مع الأول من فبراير 2011 م ولد الشعب المصري من جديد أيا كانت النتائج التي تمخضت عن الثورة التي اندلعت في أرض الكنانة، ثورة ليس لها سابق في مصر منذ عصر اخناتون الثائر الديني القديم؟
أهم ماحدث في هذه الثورة تحرير الأرادة وولادة الإنسان الولادة الجديدة؟
يقول القرآن أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها؟
وأنها نجحت بأسلوب نبوي قرآني هو العصيان المدني بلكمتي وكلمتي: كلا لاتطعه؟؟
لعل سليم العوا يتذكر كلماتي من بيروت ولعل ياسر زعاترة والكثيرين ونحن نردد منذ ثلاثين سنة باعتماد هذا الاسلوب النبوي في التغيير اللاعنفي، الذي طبقه غاندي فنجح، وطبقه الخميني فنجح، ثم فشل في الحرب مع العراق بكلفة مليون قتيل، وهو مع صدام عند رب العزة يختصمان؟
وطبق الترابي أسلوب القتال في جنوب السودان فأرسل مائة ألف إلى المقبرة، وطبق الإخوان في سوريا القتال المسلح ففشلوا، وخسروا عشرات الالاف من الشباب، ودمرت حماة مدينة النواعير تدميرا، وتمزقوا أيادي سبأ؟ وجرب الشباب القتال المسلح في الشوارع مع القذافي فهزموا وسماهم بالزنادقة وهم طلاب حرية وأمامنا النموذج التونسي ينجح بمائة شهيد ومصر لعلها بمائتين..
أذكر جيدا حين اجتمعت في برنامج سجى في عمان عام 1995 مع الخاشقجي رئيس تحرير جريدة الوطن السابق وزعاترة والماهر الذي كان يقدم برنامج الشريعة والحياة، فأما الثالث فضحك علي رحمه الله، وأما زعاترة فقال لاتسمعوا لما يقول والغوا فيه لعلكم تغلبون؟ فهو يعتمد آية من القرآن ونبيه غاندي من الهند؟
وكان أعقلهم جمال الخاشقجي الذي قال استمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون؟ فهناك شيء جديد وفلسفة جديدة في الجهاد..
المهم الكلمات لاتعني شيئا بل الوقائع وحاليا ماحدث في تونس، ونجح وتكرر في مصر ونجح، سوف يتكرر في الغابة العربية في أماكن شتى وينجح فهذا هو الجواب وليس الجدل حتى مطلع الفجر؟
ولعل القيادة السورية وبقية الجملوكيات تستفيد من هذا الدرس فتكتب اسمها في التاريخ؟ ولكن التاريخ يقول لنا أن الطغاة يقولون دوما ـ تحت مورفين القوة ـ أن الوضع عندنا هو غير ماهنالك؟ حتى يأتيهم العذاب فيقولوا هل نحن منظرون؟
ولكن حجم ماحدث يحتاج إلى التفكيك في مستويين؟

تقول الاسطورة أن عملاقين عاشا قريبين من بعضهما بسلام؛ فأراد الأول التعرف على الآخر فأرسل له هدية؟ فظن الثاني أنها علامة الرضوخ، فما كان منه الا أن أرسل له تهديداً ليخرجِّنه من الأرض صاغراً، فلما وصلت الأنباء السيئة تحمل نذر التوتر في العلاقات؟ حمل الأول هراوته الغليظة الى مرابض الثاني، وكانت الأرض تهتز تحت أقدامه فارتعب الثاني ولم يدر ماذا يتصرف بعد أن ارتكب هذه الحماقة في تأجيج نار العداوة؟!
عندما رأت زوجته علامات الاضطراب بادية على محياه طمأنته بذكاء قالت له نم ياعزيزي في السرير لن يصيبك مكروه؟
ثم عمدت الى غطاء فغطت به زوجها العملاق ولكنها أبرزت قدميه الغليظيتين؟
وخلال لحظات وصل الأول بكل الغضب والصياح ملوِّحاً بالهرواة: أين الوقح قليل الأدب الذي تجرأ فدعاني للمبارزة؟
تقدمت الزوجة اليه قائلة بصوت أقرب الى الهمس أرجوك أن تخفِّض صوتك فزوجي غائب في رحلة صيد وطفلنا نائم؟
نظر العملاق الثائر الى القدمين المرعبتين ثم قال في نفسه: إذا كانت قدما الطفل بهذا الحجم فكم ستكون اقدام الأب؟!
