في شتاء 2011م كان ملك الموت مع الكتاب الأخضر واللجان الشعبية في شغل فاكهون، يقطفون أرواح الشباب في بنغازي وطرابلس بمناجل من رصاص وصواعق على الدبابات يحبرون..
ولكن جرت سنة الله أن الدم يحرض على الثورة أكثر كان ذلك في الكتاب مسطورا.. تماما كما في الخرقة الحمراء للثور الهائج.. ولذا سميت ثورة فهي غضب عارم وطوفان ماحق وتسونامي لا يبق ولا يذر..
كنت مع حذر ووحيد نراهن على المستقبل؟ أما وحيد فقال لن يتغير شيء ولا في جيلي؟
قال حذر: مبارك آخر الراحلين؟ مقتبسا من قصة زاوركان الشركسي آخر الراحلين بقلم شينكوبا الروسي؟
قالت ثالثة كنت عند الرفاق في عاصمة الأمويين والعالم مثل طنجرة بخارية يغلي ولا أسمع شيئا؟
قالت رابعة لا أعرف؟؟
جاء دوري في التعليق قلت لوحيد أما أنت فمتشاءم، وينقل عن نيتشه قوله؛ التشاؤم علامة انحطاط، كما أن التفاؤل سذاجة وسطحية، والمخرج السليم هي ولادة الأوضاع من رحم المعاناة!
أما حذر فاعترف لك بالعقل التحليلي مثل مهندس مياه التحلية يدقق في كمية أيونات الماء.
الحق أقول لكم عروش كثيرة ستطير؟ ورؤوس كثيرة ستطيح؟ لا أعرف العدد ولكن كثير..
لقد رأيت مناما ومعه ربيع روحي ليلى سعيد التي غادرتنا إلى الآخرة وكانت ستستر بما نرى؟
لقد رأيت حريقا هائلا أكل الكثير من الغابات ثم وقف عند مساحة خضراء بسيطة فالتفت يمينا فرأيت بناية كبيرة هابطة كأنها كثيبا مهيلا؟
الحق أقول لكم سيطير الكثير؟؟
التفتوا إلي وقالوا كم؟ ومتى؟ وأين؟ ومن؟ ولماذا؟
أجبت: أظن أن اليمن في طريقها إلى التحول المورفولوجي، وكذلك المقذوف الليبي المهرج؟ ولا أعرف مصير جنرالات الجزائر، ويحوم ملك الموت حول الملك الصغير في الأردن؟ الذي له قصة مضحكة جدا نشرتها مجلة الشبيجل الألمانية حين توليته العرش أن (ساند بيرجر) جاء إلى الملك حسين وقال له جئتك بمهمة شائكة بالألمانية (heikle Sache) لقد اتخذنا قرار تنحية الأمير الحسن؟ قال مرتاعا ولكنه مقلة عيني؟ قال له سنعطيك من الانتيرفيرون ما يحملك إلى الأردن، وهناك تنزع الأمير وتضع محله الملك الصغير؟
تدخلت الملكة نور في حملة الإقناع مقابل تسمية حمزة ولي عهد الزمان؟ فرضوا وهي تقول لنا نصف الأرض ولقريش نصف الأرض؟ كما قال مسيلمة الكذاب يوما.. ولكن قريشا قوم يعتدون؟
تعلق المجلة فتقول إنه يشبه إياه في كل شيء فهو يحب النساء الشقراوات والسيارات السريعة أما السياسة فلا يفقه منها حرف واحد؟؟
إن الجنرال المهرج طبع آثاره على حديث ابنه فهدد وتوعد وهو يذكرني بقصة لجحا فقد وقف يوما يهدد ويتوعد بعد أن سرق منه (خرج الحمار وهو الكيس الذي يوضع على ظهر الجحش؟) فصدقه الناس ثم بدأوا في البحث عن خرجه حتى ردَّوه إليه؟
التفت واحد إليه وقال له: ما كنت فاعلا لو لم تحصل على خرجك؟ التفت إليهم بعيون حولاء وقال: عندي كيس عتيق كنت سأحوله إلى خرج لحماري؟؟
تماما ابن المهرج كان مهرجا أكبر، وسوف تشهد الأيام على تهريج طغاة آخرين، وأنه لا يتعظ أحد بثاني، كما سيحصل مع الدكتور الصغير في الأيام القادمات في بلاد الشام؟
إن ما يذكرني بالقذافي حقيقة مهزلة الممرضات البلغاريات؛ ففي تاريخ تاريخ 23 يوليو من عام 2007م كان الناصرين يحتفلون بعجل السامري، ثورة الضباط الأحرار، كما يحتفل كاسترو كل عام في ذكرى الانقلاب الفاشل في الهجوم على ثكنة موناكادو.
