المسألة الطائفية لإنقاذ رقبة النظام؟

الطائفية مرض مثل الخراج الخفي. موجود في أكثر من قطر عربي. والكل يعلم به. والكل يكذب فلا يعترف به إلا همساً للرفاق والإخوان. والكل يكذب على الكل. والكل يصرّ على الأسنان للانتقام يوم لا ينفع مال ولا بنون.
إلا من رحم ربك اللطيف المنان؟
ومن ينطق به يحاكم بتهمة الطائفية فيندم على اليوم الذي ولدته فيه أمه ويقول يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا؟
وأفضل علاج له الاعتراف به. كما أن أفضل علاج للخرَّاج فتحه للخارج. وإلا فتح نفسه للداخل فأصيب المريض بتسمم دموي فمات به.
ولكن هل اعترف البابا الكسندر السادس أنه مصاب بالزهري؟
والعالم العربي مصاب بمرض الطائفية وآخر من شكله أزواج. من أمراض (القبلية) و(احتقار المرأة) و(الإيمان بالغدر) و(تأليه الزعيم) و(عبادة القوة).
لقد دخلت مستوصفا قميئا في يوم؛ فرأيت 17 صورة للثالوث المقدس من الآب والابن والروح القدس، وهي صور مكررة في معظم مطارات العروبة، في إحياء لمركب الأقانيم الوثني في ديار تزعم أنها إسلامية؟؟
ويتحول نظام الحكم إلى شكل فرانكنشتاين ليس فيه مقومات الحياة، إلا أن يقتل؛ كما قتل بيده من أوجد فرانكنشتاين، كما حصل مع دوللي النعجة المستنسخة.
ووضع العرب هذه الأيام يذكر بجو دول الطوائف في الأندلس، أو جو الفرق المذهبية قديما، بين (معتزلة) و(شيعة) و(خوارج) و(مرجئة) و(قدرية) في خمس شعب، لا ظليل ولا تغني من اللهب.
فأما الشيعة فقد رفعوا من قدر علي وذريته؛ فزعموا أن القمر نزل في حضنه، وأن في دمه كريات حمر مختلفة مقدسة.
وأما الخوارج فكفروا الجميع وقتلوا.
وأما المرجئة فهم أولئك السياسيون الملاعين، الذين يرون أن الله يغفر الذنوب جميعا، ولو قتل القاتل أمة من الناس؟ يكفي أن يلوك بلسانه كلمات.
وأما القدرية فقالوا بالحرية الإنسانية المطلقة، وعلى هذا الفكرة ذبح الجعد بن درهم.
وأما المعتزلة فحاولوا تحريك العقل، في وسط يموت، فماتوا مع الأموات، إلى يوم الدين..
واليوم تنهض هذه المذاهب بكل أمراضها وعيوبها، من التوابيت، وترجع إلى الحياة، ونحن مذهولون من هذه الرؤية غير المتوقعة، لجثث تدب فيها الحياة.. ونقول يا ويلنا من بعثهم من مرقدهم؟؟؟
وما جري في العراق وباء طام، يهدد كل المنطقة بطوفان نوح، من المذابح الطائفية والمذهبية، فبعد أن سبح العرب طويلا في قذارات النتن القومي البعثي، يتحول زورقهم المنكوب، إلى مستنقع أشد هولا وقذارة؛ من المذابح الدينية، باسم الله والصليب، وعلي والحسين، والحاكم بأمر الله الفاطمي، في رحلة انقلاب في محاور الزمن، نكسا إلى العصور الوسطى الظلماء.
وهكذا فبدل دخول الحداثة؛ ينتكس العرب على وجوههم، عميا وبكما وصما، مأواهم جهنم الطائفية، كلما خبت زدناهم سعيرا.
وإذا كان صدام قد حول البعث العراقي، إلى ماكينة للعبادة الشخصية بتجنيد المرتزقة والعشيرة، فقد فعل البعثي الأخر في سوريا بتجنيد الطائفة والعصابة من الأزلام إلى ماكينة للعبادة الفردية.
