وهل لدينا حكومة واحدة يشارك وزراؤها في رسم شخصيتها وسياستها وأهدافها، ومتفقون على تنفيذ برامجها وسياساتها، بحق؟ وهل لدينا جيش موحد مهني مستقل عن الأحزاب والتيارات والعشائر والمرجعيات والمليشيات، ومتفرغ لمهمته الوحيدة، ومنشغل بتدريباته في معسكراته، وجاهز للدفاع عن الوطن ساعة الضرورة؟ وهل هو قادر فعلاً على أن يطلق رصاصة واحدة، إذا ما أراد أن يصد جيشا غازيا جاءنا من شرق الوطن أو غربه أو جنوبه أو شماله؟ وهل يملك سلاحا لمهمة وطنية خطيرة من هذا النوع؟ ولكي يصبح جيشُ المالكي قادرا على غزو الكويت أو السعودية أو إيران أو الأردن أو سوريا أو تركيا، أسوة بسلفه الراحل، لتأديبها ومنعها من استرخاص الماجدات العراقيات، فماذا تفعل طائراته الـ 36 في مقاتلة مئات الطائرات والصواريخ وأقمار التجسس التي تحشدها دول الجوار، صغيرها وكبيرها، على حد سواء؟. أم إنه يؤمن بالمثل الصيني، )رحلة الأف ميل تبدأ بـ 36 طائرة فقط(؟؟ شيء آخر. هل لدينا برلمان واحد منتخب من المواطنين )بحق وحقيق( ليحمي مصالحهم ومواقفهم ويمنع الحكومة من إهدارها والعبث بها، أم إنه لملوم من حاشية هذا الزعيم وذالك؟ في حوار أجرته مجلة المجلة مع محمد الهوني - المستشار السابق لسيف الإسلام القذافي، قالإن الحالة الليبية كان مقدرا لها أن تتحول إلى حرب أهلية، على خلاف الحالتين المصرية والتونسية اللتين انحاز فيهما الجيش لصالح المتظاهرين ليحمي الدولة من الانهيار. وقال الهوني )إن المجلس الانتقالي ليست له أية قوة، فالإخوان المسلمون لهم ميليشياتهم، والقبائل لها ميليشياتها. والقاعدة في بلاد المغرب، إذا دبت الفوضى، لن تجد لها مكاناً أفضل من ليبيا لتهديد المنطقة وأوروبا. وستدخل القاعدة بقضها وقضيضها، وهذا أكيد، إن لم تكن قد دخلت بالفعل(. وأضاف: ) ليبيا بلد بلا دستور، بلا جيش، بلا برلمان، بلا أحزاب. ليبيا بلد بلا رئيس، ولا نائب رئيس. ليبيا ليست دولة. أسألكم بالله، ألا تشعرون بأن الهوني يتحدث أيضا عن العراق الديمقراطي الجديد؟ أعلم بأن كثيرين من عشاق المالكي والصدر والحكيم وعلاوي والمطلق والنجيفي والبرزاني والطالباني سوف يرشقونني بما اعتدتُ عليه من ورد وسكر وزبيب، ويردون علي بأن العراق دولة كاملة غير منقوصة. فيه حكومة منتخبة وجيش وبرلمان ورئيس ونواب رئيس وحرية وديمقراطية وأمن وأمان وسلام. اللهم سامح هؤلاء المتعصبين المتحيزين المخدوعين، فهم لا يعلمون. وها هو المالكي وأعوانه ومستشاروه، بعد كل ذلك الصراخ والعويل من ظلم البعث السوري الذي يرسل المخربين والقتلة لتفجير المفخخات في أسواقنا وقتل نسائنا وشيوخنا وأطفالنا، يبارك اليوم، بصفاقة وقلة حياء، مجازر الأسد، تيمنا وتنفيذا لأوامر الولي الفقيه، وكان عليه أن يغتنم الفرصة فيدعم نضال الشعب السوري لتحرير سوريا من بعثها الأشد ظلما ودموية وفسادا من بعث صدام حسين. لا تغضبوا مني يا أحبة دولة القانون وإيران وحزب الدعوة. فالعراق الجديد دولة فاشلة، بل هو ليس بدولة. إنه واحة ٌلاستراحة الولي الفقيه وقاسم سليماني الذي قال عنه النائب الكردي الجريء الدكتور محمود عثمان: من العار ان يلعب هذا الرجل