وبنفس التاريخ كانت محكمة القذافي تعلن عن الوصول إلى حكم نهائي في قضية الممرضات البلغاريات، اللواتي كان قد أعلن فيما سبق أنهن كن السبب في نقل مرض الإيدز للعديد من الأطفال عن طريق نقل الدم الخاطئ من دم ملوث.
دخلت في نقاش مع زوجتي عن طبيعة الحكم الذي سيصدر، وكانت توقعاتي لها أن القذافي أو محاكم القذافي الثورية ـ باعتبار أن القذافي لا يحكم بل الشعب بلجانه الثورية؟ ـ سوف تبرئ ساحة الممرضات ولو بلغت خطاياهن عنان السماء، فهذا سوف يرضي الغرب، والرجل يهمه رضاء الغرب عنه بأي ثمن، طالما كان ذلك سوف يمد في عمر العرش السلطاني ردحا من الزمن..
وفعلا صدقت توقعاتي ليس من ذكاء وسعة علم بل من واقع عربي ميت، والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون.
وفي الواقع حين أقيس أمور المشافي وكيف تقع الأخطاء الطبية، وأنا رجل طبيب أمارس المهنة منذ 35 سنة فأعلم تماما طبيعة مشافينا في العالم العربي وأين حدود المسئولية في الأخطاء الطبية..
والعمل الطبي سلسة من ترابط حلقات بعضها ببعض، فالطبيب قد يعمل أفضل عملية، وقد يضيع عمله بأتفه الأخطاء، وقد يموت مريضه من هذه الأخطاء التافهة؟!
والسبب أن العمل الطبي في العالم العربي يشبه كثيرا الوضع الثقافي، وحين يضرب الطاعون السياسي المنطقة فمعها الطاعون البيولوجي تلقائياً..
وهذا يعني وأنا أتفهم هذا الموضوع أن الممرضات البلغاريات هن حلقة في سلسلة طويلة، وروى لي ممن أثق به أنه كان يعمل في ليبيا فلم يعرف كيف يفر منها، ولم يكن الأول الذي فر ولن يكون الأخير..
وقصة الممرضات البلغاريات هي سياسية قبل أن تكون طبية، بكلمة ثانية هي لوكربي جديدة..
في عددين متتابعين لمجلة شبيجل الألمانية (30 ndash; 31 \ 2007م) تم تتبع القصة السرية لإطلاق سراح الممرضات البلغاريات من قبضة بنغازي، ومعها قصة الطبيب الفلسطيني المنكوب، الذي قضى في السجن ما قضاه من قبل (جيوردانو برونو) في محاكم التفتيش، في ثماني سنوات عجاف أطول من الحرب العالمية الثانية.
وحين سأله الجلاد الليبي إن كان يحب البقاء في أرض الأشقياء العرب، عفوا الأشقاء العرب! قال لن أبقى ثانية واحدة؟ فامتعض الجلاد وهم أن يأخذ بتلابيبه، كما فعل من قبل كرات ومرات بالبوكس والرفس والكهرباء، ضربا على السوق والأعناق والأعضاء التناسلية؟
وكان أهله من قبل قد فروا من فرعون وملئه، إلى العدالة الهولندية فمنحتهم اللجوء السياسي، كما فعل نجاشي الحبشة مع الصحابة.
وهو تقرير لواقع عربي يذكر بأيام الجاهلية، وتأبط شرا والشنفرى..؟!
