هل الحكم في سوريا طائفي؟
أين موقع الطائفة العلوية من نظام الحكم البعثي؟
ثم ما دور حزب البعث في حكم سوريا وهل له أهمية؟
إذا عالجنا النقاط التالية يمكن أن نتحدث عن احتمالات الحرب الأهلية بين الأقلية العلوية الحاكمة والأكثرية السنية المحكومة.
قبل الدخول في تفصيلات الوضع السوري يمكن أخذ العبر من الحروب الأهلية في التاريخ وهل الحرب الأهلية تنتهي بحل المشاكل؟ أم خلق المزيد من المشاكل؟
لقد اندلعت الحرب الأهلية في أفريقيا بين التوتسي والهوتو في رواندا فكلف مليون قتيل في أسبوعين، قضوا نحبهم بالسواطير؛ فامتلأت جثثهم في الغابات أكثر من قشر الموز والبصل ولم يبال العالم!
وفي يوغسلافيا المفككة فكك الصرب عظام المسلمين ومفاصل الكراوت، وذبحوا في وجبة واحدة في سيبرينتشكا قريبا من ثمانية آلاف مسلم أعزل والقوات الهولندية على ذبحهم شهود.
وفي بلد الحجاج ذبح صدام في انتفاضة 1991م أعدادا لا يجمعها دفتر ولا يضمها كتاب، وفي حلبجة رش الناس مثل البعوض والذبان بمبيدات البشر؛ فسقطوا زرقا يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا.
وفي الحرب الأهلية اللبنانية ذبح الكل الكل بين درزي وشيعي وماروني وسني، في حرب ضروس أخذت جيلا كاملا في عشرين سنة، طازجة في الذاكرة، لعلها تشكل المناعة أن لا يخوضوا الحرب مرة أخرى، وليس ذلك مؤكدا فحماقة البشر أكبر من حماقة هبنقة وأشعب.
وفي هذه الحرب التهم الأسد الكبير لبنان مثل سندويشة فلافل قبل أن يخرج منها بدون خروج!
إن طبيعة الحرب الأهلية تتميز بأنها أشرس الحروب شناعة، وأطولها أمدا، وأعظمها فظاعة وقباحة، لا تعف النفوس عن كل حرام ومقدس وعيب، وأحفلها بالضحايا والآلام والأحقاد، وتدميرا للبلد، وسفكا للدماء، واستنزافا للموارد فيقعد البلد عقودا في حالة شلل قبل أن يستعيد العافية..
وهو درس للسوريين أن لا يدخلوا هذه المتاهة بأي صورة من الصور..
والمهرج الليبي نجح في هذا الأمر، وهو الأمر الوحيد الذي برع فيه.
لقد كلفت الحرب الأهلية في اسبانيا أكثر من مليوني قتيل (1936 ـ 1939)، وروى لي من أعرفهم أن رجلا من اليساريين بقي مختفيا طول فترة حكم فرانكو ولم يخرج للنور إلا بعد أن تأكد أن الديكتاتور قد نفق.
كانت الحرب الأهلية تدميرا هائلا للنسيج الاجتماعي في أسبانيا ودكتاتورية مقيتة لفترة أربعين سنة، كما هو في انسداد الأفق السياسي والشلل الاجتماعي مع عصر الانقلابي الدموي الأسد الأب، وامتداده عبر الابن، كما هو الحال مع نظيره نظام الحكم في كوريا بين الآب والأبن..
إن حرب الثلاثين سنة (1618 ـ 1648) على الأرض الألمانية كلفت ستة ملايين ونصف قتيل من أصل عشرين مليون من مجموع السكان، وخراب أكثر من ثمانين ألف قرية ومدينة، واحتاجت ألمانيا إلى جيلين كي ترمم نفسها وتودع الحروب المذهبية إلى الأبد، وأصدرت الكنيسة يومها قرار نورمبرج الشهير للمرة الأولى والأخيرة، بالسماح بتعدد الزوجات انطلاقا من تشريعات العهد القديم وزواج النبي سليمان المتكرر.
طبيعة الحكم في سوريا مركبة كما في قصة فرانكنشتاين..
فقد أوردت روائية بريطانية قصة غريبة من القرن التاسع عشر عن طبيب غريب الأطوار قام بتركيب إنسان من بقايا رهط من الناس ماتوا في حادث، فأخذ رأس هذا وساق ذاك وفخذ ثالث وصدر رابع، ثم ضرب الجسد الجديد بالكهرباء فانتفض من موت وقام يمشي..