يضاف إلى كل حزمة الأمراض السابقة من الأمراض تسلط ديناصورات أمنية تقذف بشرر كالقصر تذكر بملائكة العذاب عليها تسعة عشر.
منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك.
وغالب أقطار العروبة وقعت في قبضة عائلات إقطاعية مسلحة. في مربعات لسجن الضمير.
وأول شيء برعت فيه السلطة الفلسطينية أنها فرَّخت تنينات أمنية تقذف باللهب.
وجدير بالذكر أن أجهزة الرعب في أقطار أخرى اشتقت اسمها من فلسطين، فما عجزت عنه بقية الأجهزة حله فرع فلسطين بكل اقتدار.
مع هذا فهناك دول عربية ليس فيها مرض الطائفية بل يدين البلد كله بالإسلام وبمذهب واحد سني ولكنه مبتلى بأشد من الطائفية من جنود فرعون وهامان، مما يدل على أن الجثة تتناوب عليها أشكال شتى من الحشرات.
وجثة العالم العربي اليوم تنهش فيها الديدان والذبان من كل صنف زوجان. فبلد عموده الفقري طائفي. وآخر الأمن المركزي. وثالث قبائل بني دوس وهذيل. ورابع عائلة تنتسب إلى النبي بسلسلة ذهبية. وخامس يزعم أن الكريات الحمر التي تدور في عروقه ملونة بلون نبوي أخضر. ومنهم من زعم أنه وصل إلى حل كل مشاكل الجنس البشري بما وضع نفسه في مكان الله رب العالمين بقرآن أخضر.
إننا نعيش عصر الجنون العربي بدون مصحات عقلية وأسوار وأطباء؟
الطائفية مرض مثلث كل زاوية فيه تعلن إلغاء الإنسان:
فهي أولاً انشداد لطائفة لا حرية للإنسان في اختيار الرحم الذي انقذف منه إلى الحياة؛ فمن ولد في الناصرية سيكون شيعياً على الأغلب. ومن ولد في جبل سنجار سيكون يزيدياً حتى يثبت العكس. ومن ولد في منطقة البربر نطق الأمازيغية.
ومن ولد في حي الميدان في دمشق سيكون سنياً ما لم يحدث تسرب من فيروس شيوعي أو بعثي عبثي؛ فيغير الكود الوراثي فيخرج كافرا بكل الملة والسنة.
وله الحق في ذلك إذا اختار، ولكن هل هامش الخيار كما نتصور أم إكراهات المجتمع؟
والطائفية ثانيا تعني استقطاب واستخدام من هو من نفس الفصيلة الحيوانية، مثل تعاون الحشرات على التهام الفتات والذئاب في مطاردة الفريسة؛ فهنا يغيب الوعي وتعمل الغريزة.
والطائفية ثالثا تعني العمل لصالح مجموعة، والقتل باسمها بما يجر عداوة كل الطوائف.
وهو بكلمة ثانية تصدع المجتمع وبرمجة الحرب الأهلية ولو بعد حين. وإذا سالت الدماء في العراق أنهارا فهو أمر طبيعي.
وإذا قتل الناس بعضهم بعضا في غيره بأشد من يوغسلافيا فهو تحصيل حاصل.
وهذا الكلام يفسر ولا يبرر.
والقوانين الاجتماعية لها نظمها الخاص.
سنة الله في خلقه.
قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا (طوائف) ويذيق بعضكم بأس بعض؟؟ انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون؟
الطائفة في الأصل جمود في الزمن، وانتساب لعصر ولى وأدبر، وانتماء لأناس لسنا مسئولين عن تصرفهم وفهمهم؟ وقتل للفردية، وإعدام للاستقلالية وسلب كل ذي لب لبه.