تقول المجلة أن الدبلوماسية نفعت مع الجبار، بعدة طرق:
منها ما صرحت عنه، ومنها ما سكتت ليبقى سرا في الأدراج السياسية الخفية..
ولكن ما خرج إلى السطح أولا كان (لوكربي) مقلوبة، فقد استخدم القذافي القصة تلفيقا وزورا، ولم يكن من مرض وحقن فيروس بل مأساة إهمال طبي لا تبق ولا تذر، فألقي القبض على المنكوبين، ليس بموجب عدالة وتحقيق ووقائع، بل حسب اليانصيب ودوائر القمار السياسي؟ في وسط طبي لا يوصف بأقل من الكارثة؟ فنجت الممرضات الهنغاريات والبولونيات والفليبينيات، مثل حظ صالات القمار في الكازينو، ولم يكن للطبيب الفلسطيني أي أصبع في القضية سوى مروره العابر على جناح الأطفال، وحسب تقرير الطبيب المخبري العالمي (لوك مونتانييه) أعظم عالم فيروسات مخبري نزيه، عن انتشار الفيروس أنه لا علاقة للممرضات أو الطبيب بدم الأطفال، إلا مثل علاقة الذئب بدم يوسف؟!!
والمهم فالمخابرات خططت، وعناصر الضحية بعناية انتخبت، وسرر العذاب فرشت..
قال الطبيب الفلسطيني (الذي أصبح أوربيا بفضل القذافي) عن الطفل الوحيد في مشفى الحميات، الذي كان مكتوبا على سريره مثل جمجمة وعظمتين للتيار العالي (إيدز) لم ألمسه، وهو كل ما رأيت، حتى اكتشفت أن المرض وباء يمشي في القطر الثوري من وراء الفاحشة، في جو من الفساد البيروقراطي يزكم الأنوف.
وحين بدأت معارك الشوارع بين النظام الليبي والمتطرفين، الذين أطلق عليهم بحقد لقب (الزنادقة) لأنهم ناجزوه بالسلاح الأبيض، يقول الطبيب الفلسطيني الذي نطق بعد دهر: يومها لم يوجد في المشفى إبرة خياطة، وكنا نقطع الحبل السري لمئات الأطفال بمقص يتيم فريد وحيد؟
وعندما تكون الأوساط الطبية بهذا الحجم من التدهور، مهمته وضع الشعارات في قوالب مديح للإنجازات الثورية فيجب توقع كل شيء..
قال الطبيب الفلسطيني الذي ألقى بكل الجوازات العربية، بعد أن اكتوى بين أخوانه العرب، واستغاث البلغار وهم أمة بسيطة صغيرة، أن يجيبوا نداءه، فدعا ربه أني مغلوب.. فانتصر..، فلبوا النداء.
وكان ذلك بسبب حماقة الليبيين، فالوزير الألماني (شتاينماير) كان يناقشهم في بنود الإطلاق الأخيرة، قال له المفاوض الليبي (العبيدي) إن الفلسطيني لا علاقة له بالبلغار؟؟
مما دعاه إلى فض اللقاء والاتصال بالبلغار أن يمنحوه الجنسية فورا، وهي تعني دخول الاتحاد الأوربي في 27 دولة تضم 450 مليونا من الأنام، وهكذا ربح الفلسطيني، وخسر الليبي خسرانا مبينا.
وتروي قصة الدبلوماسية ثانيا؛ أن (سيف الإسلام) ابن الطاغية كان يُدلل بأفضل من (بلي بوي Play-Boy) فتجمع له الحسناوات الشقراوات الشابات الناعمات، مثل الحور العين يطوقنه ويدللنه ويصفقن له، كما ظهر في الصورة التي عرضتها المجلة، وتأتي عربة خاصة من المطار فيستقبل مثل رؤوساء الجمهوريات (VIP) مباشرة إلى الخارجية الألمانية، عسى أن يفكوا عذاب المعذبين، في أقبية المخابرات الليبية، التي كان تنتهك حقوق الإنسان بالطول والعرض مثل منشار جحا.