فرح الطبيب بهذا الكائن الأسطوري حتى حين ولكن لم تدم فرحته حين بدأ هذا الكائن بالتحول الخبيث كما في تركيبة الحكم السورية...
وكما حدث في قصة دولي النعجة تكرر مع فرانكنشتاين على نحو أبشع، فأما دولي فقد قضى عليها من أتى بها إلى الحياة بجرعة سامة من البوتاسيوم بعد أن تبين أنها لا تصلح للحياة كما في قصة سليمان مع الجسد.. فألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب...
كذلك جرت الأحوال مع فرانكنشتاين بعد أن تحول إلى غول مخيف يكبر بشاعة ويتنقل قباحة..
كذلك هو الحال مع النظام السوري..
النظام السوري طائفي باتجاه، وعلماني باتجاه، وعائلي باتجاه، ومتدين سني من جهة رابعة..
يغلف كل ذلك جلد عجيب من حزب ميت اسمه البعث..
إنه خليط عجيب أليس كذلك ..
بين دوبا العلوي من المخابرات، والعطري الحلبي في الوزارات، والشرع الحوراني الذي فاقت مدته مدة المتجمد الروسي غروميكو فقد تحنط على مقعد الخارجية، والبوطي الكردي الذي عجز في خدمة الطغيان بالفتوى والبيان؛ فسبق كفتارو الكردي سيء الذكر الميت بجبال من خطايا، وحسونة الحالي المفتي الحلبي، وفاروقا الشركسي (وزير الداخلية وجلاد فرع فلسطين الأسبق الذي غير اسمه)!
لكن الشيء الأكيد هو حكم عائلي مغلق بامتياز، وشركة ذات مسئوليات غير محدودة، ومافيا مدربة على القتل.
هو نظام يستخدم العلويين المغفلين فيمنيهم ويعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا، كما يستخدم الشبيحة الحلبيين وهم سنة من أولاد العشائر؛ فالنظام يهمه حكم العباد إلى يوم التناد، على ظهور العلويين أم السنة، الأكراد أم الشيعة، التركمان أم الدروز، السريان والشركس والإسماعيليين، الجن الأحمر أم الذبان الأزرق..
المهم الحكم مرتاحا على ظهور العباد إلى يوم التناد.. يقضم البلد مثل جراد أفريقيا.
ولذا فهي اليوم فرصة للشرفاء من العلويين نفض أيديهم من العائلة الأسدية والشبيحة القتلة اقتداء ببيان شباب الطائفة العلوية (إنّ الاستبداد لا دين له ولا طائفة، فهو تحالف قوى ومصالح تنتمي لمختلف مكوّنات المجتمع، وإن اتهام الطائفة العلوية بولائها المطلق للنظام يصبّ في خدمة النظام الذي يحاول تجيير الطائفة إلى مصلحته عبر تخويفها من التغيير)
أن يتبرأ شيوخ الجبل وعقلاؤهم والمثقفين منهم بأنهم برآء من الأسد وعائلته وما جرى على يديها من قتل وتشنيع حتى يتم التحام الشعب السوري في وجه الطغيان....
هذا من جهة ..
أما من طرف الثورة فيجب أن يكون الرهان مزدوجا أن لا تدخل حرب طائفية وسخة، لأن المشكلة ليست في طائفة وملة، بل ظلم سد الأفق، مثل عجاج الصحاري وسموم الأفاعي..
لقد ذكر المؤرخ البريطاني توينبي ومعه ديورانت الأمريكي كلاهما عن جدلية الأقلية والأكثرية.
أما توينبي فاعتبر أن الحضارات تنهض بأقلية مبدعة تسوق الناس على أنغام المزمار، وحين تعجز فتسقط تتحول إلى أقلية مسيطرة تسوق الناس بالكرباج (السوط)!
وهو مايفعله النظام الأسدي المتداعي حاليا..
أما ديورانت فيسوق المسألة من باب مختلف فيعتبر أن دورات التاريخ هي دوما أكثرية تثور على أقلية، لتستبدلها بأقلية جديدة؛ فإذا صح تحليله فنحن بانتظار أقلية جديدة تحكم سوريا..
ما أريد قوله في خضم الثورة السورية أن الثورة يجب أن توجه خطابها ليس لأنها تُحكم بطائفة وحزب بل لأنها تظلم..
وتركيبة النظام السوري هو دماغ من عائلتين مثل نصفي الكرة المخية، من عائلتي الأسد ومخلوف، أما بقية الدماغ من عروق دموية ومخيخ ومخ مستطيل فهي امتدادات النظام المافيوي من رامي مخلوف وشاليش وآصف بن برخيا رئيس الأشباح والجان.