تقول الاسطورة أنه أصيب بالرعب فأطلق ساقيه للريح قبل أن يعود الأب فيبطش به ؟؟؟....
هذه الرواية تحكي أثر الأوهام في تصرفات البشر.
الوهم لايعني أنه حقيقة، فهذه حقيقة أولى، ولكن هذه الحقيقة وهم؛ فعمل الأوهام أشد من ضغط الحقائق، وإذا كانت السيارات تحتاج الى وقود حقيقي لتمشي به فالانسان مستعد أن يمشي بوقود وهمي.
نحن ظننا مع دخول الألفية أن السموات ستنشق وتخر الجبال هدا وننسى أن عمر الأرض خمسة مليارات من السنين وأمامها للحياة مثله، وأن عمر الحضارة أكثر من ستة آلاف من السنين، وإن كان علينا الاعتراف أن الزمن متوقف عندنا أيام حكم (قراقوش) يولد فيه واقع جديد من عودة الملكيات، وأن الغرب يدرسنا كما يدرس عالم الطبيعة الحشرات، وأننا في حالة ذهول عن تبدل الأحوال كما يقول ابن خلدون.
نحن نستوحش من المشي بين القبور ليلاً مع أن الأجداث لاتضم الا العظام وهي رميم فليس هناك مكان أدعى للأمن من القبور؟! وجداتنا كانت تروي لنا قصص الجن واحتفالاتهم الليلية فنسمع أهازيجهم بدون ريب ونحن اليوم نعلم أن جداتنا كانت تخرِّف؟
ونحن نظن أن أمريكا اليوم لاراد لحكمها فاذا طلبت منا شيئاً علينا تلبيته فلا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده؟؟
وإذا طلب منا في الانتخابات أن ندلي بصوتنا على ورقة كتب عليها بلسان عربي مبين (نعم) و(لا) في حق دستوري مصان من القانون سارعنا لكتابة نعم كما توحي بطانة حاكم استرهبوا الناس وجاؤوا بسحر عظيم؟ وتخشى الناس من الكلام أكثر من الأفاعي، مقرَّنين بأصفاد من الأوهام في زنزانة الخوف؛ فاذا اجتمع ثلاثة أشخاص تحدثوا في ثلاثة امور الطقس والتجارة والماشية، وإذا وصل الحديث الى عبقرية الحاكم خشعت الأصوات فلا تسمع الا همساً؛ فالجدران لها آذان والمخابرات تدخل مجاري التنفس مثل الشهيق والزفير تحصي الانفاس ومايلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ؟؟
ونحن نعلم اليوم ان الحاكم غير الشرعي يخاف من الشعوب أكثر من خوفها من حراسه مصاباً بالبارانويا يوحي اليه من حوله زخرف القول غرورا أن كل همسة هي مساس بالوهيته؟
ويظن الكثير من الناس أن تغيير الأوضاع يتم بقتل الحاكم فنتخلص من الظلم بضربة سحرية كما خيل ذلك للاسلامبولي عندما قتل السادات فجا ءمن هو أشنع وأفظع حتى انفجرت الأوضاع في يناير 2011م؟
الحاكم لايعتقل الناس بنفسه أو يقتلهم بيديه بل يرسل أوامره فتنفذ من خلال سلسة طويلة من الأوامر قبل أن تصل الى جلادٍ يهوي بالسيف على عنق الضحية أمام ذعر المجتمع واستسلامه لآلة العنف كما يصور ذلك الفيلسوف ميشيل فوكو.
هذه الأوامر إذا واجهت الرفض في أي مستوى وقفت في رحلة سيرها وتعضلت كما حدث مع سحرة فرعون الذين انقلبوا عليه وكانوا مرتزقة يريدون الأجر (أئنا لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين) فطمأنهم: (نعم وإنكم لمن المقربين)؛ فالمال والمنصب يغدق بها الحاكم على البطانة بدون حدود لإن حياته من حياتهم.