ونقتبس من فقرات الطبيب الفلسطيني أن الرجل قال: كنا نعذب عرايا أنا والممرضات في غرفة واحدة، ينظر بعضنا إلى بعض مكشوفي العورات قد ألجمنا الرعب والعرق، وأضاف: إنني أخجل أن أقول لكم ما فعلوه بنا، ولكن اثنين من الجلادين سوف أتتبعهم قضائيا ولو التحفوا السماء وافترشوا الغبراء ولآخر يوم في حياتي، ولو غاصوا مثل جن سليمان تحت الأرض؟؟.. وهو يفهمنا قصة لوكربي والإصرار عليها حتى دفع الجبار والعصابة الجزية عن يد وهم أصاغر صاغرون..
مع أن أحد شروط الاتفاقية هي إسقاط كل حق سابق، ولو كانت خطايا ملأت عنان السماء كل شيء، والمخابرات الليبية فعلت كل شي..
وثالثا جاءت لوكربي (المقلوبة)؛ فقد تم دفع التعويضات بقيمة نصف مليار دولار، عن 436 طفلا مسموما بالتخلف، مات منهم 56 حتى الآن، مما يعوض قليلا من مصيبة لوكربي التي بلغت 2,7 مليار دولار عن طائرة بان أمريكان، التي سقطت فوق رؤوس العباد عام 1988م ومعها 259 شخصا بريئا. ومعها الوعد بإنشاء مشفى نظيف والعناية بالأطفال وكل ما يتعلق بصحتهم من دواء وعلاج ونفقة حتى الممات بما هو أفضل من راتب التقاعد؟؟
ولكن مع الطغاة لا حرمة لطير وقط، أو نملة ونحلة، ويعسوب وإنسان. وختامه مسك؛ ما قالته المجلة أن المال بيع بالكرامة، وتم شراء سكوت الجبار وإرضاء غروره بصنم نووي، لن يزيد عن صنم عمر ر من التمر، بفارق أنه ليس للأكل، بل دفع ثمنه ثم تدميره أو تفكيكه، بدون فائدة من قصص التاريخ..
إن الغرب مخطئ ومنافق، وساركوزي كما وصفته المقالة عجول ومتسرع ومتهور من أجل صفقة سياسية خاسرة، ورهان على حصان أعرج أبرص، ليمدح زوجته سيشيليا التي أثقلته من أمره؛ فيقول عنها إنها كل الإنسانية وكل الجرأة وكل الاستقامة وكل الإشراق الإلهي..
وهي كل النفاق وكل الدهاء والإغراء لسفيه في قبضته رهائن مخطوفين، وكما في علم النفس السلوكي عن تعزيز الدوافع، أن مجاملته تعزز موقفه لحوادث قادمة، كما وصفوه أنه غير قابل للتنبؤ، وأن مصير الأمة يقرر في لحظة كيف وحشيش في خيمة؟؟
وكذب السياسيين لانهاية له ولو صدقوا، وساركوزي يريد خطف الأبصار من حوله، أنه التقي النقي الطاهر العلم، هذا الذي تخشى البطحاء وطأته...
وهي نفس خطيئة بلير الرئيس البريطاني والرئيس الايطالي (رومانو برودي Romano Prodi) اللذين حجا لطرابلس مثل حجة جحا..
ورد عن رسول الله ص أن عائشة كانت بجانبه؛ فاقترب رجل فقال ص بئس أخو العشيرة بئس ابن العشيرة؟؟
فلما جلس إلى المصطفى ص جامله بكلمات.
فلما انصرف عنه قالت عائشة ر لم أفهم؟
قال لها المعلم الأكبر يشرح معاملة السفهاء؛ إن شر الناس منزلة يوم القيامة من يتقيه الناس لسفاهته وشره..
والأوربيين ولمدة ثماني سنوات وهم يكافحون بكل سبيل، من أجل ذمة خمسة نسوة في قبضة الجبار كالعصافير في قفص نسر، يخافون عليهم الغيلة والغيلان.
وكان حظ الطبيب الفلسطيني عظيما، أن جاء في الصفقة عند البيع فنجا وأصحب من السعداء النجباء الأوربيين.
وبالتأكيد سوف يكتب قصته من سجون العرب، فيصبح مليونيرا مثل سلمان رشدي وأكثر..
