وتركيب المصل المضاد لهذا الوباء؟


ثلاث حقائق تسم الثورة المصرية والتونسية:
لاعنفية تفوقت على كل ثورات التاريخ.
وإنسانية شعبية فليست أخوانية ولا بعثية عبثية ولا شيوعية إلحادية ولا قومية عفنة نتنة..
وعامية فالصين ترتج، والبنتاجون حائر، وبنو صهيون في حزن عميق وقلق غميق..
مع ذلك فعلينا أن لا نسرف في التفاؤل فالتفاؤل جيد، وعلينا أن نستعد للأسوأ، لأن الطغيان لم ينته بعد ويفارق الحياة ملعونا غير مأسوف عليه، ولم يخرج الجنين للحياة فقد يأخذ علامة عشرة (أبجار) كما يعرفها الأطباء والقابلات فيكون طفلا زكيا، أو يأخذ واحد (أبجار) فيكون أبلها دميما غبيا؟
ولعل ثورة إيران فازت ثم نكست على رأسها؛ فتحالفت مع النظام البعثي العبثي واستقبلت الطاغية تشاوسسيكو قبل إعدامه بأربعة أيام؟ فهي الآن تحتاج إلى ثورة جديدة مجددة

وسينتج عنها ثلاثا:
ـ ولادة الشعب المصري ولادة جديدة محررا من علاقات القوة موحدا لله رب العالمين فالتوحيد قيمة سياسية وليس تيولوجيا غيبية..
إذاً لما تعذب الأنبياء كل هذا العذاب..
وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف فكان عذاب؟ .
ـ ثورة وليست انقلابا كما فعل من قبل العجل الناصري، وعندنا في سوريا الأسد المغامر الدموي ماسح مدينة حماة بالراجمات، أو عارف ذابح العائلة المالكة، وصدام المصدوم المشنوق في العراق الذي شنق الشيعة، وصدم الأكراد والتركمان وقتل السنة والآشوريين والزرادشتيين؟
ـ انتقال هذه الثورة تكنس الزبالة ـ كما سماها الشاب غنيم ـ إلى كل زوايا العالم العربي بل الإنسانية، من بقايا الجيوب الستالينية في بورما وكوريا وسوريا وليبيا والسودان وكوبا؟؟

أعظم ثورات التاريخ الإنساني قاطبة؟
لعله منذ فجر الإسلام وحتى اليوم لم تحدث ثورة في تاريخ المسلمين تضاهي أو تقترب مما يحدث في مصر وما حدث في تونس باستثناء ثورة إيران، ولكن بكلفة مائة ألف قتيل وعطب نصف مليون وجرح ثلاثة ملايين؟
ثم وهو الأهم ولادة عسيرة وإعدامات لم تنتهي حتى اليوم وابتلاع الثورة في بطن الملالي ما يذكر بالتهام أفعى الأناكوندا لخروف غافل؟
تونس خرجت بمقتل مائة أو مائتين وجرح بضع مئات، ومصر خرجت بمقتل ثلائمائة وجرح خمسة آلاف ..
نقول حتى الآن فقد يتفجر حمام من الدم يذكرنا بساحة تينامينين في بكين، وقد تنتهي الثورة بنجاح مذهل ترتج له جوانب المعمورة رجاً، فالصين الآن ترعش من النموذج المصري، وينتقل النموذج المصري فيلتهم جملوكيات الرعب في كل زوايا العفن العربي من نواكشوط إلى حلب ومن ذمار إلى الأصنام حيث أصنام الجزائر من الجنرالات المتخشبين..
كما يفتح الطريق للملكيات الدستورية في بقية العالم العربي فقد استيقظ المارد العربي النائم المخدر شبه الميت الغائب .. الذي ظننا في وقت أنه ميت قل ما شئت....