هذا هو جوهر المشكلة حتى جاء الانبياء بمبدأ سحب الطاعة وليس قتل الحاكم؟
منذ أيام سومر أمسك الحكام برقاب الشعوب بالأغلال فهي الى الأذقان فهم مقمحون، وكان دور الكهنة توظيف النصوص والايحاء الى الناس أن طينة الحاكم الهية، وكلمته لاراد لها، وأن وجوده يعني عدمهم وحضوره غيابهم، وأن صوره المكبرة وتماثيله الهائلة المنصوبة في كل زاوية تدب فيها الحياة بأشد من الكاميرا الخفية.
نحن لسنا مطالبين بقتل أحد وكل المطلوب منا هو تحرير الارادة كي نقول:(لا) عندما نشعر أننا نخون ضميرنا، ولكن أكثر الناس تظن أن ليس بإمكانها ان تفعل ذلك؟
لو حبس الناس أنفسهم في بيوتهم فلم ينزلوا الى العمل ورفضوا التعاون مع الطاغية لانهار بقدمين من صلصالٍ كالفخار؟
وأهمية هذا الكلام أن رحلة التغيير ينقلب اتجاهها 180 درجة فالمشكلة ليست في ملعب الحكام بل بتغيير مابالنفوس، والشمس لاتدور حول الأرض والعكس هو الصحيح، والمرض لايتسبب بالباكتريا بل بانهيار الجهاز المناعي، والبعوض لايقضى عليه بقتل أفراده بل بردم المستنقع وماحوى، وتفشي الذباب والصراصير في المنازل لاتعالج بمطاردتهم بل بالنظافة والتعقيم، والنسور تحط على جثث الجيف وليس أجساد الحيوانات الحية، وجوهر المشكلة ليس سياسيا بل ثقافيا فالسياسي هو حفيد المثقف.
لايمكن لأي حاكم أن ينفذ أوامره مالم ترض الشعوب بتنفيذ ذلك عندما تتنازل عن ارادتها، وعندما يرتفع مستوى الوعي عند الشعوب ليس أمام الحاكم الا أن يدين بما تدين كما اعتنق قسطنطين المسيحية وتحول المغول الى الاسلام، ولايمكن لأي حاكم أن يفعل مايشاء لولا وجود أمة مسحورة في حالة غيبوبة قد تحولت الى دابة بسرج ولجام جاهزة لاعتلاء ظهرها من أي مغامر.
قد لايصدق الإنسان أن عمرو بن العاص افتتح مصر بأربعة آلاف جندي وهو يخاطب عمر عن شعبها في تلك الأيام، كما قال من قبل أوكتافيوس الذي سمى نفسه لاحقا الأله أغسطس؟ أرضها ذهب ونساءها لعب وشعبها لمن غلب؟
وهي ليست مصر فقط فهو نشيد الطغاة الأبدي الراكبين على ظهور العباد إلى يوم التناد؟
كذلك سقطت امبراطورية الانكا في البيرو وتعداد سكانها ستة ملايين بحملة اسبانية يقودها فرانسيسكو بيزارو ببضعة مدافع و60 حصاناً ومائة رجل أو يزيدون.
وتم نقلية ملكية مصر من يد كليوباترة الى اوكتافيوس عام 30 قبل الميلاد على هيئة أمم فقدت قدرة تقرير المصير بعد ذبح ولدها قيصرون ابن يوليوس قيصر بسكين وساطور؟
واعتبر الفيلسوف (أوسفالد شبنجلر) في كتابه (أفول الغرب) أن روما لم تفتتح العالم القديم بل وضعت يدها على اسلاب وغنائم جاهزة لأي طالب، واجتاحت جيوش جنكيزخان دار الاسلام بعد أن انطبق عليها قانون التاريخ الذي لايحابي.
ولبس طفل الحجارة في فلسطين قميص داوود بعد ثلاثة آلاف سنة يواجه جالوت النووي في انقلاب كامل للأدوار، قبل أن يطرد من مسرح التاريخ ويسلِّم مرقاعه للسياسيين من الأقرع وقريع وعريق، الذين تسربت أنباؤهم من أخبار لاتسر السامعين مع شتاء 2011م؟
ولم يكن لنجمة داوود أن تلمع في سماء الشرق الأوسط مثل الشعرى اليمانية لولا التفسخ العربي وتلك الأيام نداولها بين الناس.