قال الرجل باكيا في الطائرة، وهو لا يصدق بالنجاة، إنه أسعد يوم في حياتي.. ثم أضاف هل تعرفون أكثر ساعات الرعب التي مرت علي؟؟
إنها لم تكن أيام التعذيب والفلق والكهرباء المعلقة في أعضائي التناسلية.؟؟ لا لا إنها كانت ساعة الإفراج عني عند السحر، حين قالوا حضر نفسك؟! فقلت إنها ساعة هلاك قوم لوط، وأني أمامي طلقة في قذال الرأس، ثم الإعلان عن قتلي أنني حاولت الفرار؟!..
وهكذا فعل الأوربيون الآن من أجل احتواء السفيه، في الوقت الذي كانت السيدة (فيريرو فالدنر Ferrero Waldner) من المفوضية الأوربية تشد من أزر الطبيب الفلسطيني الحشوش؛ فتقول له لا تيأس من روح الله، إن وراءك 27 دولة أوربية ولن نعرف النوم قبل أن تنام...؟؟
إنه يوم أسيف حزين للعدالة العربية، يذكر بقصة عرار مع الأمن السوري.
وهو يوم فرح بهيج للربيع الأوربي، الذي نسأل الله العلي الكبير أن يمد ظله علينا فيفتحوا بلادنا، ويأخذونا إلى أحضانهم من حضن الجبارين، فينعم علينا بالأمن والرفاهية والحرية والمساواة..
فيحل العدل في المجتمع، والسلام بين الأنام، والمسرة في القلوب..
آمين..
هذه من قصص صاحب القرآن الأخضر الذي زعم أن عنده حلول كل مشاكل الجنس البشري وحيث ظهر كان أقرب للفكاهة منه للدموية ولكن حرسه وحراسه في فبراير 2011م لم يكونوا يمزحون ويفاكهون بل الرصاص للمعارضة يضربون، وتاريخ الرجل يجب أن يعرف جيدا...
ومن يقرأ التاريخ يفهم..
ففي يوم الثلاثاء 10 أغسطس 2004 توصل وفد ليبي وممثلون عن ضحايا اعتداء ملهى (لابيل) في برلين عام 1986 إلى اتفاق ينص على أن تدفع ليبيا مبلغ 35 مليون دولار كتعويضات للضحايا. وهو اعتراف بالجريمة وانسحاب من موقف البطولة إلى مواجهة الواقع المر.
وقبل هذا وفي 9 يناير من عام 2004 اتفقت فرنسا وليبيا على مبلغ 170 مليون دولار، وكانت نهاية مطاف التفاوض حول التعويضات التي يجب أن تقدمها ليبيا لضحايا الطائرة الفرنسية (يوتا) التي انفجرت فوق صحراء النيجر عام 1989 وقتل فيها 170 شخصا.
وكانت ليبيا قد دفعت مبلغ 33 مليون دولار على مدى السنوات الماضية لفشلها في تسليم ستة أشخاص مشتبه بهم في حادث الطائرة الفرنسية. والطامة الكبرى كانت في 22 أغسطس 2003 حينما اعترفت ليبيا صاغرة بمسئوليتها حول تفجير الطائرة التي انفجرت فوق مدينة (لوكربي) الاسكتلندية وقتل فيها 259 شخصا، واعتمدت ليبيا دفع مبلغ 2.7 مليار دولار لعائلات ضحايا الطائرة الأمريكية، بعد أن اقر القذافي بمسئوليته عن حادث التفجير بعد عناد ومواجهات، تذكر بقصة جحا وكيسه.
