإنتخابات السابقة لم يتجاوز العشرين فرداً أما الباقون فقد دخلوا البرلمان ببركة الفائزين بما فاض من أصواتهم. أذن, حتى لو أفرزت الإنتخابات كتلة كبيرة فإنها سوف لن تحرز الأغلبية التي تستطيع بها تمرير القوانين في بلد نظامه السياسي ديمقراطي توافقي تحسم ملفاته المهمة بإتفاقيات سياسية خارج قبة البرلمان.
إن مامطلوب هو ليس إنتخابات مبكرة, والتي سوف لن تأتي بشيء جديد وورقة فاشلة يلعب بها من يشعر بالإفلاس السياسي, بل المطلوب هو إصلاح الوضع الحالي والبقاء على عيوبه حتى الإنتخابات القادمة بإنتظار أن يحصل شيئ ما, كخروج القوات الامريكية الذي سيغيير موازين القوى بين الكتل السياسية. وعلى قول الفقهاء, الصلاة المرقعة خير من إعادتها. إن المشكلة الحقيقية واضحة وضوح الشمس والكل يعرفها ولكن الكل يتجاوزها لأن الكل ينظر من منظار طائفي لاوطني. فحكومة مترهلة ينخر مؤسساتها الفساد وبرلمان بائس لايجتمع ثلثيه إلا نادرا ً بغياب رؤساء كتله وعدم وجود معارضة حقيقية, ونظام قضائي فتي بإستقلاله يتعرض لإبتزازات من قوى الضغط والمصالح, وبلد ديمقراطي يغيب فيه دور مميز لمنظمات المجتمع المدني لهو جدير بأن يكون فاشلاً ولن تعيد الحياة له أية إنتخابات مبكرة أو متأخرة.
الكرة الآن في ملعب الحكومة والبرلمان العراقي في ترقيع ماهو متوفر لكي يعبر لضفة الإنتخابات القادمة بأقل الخسائر. على الحكومة, إذا أرادت أن تنجو, أن تقوم بالترشيق بأسرع مايمكن والإنتقال للخطوة الثانية بتعيين وزراء تكنقراط بدل الوزراء الحاليين. على الحكومة أن تحارب الفساد وتقديم المفسدين للقضاء وعدم التستر عليهم. على الحكومة أن تتفاهم مع باقي الكتل من خلال لغة الحوار وليس التسقيط وتبادل الإتهامات وحرب التظاهرات. على الحكومة أن تسمع صوت المتظاهرين ولاتتجاهل أحد ما. من جهة أخرى, لابد أن نفهم بأن الفشل ليس حكوميا ً بإمتياز بل في العملية السياسية وجميع أطرافها الذين لم نفهم منهم سوى لعب دور المعارضة على إستحاء مع المشاركة الحكومية تحت عنوان الشراكة. وأخيرا ً وليس آخرا ً, لايمكن لبلد أن ينجو وبرلمانه معطل من كثرة الغيابات وهروبه من تناول قوانين مهمة ووضعها على الرف ليناقش إتفاقيات دولية وأشياء لاتنفع أحد في هذه الأوقات الحرجة. أن تغيب رؤساء الكتل عن جلسات البرلمان وكثرة أجازات النواب وسفرهم وتعطيل قوانين مهمة تمس حياة المواطن اليومية لهو الفشل بعينه. أين دور البرلمان في التشريعات ومراقبة الحكومة؟ لقد ضاع في زحمة الملفات التي تنتظر من ينفخ التراب من عليها.
إن المشكلة ليست في كتلة سياسية معينة ليتم تنحيتها لتحل الأخرى التي تملك برنامجا ً بديل كما هو معمول في البلدان الديمقراطية, بل المشكلة في الكل وفي العملية السياسية والأداء السياسي الفاشلين, بالحكومة والبرلمان. أن إجراء إنتخابات جديدة سوف لن يغير شيئا ً عدا تغيير بعض الوجوه, ولن يأتي بأناس ناجحون لأن الكل مشترك بالفشل وجزء منه.
- آخر تحديث :
التعليقات