واعتبر عالم النفس (هادفيلد) في كتابه (علم النفس والأخلاق) أن الولادة السيكولوجية اجتذبت خيال الانسان منذ القدم فعبر عنها بالاسطورة والعادات والأحلام ؛ فأسطورة الطائر (فينكس) أنه يترك محرابه ليطوف بالعالم ألف سنة وفي نهاية عمره يعود الى المذبح حيث يحترق بألسنة النار فينبعث من رماده طائر شاب من جنسه يتألق حسناً ليطوف بالعالم مدته المقسومة.
والصبي الاسترالي إذا بلغ مبلغ الرجال أُمِر أن يدخل جذع شجرة مجوفة قبل أن يحتل مكانه كرجل رشيد في مجلس القرية، وكثيراً مايرى الانسان نفسه في الحلم ميتاً كناية عن حياة جديدة.
كان الفيلسوف الرواقي (ابكتيتوس) يحاور تلميذه عندما أراد معرفة معنى الحرية فسأله: هل يستطيع احد أن يجعلك أن تصدق ماليس بصدق؟
ـ قال: لا..
ـ سأله ثانية : هل يستطيع أحد أن يجبرك على فعل ما لاتريده؟
ـ قال نعم ؟
ـ قال وكيف ذلك ؟
قال إذا هددني بالحبس أو الموت zwj;!!
ـ قال فإذا لم تخش الموت أو الحبس هل يستطيع ؟
ـ قال : لا...
ـ قال فأنت حر عند ذلك ؟....


الولادة الثانية للانسان
كتب (ارنست همنغواي) في قصته المشهورة (وداعاً أيها السلاح) يعالج مشكلة تحرر الارادة من سيطرة القوة؛ فعندما رجع أفراد الكتيبة العسكرية يجرون إذيال الهزيمة كانت المحاكمات الميدانية في انتظارهم.
كان القاضي يجلس خلف طاولة بجانب نهر وكانت محاكمة الفرد لاتستغرق أكثر من دقائق معدودة وكان تنفيذ حكم الإعدام يجرى في نفس الساحة.
أمام هذا المشهد عمد الجندي الى الهرب من الطابور بإلقاء نفسه في النهر مع مخاطر الموت بين الغرق في اللجة والرصاص المنهمر خلفه.
يختم همنغواي قصته بتوديع السلاح ليهرب مع حبيبته الى سويسرا حيث تموت مع طفلها الأول في المخاض وتتحول أمام ناظريه الى عمود من لحم؟
قصة همنغواي تروي نصف المأساة ولاتقدم الحل، فماذا يفعل الجندي التعيس أمام تنفيذ الأوامر؟ بين أن يقتِل أو يُقتَل ؟ لقد ذكر عالم النفس هادفيلد حالات مثيرة من جنود تعرضوا للشلل أو العمى عضوياً كمخرج تحافظ فيه العضوية على الحياة وتجنب القتل برفض تنفيذ الأوامر؟! ولكن الانبياء قدموا الحل باحياء الارادة المستلبة.
عندما نرفض الأوامر التي تحولنا من ارادة الى آلة نكون قد دشنا رحلة الاقلاع الى الانسانية، ومافعله الانبياء بتحرير الانسان لم يتابع طريقه فمازال أمامنا فسحة من الوقت حتى يأتي عهد الانبياء، وهناك بعض المؤشرات على بداية ترسخه في الضمير البشري كما راينا في رفض محمد علي كلاي أن يقاتل في فيتنام وتسحب منه بطولة العالم للملاكمة ؟!
إذا نفخنا بالبوق صوَّت فكان له رجيع، وإذا ضغطنا زناد البندقية المعمَّرة أطلقت النار فكان لها صوت مدوي، وإذا أمسكنا بالقلم فسطرنا تدفق المداد بالكلمات. ليس أمام البوق أو البندقية أو القلم خيار فهو مستلب الارادة مغيب الوعي إذا أردناه استجاب فصوَّت وأطلق وكتب. والى هنا كان الكلام عادياً، ويصبح محرماً عندما نتساءل عن الانسان العربي الذي تحول الى ميكروفون ومسدس وقلم حبر فاخر، يكرر مايطلب منه فيقتل على الأوامر، وينشد القصائد العصماء في مدح ولي النعمة القائد الملهم، واذا كتب كذب بلامبرر ودون أن يطلب منه وبشكل مقزز.