ففي يوم صرخ جحا في السوق أنه أضاع (خرجه) الذي يضعه على ظهر الحمار، وأقسم بالله أنه سوف يفعل الأفاعيل إن لم يرجعوا له كيسه. فصدق القوم الخبر وبذلوا أقصى الجهد حتى أعادوا له الكيس ثم تقدم أحدهم فسأله: يا جحا ما كنت فاعلاً لو لم نجده؟ فالتفت إليه جحا وقال: كان عندي كيس قديم كنت سأستخدمه بدلا عنه؟
وليس أبغض على النفس من الانتقاد ولا تسكر النفس بخمر كالثناء والويل للمغلوب، ولذا فليس من شيم الكرام الشماتة أو مزيدا من النيل، ولكن يبقى تساؤل ما الذي جعل القذافي ـ وهو ليس الوحيد في عالم العروبة ـ الذي يستدير 180 درجة في حركته فيستدبر المغرب وهو يطلبه بتعبير أبو حامد الغزالي؟
ولماذا هذا التحول في المواقف الراديكالية من اعتبار الغرب شيطانا مريدا إلى ملاك رحيم. ونحن نعرف في الفلسفة أن البشر ليسوا ملائكة ولا شياطين، بل عباد الرحمن الذين يخطئون ويصيبون ويصعدون ويهبطون؟ وأتذكر من (مالك بن نبي) المفكر الجزائري الذي تحدث عن مرض الطفولة في عالم السياسية، وأن تربية الطفل تبدأ منذ أيامه الأولى بل وربما في الرحم، وعندما يصل الطفل إلى المدرسة تكون برمجته الثقافية قد انتهت.
وهناك فرق بين الثقافة والعلم؛ فالطبيب الألماني والنيجيري يدرسان نفس علوم التشريح والفسيولوجيا (علم الغرائز)، ولكن في الحياة العملية يعتمد الأول مبدأ (الفعالية) والثاني (كلّ ) على مولاه أينما توجهه لا يأتي بخير هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون، فهذا هو السر في تفوق الحضارة في أرض وقتلها في مكان آخر.
ومما ذكر مالك بن نبي أن العرب تصرفوا في حرب 67 بمنطق الانقلاب من اعتبار إسرائيل (دويلة عصابات) إلى (تنين نووي) فقاموا بالصراخ مثل الأطفال، لأن الطفل غير المربى يعتمد على البكاء في حل مشاكله. والطفل المربى يعتمد الحوار مع أهله.
فهذه قوانين في التربية.
ويبقى سقوط الجولان ضمن هذا التفسير من البكاء عسى أن يتحرك العالم ليسعف العرب.
ولكن قانون التاريخ يمضي وفق شيء آخر غير صراخ وتصرفات الصبيان.
والغرب منافق فقد أوردت مجلة الشبيجل كيف بدأ الغرب بامتداح القذافي واعتباره نموذجا رائدا في عالم العرب، والسبب هو عدم مقاومته أكثر من نزاهته.
وغاندي ما زال الغرب حتى اليوم يخشع لذكره فهذا هو الفرق بين النضال الإنساني وأعمال المراهقين غير الناضجين.
ويبدو أن قصة رأس صدام وبرزان المقطوع ألهمت القذافي الحكمة كما ألهمت الثعلب في رواية كليلة ودمنة. ففي يوم اجتمع الأسد مع الذئب والثعلب في صيد فكانت حصيلته ثور وخروف ومعزة؛ فسأل الأسد الذئب ماذا ترى في قسمة الصيد؟
قال الذئب الأمر واضح فالثور لك والخروف لي والمعزة للثعلب؟
فما كان من الأسد إلا أن أهوى بذراعه على رأس الذئب بضربة واحدة فتدحرج رأس الذئب.
ثم التفت إلى الثعلب فقال يا أبا حصين ما رأيك في القسمة؟
قال الثعلب: يا ملك الغابة القسمة واضحة ولا نقاش فيها فأما الثور فهو لغدائك وأما الخروف فهو لإفطارك وأما المعزة فتتعشى بها تسلية.
ضحك الأسد وقال من أين تعلمت كل هذه الحكمة؟ قال من رأس الذئب المقطوع؟
والقذافي أبصر صنم تمثال الذي نسف، ورأس برزان الذي قطع مع معاليقه، ورأس صدام الذي علق فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، وأولاده الذين قتلوا شر قتلة في الموصل، وكيف تفرقت جماعته أيادي سبأ، فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين، فتعلم وتواضع ودخل بيت الطاعة الأمريكية.