وتعتبر مصر ـ بالمناسبة ـ مركز خصب لتفريخ الطوائف والأحزاب؛ فمنها خرج الإخوان المسلمون، والحاكم بأمر الله الفاطمي والإسماعيلية والحشاشون.
أما في مصر فقد أذابهم حمض الزمن، ولكن في سوريا حمتهم الجبال والعزلة والتاريخ، وسوف تذيبهم التكنولوجيا الحديثة..
كان ذلك في الكتاب مسطورا..
وكمال جنبلاط في لبنان لم يسم نفسه الحزب الدرزي وعقلاء الجبل، بل الحزب التقدمي؟ فهل هو تقدمي بكود وراثي طائفي؟ أم حقا تقدمي يتقدم إلى عرض التاريخ؟
المدهش في مصر أنها رحم للطائفية بدون طائفية؛ فهي تصدر الأمراض ولا تصاب به مثل مرض الهيموفيليا (الناعور ـ سيلان الدم لأتفه جرح كما عرف التاريخ عن الكسي ابن نيقولا الثاني الروسي وراسبوتين الدجال ) الذي تحمله الإناث ولا يصبن به.
والسبب في مصر جغرافي بحت. فالنيل لا يسمح بتشكل الطائفية والطائفة. وليس أمام الناس على ضفتي النيل إلا الاختلاط والتجانس أو الموت في الصحراء.
وهذا هو أحد أسرار نجاح ثورة 25 يناير 2011م حين التحم الأقباط والسنة والشيعة والأرمن وحركة كفاية و6 أبريل بفلاحيهم ومثقفيهم جاهلهم وعالمهم؛ فالمصريون يشبهون اليابانيون من جهة شدة التجانس واللغة والعادات منذ أيام الفرعون بيبي الثاني؟
وفي الوقت الذي أنشأ الفاطميون الأزهر لا يوجد اليوم فاطمي واحد في الأزهر. في حين أن العراق بلد الشقاق والتناحر والعنف. فيه ألف ملة ونحلة ولغة. فمنهم من يوحد الإله أو يزعم أنه انشطر إلى ثلاثة بدون أن ينشطر، أومن يقدس عليا ونسله، أو يعبد الشيطان ويسميه طاووس بذنب وثيل. من كرد وعرب وشيعة وسنة وتركمان وآشوريين وكلدان وسريان ويزيديين وأرمن وآراميين وطوخرلكه وزرادشتين؟
كل طائفة وملة ونحلة بمدرسة ومعبد وكنيسة وفرقة موسيقية وعلم؟
كل حزب بما لديهم فرحون؟
هي أرض شظايا الأديان والحضارات خلال ستة آلاف سنة على حد تعبير المؤرخ البريطاني توينبي، في شرانق مغلقة تتبادل الريبة والكراهية، كما أعرف ذلك من مدينتي القامشلي التي ولدت فيها فهي على خاصرة العراق؟
والعراق منذ القديم لا يعرف كيف يحكم نفسه، ويعجز عن حكمه من يأتيه من الخارج؛ إلا الحجاج ومن سار على دربه..
وما أمر فرعون برشيد.
وحسب عالم الاجتماع العراقي (علي الوردي) فإن العراق مصاب بثلاث مصائب كل واحدة كافية أن تكون مرضا غير قابل للعلاج:
من ازدواج الشخصية. وصراع البداوة والحضارة. وأخيرا التناشز الاجتماعي بين التراث والحداثة.