إذا طُلِب من الانسان العربي أن يفعل أي شيء ضار وحرام ومخالف لضميره نفذه بدون تردد قائلاً:
إنها الأوامر من سيدي لامعقب لحكمه وهو سريع الحساب؟ وهو ماكان يفعله المجرمون النازيون بأوامر هتلر؟ ولكن الحساب في الآخرة فردي؟ وكلهم آتيه يوم القيامة فردى..
لقد جئتمونا فرادي كما خلقناكم أول مرة وتركتمم ماخولناكم وراء ظهوركم ومانرى معكم شفعاؤكم الذين كنتم تزعمون من دون الله لقد ضل عنكم ماكنتم تزعمون؟
إذا أمُر المواطن العربي أن يصفق ويهتف سابق بحركاته القرود، وإذا أُمر الجندي أن يهدم المقدسات ويرجم المدن بالصواريخ والاسلحة الكيمياوية فعل، كما فعل الجيش السوري من مسح نصف مدينة حماة وقتل ثلاين الفا من الأنام، أو صدام الذي قتل في حملة الأنفال 180 ألفا من المقرودين؟ وقد يفعلها وهو دامع العين ولكنها الأوامر فالجندي عليه أن ينفذ أولاً ثم يعترض في وصفة مقلوبة جداً، ولكننا اعتدنا منذ أمد بعيد أن نمشي على رؤوسنا بدون أن نشعر بالدوار؟
في التحليل الانثروبولوجي الذي قام به (روجيه غاروديه) في كتابه في (سبيل ارتقاء المرأة) اعتبر أن انحرافاً خطيراً حل بالجنس البشري عندما سقط في قبضة الذكور فتحول الى ثكنة كبيرة يحكمها المسدس والقسوة. يظهر هذا واضحاً في اعتماد القوة كـ (قيمة مركزية) والجهاز (العضلي) أكثر من (العصبي) وتهميش الانثى وبناء المجتمع على الشكل التراتبي (الهيراركي).
ولعل أهم سمات هذا المجتمع الذكوري الذي غُيِّبت فيه المرأة إفرازه للمؤسسة العسكرية، فمعها دشن أفظع الاشياء فتم استلاب البعد الفردي من (الحرية) و(الوعي) و (الاستقلالية) و ( الاعتراض) و (المبادرة) فالحرية تمرد، والوعي خطير على تراص الفرقة العسكرية، والاستقلالية حركة عصيان، والاعتراض جريمة، والمبادرة خروج على البرمجة العقلية ونشاز عن حركة القطيع؛ ليدمج الكل في كتلة لحمية منضدة جاهزة للضرب في أي لحظة بأي يد فتقتل على الإشارة والأوامر بشكل أقرب للجنون كما يقول فولتير، عندما يذبح الجندي أخاه الانسان ليس بعداوة أو ثأر أو مبرر؟
إنه يقتله ولايعرفه ولو اجتمع به خارج ساحة الحرب لقدم له ضيافة وتعرف عليه، ولكن الحرب تستلب كل البعد الانساني وتحيل الانسان الى وحش، وفيها يصبح السيف هو الحكم الأعلى في المجتمع، ويحتفل بيوم الغدر والانقلابات لتصبح أعياداً وطنية وهي في قسم منها مناسبات التآمر والاطاحة بعروش الآخرين، ومعها يبرمج العنف ويعتبر مقدساً يجب أن تقدم له القرابين البشرية بعد أن أبطله ابراهيم في الاعلان الأكبر يوم الحج أن لاتضحية بالانسان بعد اليوم على أية صورة وتحت أي مذبح.
وأخيرا تم تشويه الصورة الكاملة للمجتمع الانساني بقلبه من المدني الى العسكري لتصبح علاقات القوة هي التي تهيمن على الحوض الاجتماعي وينقلب المجتمع الى الشكل الفرعوني، وينقلب الانسان الى طرفي علاقة مشؤومة أن يكون واحد من اثنين مستضعف أو مستكبر اله أو عبد.
إذا طلب من المواطن العربي أن ينتخب في ورقة تحمل حقاً دستورياً بنعم أو لا كتب مايوُحى إليه بالخفاء بالموافقة بيده وقلبه يلعن؟ في شهادة صاعقة عن مواطن ماتت إرادته وشبعت موتاً وفاحت رائحتها الى السماء بأشد من تفسخ الجيف.
