على الرغم من مرور ما يقارب الأربعة أشهر على إندلاع التظاهرات والإحتجاجات التي تشهدها بعض المدن والقرى السورية والتي غالبآ ما تصاحبها أعمال عنف ومصادمات دموية تحدث بين قوى الأمن السوري من جهة وبعض المجاميع المتطرفة من جهة أخرى والتي بدأت تنشط رغم محاولات التخفي التي ظلت تمارسها طوال الأسابيع الأولى للأزمة متسترة خلف شعارات الإصلاح المشروعة التي رفعها بعض من الشباب السوري العاطفي والمتحمس والذي تأثر بما حدث من ثورات في مصر وتونس، لكن سرعان ما تغير الوضع وأخذت هذه المجاميع التكفيرية تطل برأسها شيئآ فشيئآ وتعلن عن نفسها وتأخذ زمام المبادرة في توجيه وإدارة أغلب هذه التظاهرات رافعة شعارات تكفيرية طائفية ضيقة تدعو الى الإنتقام والفتنة، وإثارة الأحقاد وها هم شيوخ التكفير بدأوا بتكثيف ظهورهم على فضائيات التحريض، والقتل يحثون أتباعهم على مواصلة العنف والإستمرار في تخريب الممتلكات العامة والخاصة لإثارة الرعب في صفوف مكونات الشعب السوري الأخرى ودفعها الى التكتل والتخندق والإستعداد للدفاع عن النفس.


إن مراهنة هذه المجاميع على مواصلة الفوضى لزعزعة الأستقرار في سورية للوصول الى نفس النتائج التي حصلت في تونس ومصر ظنآ منها بأنها سوف تسقط النظام في سوريا وتستولي على السلطة هو رهان أحمق، ولعب بالنار، فموقع سوريا الاسيتراتيجي والتوازنات العرقية والطائفية الموجودة في المنطقة سوف تفرضان واقعآ مأساويآ لأي تغيير ممكن أن يحدث بصورة فوضوية غير محسوبة بدقة، فسوريا ليست تونس ولا حتى مصر وسوف تتفجر طائفيآ وحتى عرقيآ ولن يكون التغيير فيها سهلآ،فأكراد سوريا على سبيل المثال لهم نفس طموحات أكراد العراق وربما أكثر ولهم خطوطهم الحمراء على أية معارضة لا تلبي تلك الطموحات وهو ما يجعلهم في مواجهة مستقبلية حتمية مع المكون العربي والتركي في سوريا حيث إن العلاقة أصلآ بين هذه المكونات يشوبها الكثير من التوتر والشكوك، عدا عن الكتلة المسيحية والتي سوف تجد نفسها بدون أي مظلة تحميها مما قد يضطرها لطلب الهجرة القسرية والإبتعاد اذا تفاقمت الأزمة في سوريا، من خلال هذه الأمثلة البسيط وغيرها الكثير لا يسع المجال لذكرها هنا،فأن وضع سوريا المستقبلي مرجح بأن يكون مطابقآ للنموذج اللبناني في ثمانينات القرن المنصرم أو النموذج الليبي الحالي على أقل تقدير إن ساءت الأمور فيها لا سامح الله.


وليعلم أحرار سوريا وشبابها إن دعواتهم الإصلاحية قد تم تحريفها وإختراقها من قبل مجاميع مرتبطة بالخارج تريد تدمير سوريا، لذلك فأن الإستمرار والإندفاع بالمظاهرات والإحتجاجات العاطفية الحماسية بدون كابح من عقل أو إرادة مُنظِمة سوف يؤدي الى طوفان مدمر يخلف وراءه المآسي والكوارث، لذلك فالحل المطروح الذي سوف ينقذ سوريا من هذا النفق المظلم هو الجلوس الى طاولة الحوار الوطني ومناقشة مشروع الإصلاح المتدرج الهادئ والذي دعت اليه وبدأت بتنفيذه فعليآ القيادة السورية فهو السبيل والطريق الوحيد للمحافظة على الأستقرار في سوريا ودرء الفتن عنها وإبعاد شبح التقسيم منها وإن نجاح مسيرة هذا المشروع الإصلاحي لا تتم إلا من خلال حسن النوايا، وتغليب مصلحة الوطن على جميع المصالح الشخصية، والفئوية الضيقة.

[email protected]