مثل هذا الدور في بلادنا. نوري المالكي محتار. ماذا يفعل. أمريكا تريد أن تبقى، وإيران تريدها أن ترحل. لا هو صدام حسين الآمر الناهي الوحيد فيأمر ويطاع، ولا حكومته حكومة طيعة فتسمع كلامه، ولا برلمانه برلمان مستقل عن رؤساء الكتل والتجمعات والأحزاب والعشائر والمرجعيات فيحتكم إليه ويشكو له ظلم شركائه في حكومة المائدة المستديرة، ويطلب منه أن يخرجه من هذا المأزق اللعين. وحالُ خصومه رؤساء الكتل والأحزاب والمليشيات لا تقل عن حاله حرجا وورطة. فجميعهم، يشتهون ويستحون. يريدون بقاء أمريكا، ولكن لا يريدون أن يحملوا هُم هذه الجريرة. وها هو مقتدى الذي دوخنا بشعاراته النارية عن كفر المحتل ووجوب قتاله يرفض رحيل قوات الاحتلال، ويوافق على بقاء )خبراء ومدربين عسكريين أمريكان( بعشرات الآلاف، ولكنه رفض بشمم منحهم أية حصانة. وحتى صالح المطلق والنجيفي وعلاوي، موافقون موافقون موافقون، ولكنهم يناورون لتسويد وجه المالكي وحده. بالمقابل ظل هو يناضل من أجل أن يرمي الصخام كله على وجوه منافسيه وحساده المنافقين. أظن، وبعض الظن إثم، أن صفقة الطائرات المقاتلة الــ 36 نوع ٌ من المجاملة وتطييب الخواطر، ورسالة مودة عاطرة تحمل عميق امتنانه وعرفانه بجميل العم سام. إن الوطن على يدي أبي إسراء ورفاقه عامرٌ بالخيرات، غارق في الطيبات، وأفقر عراقي في أفقر قرية من قرى الجنوب والشمال أكثر غنى ورفاها وصحة من جميع سكان دول الجوار. أيها العزيز نوري المالكي، أنت في حاجة إلى تحرير إرادتك أولا، ومليء بطون مواطنيك ثانيا، وغسل نفسك وقلبك ويديك من جراثيم الطائفية ثالثا، واستعادة الإلفة والأخوة والمودة والمنافع المتبادلة رابعا، وتعاون على البر والتقوى ولا تتعاون على الإثم والعدوان. بعد ذلك كله يحق لك أن تفتش عن طائرات وصواريخ عابرة للقارات وأقمار تجسس اسابحة في ملكوت الله.
أجل، إنه سؤال مشروع. فهذه ألــ 36 طائرة إف 16 الأمريكية المتطورة المقاتلة )غير الدفاعية( التي بشرنا نوري المالكي بعزمه على اقتنائها، لقتال من؟ إيران، أم تركيا، أم سوريا، أم السعودية، أم الكويت، أم الأردن؟؟ أم هي لتحرير الجولان ومزارع شبعا وفلسطين؟؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال أطرح هذه الأسئلة:
هل لدينا دولة قائمة واضحة الحدود والمقاييس والسياسة والنظام كأية دولة أخرى من دول البشر؟
هل هو برلمان الشعب العراقي أم برلمان نوري ومقتدى واعمار وأياد وصالح وأسامة ومسعود وجلال، فقط لا غير؟
فدولتنا العامرة الزاهرة القوية العزيزة لم تستطع منع إيران الشقيقة الكبرى من قصف قرى كردستان الأمنة. ولم تجرؤ على صفعها حين جففت أنهار المواطنين وجعلتها قاحلة، أو حين رمت وساخاتها علينا فدمرت مزارعنا ولوثت مياهنا.
أما ما عدا ذلك فديكور وتمثيليات صبيانية في مدرسة مشاغبين. فلا حكومة ولا معارضة. لا ديمقراطية ولا ديكتاتورية. لا إسلام ولا علمانية. لا اشتراكية ولا رأسمالية. لا رئاسة ولا برلمان، لا ملكية ولا جمهورية. دولة من كل شيء، ومن دون أي شيء.
وحفنةٌ من مليارات النفط تهدى لأمريكا قطرة من بحر لا ينضب، فما المشكلة؟؟.
- آخر تحديث :
التعليقات