أهمية ما حدث في تونس ومصر أنها دروس لطرفي الصراع، فبقدر ما تضعه للدرس استخبارات الاستكبار العالمي، بقدر أهميته للمستضعفين من العرب أن يطبقوه لقلع الأضراس النخرة
تونس كانت ضرسا مقلقل فسهل قلعه، مبارك ضرس نخر بثلاثة جذور، فيحتاج إلى عمليات متعددة ومخاض صعب حتى يقلع قلعاً، أما سوريا فهي سرطان بعثي على نكهة طائفية فيحتاج إلى جراح بارع؟
وفي سوريا بوجه خاص يبرز العائق الثالث أمام مخاض التحرر :
رعب الأجهزة الأمنية الذي برع نظام الأسد الآب في صناعته، فهو الصديق الحميم لتشاوسسكو، ويسهر الأسد الأبن على استمراره، في تغافل عن حركة التاريخ.. ولكن التاريخ لا يغفل ولا ينسى ولا يسهى ولا تأخذه سنة ولا نوم؟
أخطر ما يواجه التغير في العالم العربي هو الخوف من الأجهزة الأمنية؛ مذكرا بالسيكورتات الرومانية؟ الأمن المركزي المصري؟ المخابرات السورية بفروعها التسعة عشر؟ جنرالات الجزائر؟ اللجان الشعبية الليبية؟ وآخر من شكله أزواج؟؟

تشريح بنية أجهزة الرعب (عفوا أجهزة الأمن)
وهكذا لابد من القيام بتشريح جسم هذا الكائن المخيف وتركيب المصل المضاد لسمومه؟
لقد أنتج الوضع ثقافة الرعب من أجهزة الأمن في تناقض بين الواقع والكلمة، فكلمة أمن لم تعد تعني أمنا؟ بل تعني رعباً يرج المفاصل رجا، ومن دخل فرعا أمنيا فلا يعرف إلى أين ينتهي المقبرة أو المشرحة؟ ولكم في قصة خالد سعيد الاسكندراني عبرة؟
أما المواطن السوري فهو يفتح عينيه على الحياة وهو في المعتقل؛ فقبل أن يأخذ الثانوية العامة يجب أن يحظى بزيارة فرع أمني ويتلقى كفاً أو كفين فهذا لحسن السلوك.
ويموت المواطن وعمره تسعون عاماً يحمل على النعش وبحقه قرار أمني بعدم مغادرة الوطن.
وفي مطارات الوطن أدراج شاهقة مثل الأهرامات غاصة بأسماء عشرات الآلاف من المطلوبين والممنوعين من السفر لدرجة القرابة ثلاثة ولأكثر من جهاز أمني.
كنت في ساحة المرجة في دمشق حيث وزارة الداخلية وقسم الهجرة والجوازات فعددت أربعة صفوف من الأدراج كل صف يرتفع 16 طبقة، فيكون المجموع 64 درجا بعدد القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم؟ هنا حول المواطن المقرود؟ كل درج بعمق نصف متر، وكل درج فيه أوراق بأسماء الألوف من الممنوعين من السفر والفارين والمطلوبين للعدالة بدون عدالة؟
وفي مطار دمشق لفت نظري هرم من نفس النوعية بحجم أصغر، ولفت نظري أحد الأدراج كتب عليها جلبي أي والله؟؟
وبين المهد واللحد يجب أن يكون أي مواطن معتقلا مرة أو مرات. أو يعرف في جواره من اعتقل وأهين، أو سمع عمن اعتقل فكسرت عظامه وأسنانه فخرج يمشي على بطنه مثل الزواحف، أو من نام في أقبية المخابرات عشرين سنة فخرج أقرب للجنون، أو شدخ رأسه بحجر فمات في سجن صحراوي.
وكل هذه لها قصص بأسماء أشخاص نعرفهم وفارقوا الحياة من ديار البعث إلى يوم البعث؟
أو من مات في غرف تعذيب الهولوكوست العربية أو قضى نحبه بالمخمصة بمرض كواشركور منتفخ البطن بنقص البروتين مثل الحامل في الشهر الثامن.
رووا لي أن غرف سجن تدمر الرهيب كان يضم اختصاصات فغرفة للمسلولين وثانية للمجذومين وثالثة للمقملين ورابعة للمبطونين وهكذا وقاسم الططري أستاذ الجغرافيا من الزبداني مات بالبطن فكانوا يحاولون أن يعطوه حصتهم الزهيدة من قطعة لحم عسى أن تنفع فودع وكان يقول يا شباب نحن في عالم البرزخ فاستعدوا للقاء..
أو صديق له رميت جثته أمام زوجته بعد أن جف مثل الحطبة فلم تعرفه إلا من شامة في وجنته (ليرحمك الرب أمين مامو).
أو من أخذ شاباً لا أحد يعرف السبب بمن فيه المعتقل نفسه فلم ير أمه وأولاده إلا بعد ضغط منظمات حقوق الإنسان من الخارج وبعد ربع قرن من الزمن ولزيارة واحدة.