وحسب (البزاز) فإن أعظم كارثة حلت بالعراق هي تريف المدينة مع الانقلابات الثورية على يد أولاد الأقليات والريف فدمر المجتمع المدني تدميرا، وهو ما حصل في عاصمة الأمويين؟
لقد حاولت أمريكا على ظهر الدبابات بالبارودة والعصا أن تحدث تجربة تاريخية في خلق (ديمقراطية كاذبة) في بلاد الرافدين، فكانت النتيجة مذابح الهوجونوت والكاثوليك ـ عفوا السنة والشيعة والأكراد والتركمان ـ لجهلهم بطبيعة الأمم وقوانين التاريخ، وأن التغيير بالدبابة لا يأتي إلى بالذباب، وسلاطين ترانزنستور من حجم المالكي وأشباهه؟
أما ما حدث في تونس بولادة داخلية فهي ديمقراطية حقيقية بميزتين لاصنمية ولاعنفية بتعبير الحقوقي هيثم المناع السوري (الطافش من أرض البعث والطائفية) سوف يسري عدواها كنموذج ناجح إلى بقية الأقطار الوثنية في العالم العربي التي تؤله الزعماء والسادة.
وإذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ويبقى خيار (الديمقراطية) أفضل من (الإلوهية السياسية الحقيقية). وفي الوقت الذي تهزم فيه أمريكا عند بابل وأوروك سيتم مطاردتها في كل مكان، وستدمر إسرائيل ربما في نصف قرن تدميرا كما يتوقع (أوري أفنيري) الصحفي الإسرائيلي.
وحسب عالم الاجتماع الألماني (ماكس فيبر) في كتابه (روح الرأسمالية والأخلاق البروتستانتية) فإن أوربا احتاجت أيضاً أجيالا حتى انبعث الفكر النقدي من رحم الفكر النقلي ـ كما رأينا في نماذج الفكر التنويري على يد مندلسون وليسنج وكلاهما من أب تقليدي متشدد؛ أب الأول كاتب للتوراة والثاني واعظ لوثري ـ وتم تدمير الكنيسة والإقطاع. وولد الرأسمال والعمل والبرلمان والصحافة والتعددية والتأمينات الاجتماعية ونقل السلطة السلمي.
إن الطائفية شر مستطير على الطائفة قبل غيرها. ومن يلعب في النار لا يجعل النار لعبة.
وهي خطر على كل مستقبل الطائفة لأن يوم الفصل كان ميقاتا فيحكم بقطع رأسها على مقصلة التاريخ. ولنا في قصة مذابح التوتسي والهوتو أو يوغسلافيا عبرة لمن يعتبر.
واليوم ودع العالم حكم العائلة والقبيلة والطائفة والدولة الإقليمية فهذا هو روح العصر.
ونحن ليس أمامنا إلا سنن من قبلنا. ولا يمكن حرق المراحل ولكن كشف قانون الشيء يمنحنا السيطرة عليه وتسريع عمليات الشفاء. كما نفعل مع المريض.
وكما يقول مالك بن نبي إن التعامل مع القانون لا يعني إلغاؤه بل التعامل معه بما يمنحنا السيطرة عليه كما أمكن للحديد أن يطير عل شكل طائرات فهنا لم يتم إلغاء القانون بل تم التعامل معه حسب وجوده الأزلي بتداخل القوانين على بعضها البعض.
وأوربا اليوم ودعت مرحلة الدولة القومية باتجاه الدولة العالمية في أعظم تجمع عرفه التاريخ بدون سيف جنكيزخان ولا مدفع نابليون أو مدرعات هتلر وأشرقت شمس اليورو تحت كلمة التوحيد فلا يتخذ البشر بعضهم بعضا أربابا من دون الله.
إن كل ما نكتبه لا قيمة له والشعوب تتعلم بالمعاناة.
وحتى يعود الوعي من المنفى ليس أمامنا إلا البكاء وصرير الأسنان والحروب الطائفية، والشعوب لا تصل إلى شاطيء الوعي إلا على جسر من المعاناة فوق نهر من الدموع.
إن ما حدث في تونس ومصر في شتاء 2011م يجعلنا نؤمن أن التاريخ تقدمي وليس عبثي وأن الزبد يذهب جفاء وما ينفع الناس يمكث في الأرض وأن الأمم سوف تتعافى من سل الطائفية وجذام الحزبية ولو بعد حين؟