أين بقية الطائفة العلوية في هذا التركيب؟
الجواب أن هناك تسرب إلى كل المراكز الحساسة في الجيش والاستخبارات والجوازات والأمن وإصدار البطاقات الشخصية.
باختصار كل المراكز الحساسة والفرق المهمة من الضباط العلويين ما يذكر بالمماليك البرجية والبحرية والشراكسة في تاريخ مصر القديم.
وهو موضوع بالغ الحساسية لا يتطرق له أحد متغافلا أو جاهلا أو خائفا وهي حقيقة الوضع السوري....

هناك أصناف مختلفة من العلويين مثل قشر البصل.
مثقفين شرفاء يحملون الوعي بمسئولية مثل عارف دليلة ونزار نيوف ورائق النقري ولكنهم قلة.
وضباط مستفيدين باسم الطائفة وهم مستعدون لتبديل مذهبهم بالذهب واليورو والدولار..
وأميين مغفلين منتفعين مساقين بجهل، وتوعية سيئة، وأحقاد قديمة، وحكايات خرافية من الأجداد والجدات، عن تاريخ قديم ظلمت فيه الطائفة، وعليهم إعادة الاعتبار أو حتى الانتقام؟

ما هي مهمة الثورة في وجه خطر من هذا النوع؟
عدم الانجرار في أي صورة من الصور إلى المستنقع الطائفي، فإذا رسا مصير الثورة في النهاية في مستنقع الطائفية فالأحرى والأجدى أن تتوقف.
العلويون بشر ممن خلق لا ذنب لهم لأنهم ولدوا من رحم امرأة علوية؛ فعلينا تقبل الاختلاف، والصبر على جهلهم وحقدهم، ولو قتلونا فعلينا أن لا نقتلهم ...

متخذين من قولة ابن آدم الأول مذهبا:
لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين.
علينا أن نصبر من أجل تعليمهم الرحمة والثقافة والحرية وعدم عبادة الأوثان الحية والميتة فهذه هي ثقافة الثورة الإنسانية..
علينا أن نعلنها ثورة إنسانية بكل المقاييس..
أما المغفلين والبسطاء والمضحوك عليهم والجاهلين من العلويين والسنة فيجب أن نكرر لهم قول لينين حين نظر إلى الجنود البؤساء من الألمان والروس يفتك بعضهم ببعض تحت أوامر القيصر من هنا وهناك في خنادق الحرب العالمية الأولى؛ فقال لهم:
أنت أخوة يستغلكم هؤلاء فالتحموا إخوة في السلام وألقوا السلاح...
وعلينا أن ننادي على هؤلاء العلويين البسطاء ونقول لهم هناك من يستغلكم من شياطين العلويين والسنة على حد سواء من كل مكان..
انظروا إلى العديد من تجار حلب السنة لقد باعوا قضيتهم للشيطان، ومعهم الكثير من فقهاء السنة....
تأملوا البوطي الكردي السني نموذجا بالتحامه مع النظام السوري وقد أصبح في أرذل العمر؛ فهم أعداء الشعب السوري صدقا وعدلا..
وبالمقابل انظروا إلى موقف الدرزية بنت الأطرش التي كانت تعزي مع جودت سعيد الشركسي وفرق من بنات علويات من الساحل وأخريات مسيحيات أهالي دوما وقابون..
فهذه هي القضية وعلينا نقل هذه المفاهيم إلى السنة والعلويين والإسماعيليين والدروز والأكراد والتركمان والأرمن والآشوريين والطخلركة من السريان..
القضية بكلمة مختصرة هي طاغية وطغيان عشش في الزمان والمكان، وزكمت رائحة عفنه فسمقت إلى السماء، وعلى الشعب السوري بكل فئاته استئصال هذا السرطان...
يقول الطب أن الطاعون حين يضرب مدينة لا يفتش عن الهوية العقائدية بل التقبل البيولوجي..
كذلك الحال في المرض السوري أنه ينخر في عظام الجميع أيا كان انتسابهم المذهبي والعرقي والجنسي والديني..
من أجل ذلك كتبنا أنه من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا..
والنظام السوري استباح الدم فقتل كل السوريين..
علويين وسنة ودروز وسريان وأكراد وتركمان ..
إن الطاعون حسن يضرب مدينة لا يقول للمصاب بماذا تدين!
وإن السرطان حين يتسرب إلى الجسم يستبيح كل الأنسجة..
ونظام الحكم الأسدي يجمع بين الطاعون والسرطان...