أو من حشر في زنزانة ضيقة يضرب بالفلق كل يوم مرتين بالعشي والإشراق لفترة ستة أشهر محروم من الطعام إلا كسرة خبز في 24 ساعة فيتبرز مثل البعير بعرا، وهي قصة رواها لي الحلبي عبد الكريم خوجا عليه رحمة الله؟
ومن تجرأ فزار من خرج من أفران الاعتقالات شبحاً وهن العظم منه واشتعل الرأس شيبا أحصي عددا وسجل في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
ووجدوا ما عملوا حاضرا في كل تحقيق بما فيه نوع الحليب الذي رضعه وهو في المهد صبيا هل كان سيميلاك أو سيريلاك؟
وليس هناك من مواطن إلا أو طلب للتحقيق ولو كانت عجوزا مقوسة الظهر تسعين درجة تمشي بعكاز، أو طفلاً لم يحسن النطق بعد، أو بنتاً ناهداً في عمر الورد وطهارة السحاب، فلعل العجوز مرتبطة بالاستخبارات العالمية.
ويبقى الطفل ينطق بالحقيقة فهو أدعى لطلب الحضور ولو أصيب بالصدمة النفسية كل حياته.
وتجر الفتاة إلى الفروع الأمنية لأن أخاها طلب الرزق في السويد، فلعله يتآمر على النظام من هناك. ولو كلف هذا أن تنظر للحياة بـتشاؤم بقية عمرها.
إنها روائع أمنية لسيمفونيات الأجهزة الأمنية في العالم العربي. في وطن تحول إلى سجن كبير فيه الكل يعتقل الكل. والكل خائف من الكل. والكل خائف من الاعتقال، يراه عن اليمين والشمائل في الحقيقة والمنام.
وكل بناية في الوطن يمكن أن تتحول إلى سفينة أمنية عامرة بالزوار في بطنها.
قبل أربعين عاماً كانت فروع الأمن محدودة العدد قليلة المجندين لا يزيد حجمها عن بناية صغيرة، كما أذكر ذلك المكان القميء في القامشلي حين زربنا فيه عام 1963م في فرع الأمن العسكري في القامشلي ثلاثين شخصا في غرفة صغيرة، واليوم نمت الفروع الأمنية بأشد من السرطان القتاميني، وعظمت بأكبر من ديناصور لاحم، وارتفع عددها أكثر من أبواب جهنم السبعة، عليها تسعة عشر؛ للخارجي والداخلي والعسكري وأمن الدولة والأمن السياسي وفلسطين والحرس الجمهوري والقوى الجوية والأمن العام.
وآخر من شكله أزواج. منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك.
هذا ما كان على السطح أما ما خفي فلا يعلمها إلا الله والراسخون في المخابرات.
وأهم شيء هو استتباب الأمن. ولو تحول الوطن إلى مقبرة يمشي فيها حارس واحد وحفار قبور وجثث تتوافد وقبور تبلع.

القوانين السبع للمخابرات
عندما اعتلى الثعلب (محمد علي باشا) كرسي الخلافة في مصر عام 1805 م طلب من وزيره الأرمني (آرتين) أن يترجم له من الإيطالية كتاب (الأمير ) لمكيافيللي.
وينقل (علي الوردي) في كتابه (تاريخ العراق الحديث) عن الوزير أنه كان يترجم له كل يوم عشر صفحات حتى كان اليوم الرابع حينما استوقفني quot;قائلاً: لقد قرأت كل ما أعطيتني إياه من مكيافيللي فلم أعثر على شيء جديد يذكر في صفحاتك العشر الأولى إلا أنني كنت آمل أن تتحسن الحال. لكن الصفحات العشر الأخرى لم تكن أفضل. أما الأخيرة فليست سوى مجرد عموميات. أنني أرى بوضوح أنه ليس لدى مكيافيللي ما يمكنني أن أتعلمه منه. فأنا أعرف من الحيل فوق ما يعرف. فلا داعي للاستمرار في ترجمتهquot;
وفي كندا روت لي ابنتي التي كانت تدرس العلوم السياسية في جامعة (مك جيل) في مونتريال أن الأستاذ وقف في يوم فقال هل تعلمون كيف يحكم حافظ الأسد سوريا؟ فبدأ الطلبة الكنديون الأبرياء الذي عاشوا عمرهم في الديمقراطية يعصرون أدمغتهم في محاولة استحضار كل أساليب الشيطان الممكنة.