وحين يكون الطاغوت يحكم البشر، فيبقى على الطاغوت الصغير تقديم ولاء الطاعة للطاغوت الأكبر.
وحين يتحول العالم إلى سفاري تسرح فيها الضواري، فليس أمام الوحوش إلا الفرار والاستسلام أمام الديناصور اللاحم؟؟
وحسبما نقرأ ونسمع نفرك عيوننا ولا نكاد نصدق، ولكن ظهر إلى السطح ما يكفي من رأس جبل الجليد الغاطس في الكواليس واللقاءات السرية في قصة سقوط الطائرة الأمريكية السابقة..
فأما المال فقد دفع عن يد وهم صاغرون، وكان رقم التعويضات خرافياً بقيمة 2,7 مليار دولار ما يعادل ميزانية دولة أفريقية. ولكن أصعبها الاعتراف فسجل نفسه في التاريخ في السجل الجنائي من المجرمين. ولكن قد يكون ثمناً لبناء عائلة حاكمة للقرنين القادمين، كما حصل مع كاسترو في كوبا حينما تعهدت أمريكا في ملحق سري في أزمة كوبا تقوم روسيا بموجبها بسحب الصواريخ النووية وتتكفل أمريكا بعدم مس كاسترو.
والرجل ما زال يحكم بعد مرور 41 سنة ويخطب كل يوم 16 يوليو ويمثل رجال عصابته التمثيلية المملة بالهجوم على ثكنة موناكادو كما فعل يومها في محاولة انقلاب فاشلة سجن كاسترو بعدها، وأخطأ باتيستا الحاكم العسكري لكوبا يومها خطأه القاتل، حين عفا عن كاسترو فمهد الطريقة لنظام عبادة الفرد.
وبعد كل هذا الزمن يخرج العجوز كاسترو في المناسبة كل سنة مع ضعف الشيخوخة فيزعق أن الاشتراكية انتصرت في الوقت الذي يتعامل الناس في كوبا بالدولار الأمريكي؟
ومن حكم الشعوب بالقوة لم تدافع عنه يوم الزلزلة.
واليوم بعد أربعين سنة من الحكم في ليبيا نرى حصيلة الكتاب الأخضر الذي رفع بما هو أعظم من القرآن؛ فزعم صاحبه أن فيه الحل النهائي لكل مشاكل الجنس البشري، ولكن الواقع شهد على النتيجة، فأبدلهم الله من بعد أمنهم خوفا، وشبعهم جوعاً، وكرامتهم ذلا، مما يبكي عمر المختار في قبره.
ومشكلة الديكتاتورية أنها شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين مهما دهنت بلون أبيض أو أخضر.
وكل واحد من الطغاة يقول إذا رأى الآخرين أن هذا لا ينطبق عليه فهو استثناء على القانون.
والمشكلة كما شرحها (خروشوف) في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي وهو يهاجم ستالين بعد أن أصبحت عظامه رفاتا وهي رميم، كيف أمكن لرجل واحد أن يستعبد الناس بهذا القدر؟
ولكن آلة الحكم هي عادة بيد عصابة، وصدام الذي صدم وشنق وحاليا القذافي ويشبهه آخرون في الغابة العربية، أشركوا في جرائمهم العديدين، من خلال تقسيم مهمات الجريمة على آخرين؛ فأصبحوا جسما واحدا، ومن هذا الجسم الجهنمي تنبت أذرع وأقدام مثل الديناصور الناري، فتمسك بكل الأمة، لحين هجوم ديناصور أقوى فيدمر الأول.
وهذا الذي يحصل حاليا في العالم العربي بعد دخول الديناصور الأمريكي إلى غابة العرب وقتل الضواري التي تعترض طريقه.
والسؤال كيف يستطيع الشيطان أن يكتب مصير الناس والله يقول إن عبادي ليس لك عليهم سلطان؟
هذا هو السؤال المحير الذي فك لغزه جماعة أكاديمية التغيير من أمثال الشباب وائل عادل وغنيم الذين درسوا تركيب دواء اللاعنف وطبقوه فانتقل أثره إلى كل العالم العربي روح وريحان وجنة نعيم..