والسؤال إذا كانت آلة الحديد من سيارة وسكين لاتملك الارادة فتفعل مانشاء ولاتفعل ماتشاء؛ فيمكن لأي انسان يعرف القيادة أن يسوق سيارة أي انسان بدون ملكية، وعندما تفقد الأمة قدرة تقرير المصير تنتقل ملكيتها من يد مغامر لآخر، كما تمسك أي يد بأي نصل فتقطع به؛ فلم نسمع في يوم أن السكينة ناقشت صاحبها أن مايفعله حرام أو ضار أو لايجوز؟ كما لم تناقش أي سيارة من يشغِّلها هل هو ذكر أم أنثى يملكها أو لا ؟ وإذا كان هذا يصدق على الآلة فهو يسري في عالم الحيوان المحكوم بسلاسل الغريزة؛ فالنحلة تتفاهم مع الأخريات بإيقاع الرقص في غريزة مطبقة وإذا خطر في بالها أن تطالب بحرية النحل برقصة جديدة فإن جمهورها قد يستمتع بالرقصة كثيراً ولكنه لايستطيع فهمها لإنه (جمهور محصن غريزياً ضد فكرة الحرية بالذات ؟) على حد تعبير النيهوم.
ما الفرق اذاً بين الآلة والحشرة والانسان؟
يعتبر (روبرت آغروس) أن النباتات تحرك نفسها ولكنها لاتدري الى أين تمضي؟ والحيوانات تدرك الى أين تمضي؟ ولكنها لاتعرف السبب؟ ولإكمال مراتب الأحياء لابد من مخلوقات لاتعرف فقط الى أين تمضي ؟ ولكن لماذا تمضي أيضاً ؟؟ ونحن البشر نشكل هذه المخلوقات، والملكة التي تمكننا من فهم علل الأشياء تسمى العقل REASON) ).
الآلة فيها القصور الذاتي، والحشرة محصنة بآلية الغريزة، والانسان يملك الارادة ؛ فإذا فقدها مات فوجب أحياؤه من جديد بتوليد الارادة عنده وهو ماجاء به الانبياء بعتق الارادة من سلطان الانس والجان، واعتبر القرآن أن الايمان هو ولادة جديدة وخروج من رحم الموت ( أومن كان ميتا فأحييناه ).
وعندما ذكر المسيح لنيقوديموس أنه لابد للانسان من الولادة مجدداً سأله متعجباً : ولكن هل يمكن أن نرجع الى الرحم ثانية بعد أن خرجنا منها ؟ إن هذا مستحيل يامعلم ؟
من هنا كانت الشهادة تبدأ بالنفي لكل اله قبل الاعتراف باله أحد صمد، ولم يكن للمؤمن أن يقترب من الله قبل أن يرفض الطاعة قبل السجود ( كلا لاتطعه واسجد واقترب ).
فلسفة بلال بلبل الجنة
إن بلال كان عبداً ولكن الحرية هي رصيد في النفوس قبل أن يكون مرسوماً على الجلد أو مكتوباً في الهوية الشخصية. وماكان يذوقه بلال وهو يعذب ويقول أحد أحد لانعرفه نحن الذين نشأنا في بيئات نسمي أنفسنا فيها أحرارا.
اجتمعت برجلين قد أخلصا الود بأكثر من كليلة ودمنة فقمت بتجربة عليهما فقلت للأول أكنت فاعلاً شراً باخيك لو طلب منك ذلك ؟ رد بانفعال : معاذ الله ؟! قلت له لو وضعنا في يدك مسدساً وصوبنا الى صدغك مسدساً ثم طلبنا منك قتل أخيك فإن لم تقتله قتلناك أكنت قاتله ؟! تردد وفكر وقدر ثم تلعثم ثم اعترف : نعم ؟؟... ولكن ؟! ثم ذرب لسانه بعشرات الحجج في قفص اتهام يبرر فعلته.
كان الرجل صادقاً فنحن في العالم العربي نفعل كلنا هذا يومياً...
إنها الأوامر لاراد لقضائها ولامعقب لحكمها ولامناقشة لحيثياتها ؟؟