وفي كل مرة يضحك الأستاذ من سذاجتهم ويقول لا.. لا.. إنه أذكى منكم جميعا. ثم بدأ يشرح بشكل هندسي ماكينة الحكم والعبقرية الاستخباراتية التي وصل إليها قائد البلد المذكور المنكوب.
وكان تحت قانون المخابرات السبع مثل أبواب جهنم السبعة؟
(1) الفقرة الأولى اعتماد الكذب هادياً ودليلاً.
يجب أن يكذب العنصر على زوجته التي في حضنه وأمه التي ربته لأنها أسرار الدولة أو هكذا يوحى إليه. وتحت آلية الكذب فيجب أن يكذب ولو لم تكن هناك حاجة للكذب. وفي يوم كانت زوجتي تسأل عن مصير زوجها عدنان الدباغ رئيس المخابرات العامة؟ فقال لها هو بخير وسنفرج عنه بعد أيام. ولكن لم يكن زوجها (بخير) بل كان يذوق العذاب الأليم ولم يفرج عنه إلا بعد سنة.
والشاهد أن الجبار رئيس الفرع الأمني قوي ولا يحتاج للكذب ولكن الكذب أصبح في دمهم مثل الكريات الحمراء فلا يتنفس ولا يزفر إلا كذبا.
وفي النهاية مات الدباغ الجبار رئيس فرع المخابرات العامة مثل بعوضة وقملة مختنقا بسرطان الرئة ويوم القيامة هو من المقبوحين.
ومن الغريب أن رجل المخابرات يسّود وجهه مع الوقت بما عانت نفوسهم فطبعت النفس بصمتها على الجباه. وهي ظاهرة يعرفها من رآهم وعرفهم. تغشى وجوههم قطعا من الليل مظلما وهي تحتاج لدراسة بذاتها.

(2) والفقرة الثانية من القانون الاستخباراتي تنص على أنه:
لا ضمانة لأي شيء أو إنسان في أي زمان ومكان. وتطبيق هذه الفقرة هي استباحة المواطن في كل شيء.
والمخابرات هنا ليست وظيفتها التجسس للخارج بل التجسس على المواطن. وفي ألمانيا الشرقية كان (الستازي STASI) جهاز الاستخبارات عنده عشرين ألف غرفة للتنصت على المواطنين. وهو يذكر بمرض خطير في الطب في التهاب اللوزات. تحت قانون حاميها حراميها. فهي بالأصل خلقت كجهاز للدفاع عن الجسم ولكنها مع الوقت تتحول إلى وكر للجراثيم فترسل الذيافين والسموم إلى كل الجسم فتلحس المفاصل وتعض القلب وتعطب الكلية.
والأطباء عندها يلجئون إلى الجراحة فيستأصلون اللوزات. وهو ما فعله الشعب الروماني مع السيكورتات التي خلقها تشاوسسيكو اللعين.
وتحت الفقرة الثانية يجب ترويض المواطن وترويعه واقتحام خصوصيته والاستيلاء على الفاكس في بيته ومصادرة سيارته ونهب ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة وإخضاعه للرب الأعلى الذي اسمه الحاكم لأنه ظل الله على الأرض. ويجب أن يرى المواطن المخابرات في المنام وأثناء مضاجعة زوجته تلوح في الأفق وتعكر كل حياته.
يجب إدخال القلق وعدم الهدوء إلى ضمير المواطن ويجب أن يشعر بهم ولو هاجر إلى كندا واختفى في غابات يوكوتان.

(3) والفقرة الثالثة تنص على استخدام أي أسلوب للوصول إلى المعلومة ولو تبق معلومة؟
وتطبيق مبدأ (الحلاوة والكرباج). أي (حلحلة) المواطن بين قطبين من الترغيب المعسول والتهديد الماحق. وأي أسلوب مشروع. وكل حديث عن القيم ليس بقيمة. وكل المحرمات مسوغة. وإذا تطلب اغتصاب زوجة المستجوب فعلوا ولم يترددوا ويجب أن تكون بحضوره.
وكان لينين يعطي تعليماته بشنق المعارضين بعد انتقاء كرام القوم وبحضور الناس أجمعين.
وفي يوم راجعت فرع الأمن السياسي (وهو أحد رؤوس التنين السبع عشر؟) وهي غصة مع كل مرة في دخول البلد أي فرع ينتظرك وأي جهة تطلبك فينشف الريق ويبيض الوجه من سوء المآل وفي أي قبو سيرسو المصير؟
لاكتشف أن الأمر يعود إلى تقرير كيدي من امرأة طلقها زوجها قبل عشرين سنة.
وعندما راجعتهم بدأوا من نقطة الصفر فلعلهم يفوزون بشيء جديد ينافسون به الفروع الأمنية الأخرى بعد أن تحول المواطن إلى حمار لم يبق على ظهره مكان للركوب.
بدأوا في السؤال عن نوع الحليب الذي تغذىت به في الطفولة هل كان سيريلاك أو سيميلاك.
وفي النهاية بعد مراجعة مضنية لمدة 17 يوما قالوا له كان بإمكاننا اعتقالك من الحدود قلت نعم أشهد بذلك.
قالوا له إن الأمن في بلدنا مستقر يشهد بهذا القاصي والداني قلت لهم نعم أشهد وقالت في نفسي. إنه هدوء يشبه سكون المقابر فلم يبق مواطن بل قبور تبلع وحفّار جاهز بالرفش وجثث تتوافد.
وعندما صعدت الطائرة وأنا أنفض عني غبار الاعتقال كان بجانبي راكب باكستاني قلت له ما الذي لفت نظرك في بلدنا؟
تردد الباكستاني ثم قال لم أر هدوءً وأمنا مثل هذا البلد. ثم تنحنح وبلع ريقه وتابع ولكن صور الزعيم كثيرة جدا في البلد.
وفي صالة مستوصف حقير في خان أرنبة كان على الجدران 17 صورة للبطل وابنه.

(4) الفقرة الرابعة: الشك والشك بدون حدود:
عندما انتشر تنظيم العباسيين في خراسان كان أبو مسلم زعيم عصابة المخابرات وكانت التعليمات تقضي بأن يقضى على كل مشتبه به ولو كان طوله خمس أشبار.
وفي يوم قال ضابط أمني لواحد هل تعلم لماذا ضحك عليكم فلان وكان تاجرا جمع أموال الناس بدعوى الربح السريع الوفير. وكان منهم قسم من أفراد عائلتي وضعت في يده مليون ريال. قال: لأنكم تثقون ونحن لا نثق بأحد ولو زوجتي التي في حضني وابنتي التي ربيت.

(5) الفقرة الخامسة: مسك الناس بقانون الرعب:
يجب الضرب ونشر أخبار الضرب وبكل سبيل وعلى كل منبر ووحيا من بين الأسطر والتعبيرات ونقل هذه الأخبار عن طريق المجندين ومن سار في دربهم إلى يوم الدين. فالأفعى يتغذى على هذا القانون. والضفدع الذي يرى الثعبان يتجمد من الرعب فيلتهمه الثعبان.
وليس مثل الرعب سما للشلل، وأعظم شعورين جند القرآن نفسه لتخليص الإنسان منهما: الحزن والخوف فقال لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وعندما دخل المغول بغداد كان الجندي المغولي يمسك العشرات وهو لوحده فينبطح الناس للنطع والسيف. وفي أحد الحفلات افتقد الجندي سلاحه فلم يكن على جنبه. قال لهم امكثوا ولا تبرحوا قالوا سمعا وطاعة فغاب ساعة ولم يفكر أحد بالهرب. فعاد وذبحهم بشفرة حادة فلم يتألموا كثيرا.
وفي ألمانيا بعد أن عرض فيلم الهولوكوست عام 1982م ذكر يهودي تجربته أنهم كانوا يؤخذون إلى الحفر والرشاشات وما زال فيهم ولو (جزيء Molecule) ـ شدد وعصّب عند هذه الكلمة ـ من أمل أنه ربما عفي عنهم. ولم يتحولوا في معتقداتهم حتى أطبق عليهم اليأس.
ومن أساليب المخابرات قانون (الفنتيل) أي (التنفيس) وعدم إيصال الأمة إلى حافة اليأس لأن عندها الطوفان والمجرم يريد حلب الناس إلى يوم القيامة ولذا فهو يسمح بالتنفيس مثل المسلسلات المضحكة والكاذبة وفيلم الكوميديا وتسلية الناس بالاحتفالات الصاخبة والصريخ في كل ناد أو الاستعراضات لمجالس شعبية وانتخابات مزيفة لصناعة مجالس قرود يمكن أن تغير الدساتير في اللحظة الحرجة في دقيقة أو دقيقتين فهي لهذا صنعت ومن أجل هذا بنيت وهي ضحكة كبيرة يطلقها الطاغوت من فم ابتلع كل العباد.

(6)الفقرة السادسة الوصول بالمواطن إلى (التوبة النصوح)
حسب شروط فقهاء العصر العباسي بمعنى الندم عما فعل والتعهد بالخطأ وأن لا يعاود النشاط للمستقبل وأن يفتح كتاب (النبات) ويدرس (وظائف) النبات فيكون النبات له قدوة. مثل هل يتغذى النبات ويتكاثر؟ الجواب نعم.. إذا على المواطن أن يتغذى ويتناسل مثل الأرانب لإنتاج مزيد من العبيد. ومثل هل يتحرك النبات أو يحرك؟ والجواب لا يتحرك ولكن يُحرَك مثل نقل النباتات من نافذة لأخرى. إذا على المواطن أن لا يتحرك في مظاهرة بل تحركه يد المخابرات. ومثل هل يفكر النبات؟ والجواب لا النبات لا يفكر قط. وعلى المواطن الصالح أن لا يفكر لأن التفكير خطير ومصيره أن يصبح نزيل أقبية المخابرات يضرب ويرفس بالغدو والآصال.

(7) قانون التنين بمعنى خلق كائن أسطوري له سبع عشر رأسا.
في مونتريال في كندا كان أستاذ العلوم السياسية يشرح للطلبة هذا القانون وهو أن رئيس العصابة يسخر الفروع الأمنية أن تعمل بشكل غير مركزي. وتتنافس فيما بينها. ولا يوجد تقاطع في المعلومات. ولا أحد يعطي معلومة لأحد. وكل يعمل بذراعه ورجله ومسدسه. وكل يركب المواطن من الأمام أو الخلف بالطريقة التي يشتهيها. وأن نسبة القتل يجب أن لا تزيد عن 6%. وأنه مسموح لهم باعتقال من يشاءون بالكمية التي يرغبون ولكن إطلاق عصفور تتم بيده ومذيلة بتوقيعه. وبذلك يتحول البلد الواحد إلى 17 دولة وينقلب الوضع إلى قبائل أمنية بفارق أن القبيلة الأمنية مضاربها كل البلد وشيخها يمسك أي مواطن في أي لحظة فيفعل به ما يشاء. عندما سمع الطلبة الكنديون ذلك فتحوا فاههم من الدهشة ولم يعقبوا.
يختلف العرب في كل شيء إلا الموضوع الأمني ولذا تسامر وتحابب رؤوساء الفروع الأمنية في العالم العربي ونشأت بينهم علاقات حميمة وعلاقات زواج ومصاهرة. والكل معه جواز سفر كندي أو أوربي له ولذريته من بعده تحسباً من يوم الزلزلة. والكل عنده حسابات سرية ليوم الفصل وما أدراك ما يوم الفصل. ويل يومئذ للمكذبين. والكل يرسل أبناءه إلى دول الاستعمار والرأسمالية وهو يحارب الاستعمار والرأسمالية على الورق وفي المظاهرت المزيفة.
وإذا وقع مواطن عربي في يد واحد منهم قاموا بتسليمه لبعضهم بأريحية عربية. وبقدر اختلاف الأنظمة العربية ونزاعها بقدر توافقها وتفاهمها الاستخباراتي. وفي يوم كنت على حدود بلد عربي فأرادوا إلقاء القبض علي فتعجبت وقلت لهم لعل في الأمر خطأ. قالوا لا .. ثم قالوا لي ألست أنت فلان الذي كان يلقب في المدرسة الثانوية باسم فلان. قلت نعم وأهنئكم على ذلك. وقلت في نفسي إن ملفي لا شك أصبح عند الموساد.
بعد أن اغتال سليمان الحلبي الجنرال الفرنسي (كليبر) قلبوا مصر بحثاً عنه حتى وجدوه بجانب جدار يصلي ومعه المدية ملطخة بالدم. ولكن نهايته كانت عجيبة كما ذكر ذلك المؤرخ المصري (عبد الرحمن الجبرتي) في كتابه فقد تمت محاكمته على الطريقة الفرنسية ولكن تنفيذ الحكم تم بطريقة المماليك والعثمانيين حرصا على عدم خرق التقاليد المحلية للمخابرات فشويت يده على النار ثم وضع الرجل على الخازوق على الطريقة الشرقية.

أحد قصص الأجهزة الأمنية جرت مسرحيتها في مدينة السلمية؟
لم يدر بخلد الشاب ذو ثماني عشر ربيعاً أن تلك الزيارة الخاطفة ستقرر مصيره. ففي بلد ثوري كان الشاب نعمان في خدمة العلم فأرسل إلى منطقة حدودية مجاورة لبد ثوري آخر. شعر الشاب أن قريبه الفار إلى البلد الثوري المجاور هي مسألة جغرافية فليس أمامه سوى القفز بضع مئات من الأمتار الحدودية فيزور قريبه الذي يحبه وكانت غلطة قاتلة؟ . احتفى به خاله وقبله ولكنه قال له لقد أخطأت بما فعلت فأنت يا بني لا تعبر حدوداً ترابية ومسألة الحدود بين العربان هي أشد من القفز في أطواق النيران. ثم إن خال الشاب قال له ارجع بسرعة قبل أن يعلم الرفاق من هنا أو هناك بأمرك فيذيقونك العذاب الأليم. كان الشاب صيدا ثميناً لمخابرات الرفاق في القطرين المتجاورين فهو خائن من جهة ومستودع معلومات للطرف الآخر. وعندما قام بزيارة أهله أطلع والده على ما حصل معه فارتج الوالد رعباً وقال يا بني لقد جئت شيئا إداً تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هداً. ولقد أوقعتنا في ورطة كبرى لكل. ثم إنه انطلق بابنه إلى رئيس فرع مخابرات المنطقة فأطلعه على الأمر وقال أنتم أعلم بطيش الشباب وعدم تقديرهم لعواقب وها أنا والده أسلمه إليكم لترأفوا بحاله. قال له رئيس الجلادين اطمئن وهو في يد أمينة وهي ساعة من نهار نستجوبه ثم يرجع إليكم. رجع الوالد إلى بيته واعتبر أن المسألة قد حلت وانتهت. ولم يدر في خلد أحد أن الرحلة الفعلية بدأت فلم يعود الشاب إلى فرشته تلك الليلة ولا التي بعدها. ومرت الأيام والأشهر ولا أحد يعرف في أي قبو من أفرع المخابرات الجهنمية ينام ويعذب. ودامت الرحلة ثلاث سنوات حتى عاد. ولكن لم يعد ذلك الشاب الضاحك المرح بل تحول إلى إنسان هرم محطم. ولاحظ الأهل أن يديه أصبحت مثل جلد السنجاب من أثر حرق السجائر ولسع الكهرباء فيها. كان الشاب في حالة وجوم وذهول مستمرين وتحضره غيبوبة عند اجتماع الناس به. وعلاه صمت لا يفكه شيء فلم ينطق حرفا أين كان سجنه وماذا سئل وأي شئ تعرض له؟. ثم بدأت عوارض الجنون الخفيف تستولي عليه فيخرج هائماً على وجهه وقت السحر ويخرج بملابس صيفية في أعز وقت البرد. واستمرت الحالة هكذا أشهراً طويلة وهو يرزح تحت صدمة لا فكاك منها ولا خلاص. حتى جاءت ليلة مخيفة فتوجه الشاب إلى بئر ارتوازي وهو من النوع المخروطي فتحته تتسع لإنسان ونهايته تضيق بعد مائة متر فقام بإجراء طقوس الموت فخلع نعليه ثم ألقى بنفسه في البئر فانحشر واقفاً ومات تدريجياً بنقص الأكسجين التدريجي في ميتة من أبشع الميتات. اختفى الشاب وبحث الأهل عنه حتى عثروا عليه ودلوا بالحبال فلم يتمكنوا من انتزاعه فمكث والده ثماني ساعات وهو يراقب حفر بئر موازية بأوسع وبجانب الأولى حتى وصلوا إلى مستوى جسم الشاب الميت فحفروا حفرة جانبية انتشلوا منها الجثة كاملة عبر هذا النفق حتى يتمكنوا من دفنه غير منقوص. وكان الوالد يبكي ويندب طول الوقت. دفن الشاب بدون ذكر وبدون عزاء وبدون صلاة فقد انتحر. والسؤال هل كان هذا الشاب فعلاً منتحراً؟ لقد أوصلت مخابرات العالم العربي المواطن إلى تلك الحافة التي يرى فيها أنه ليس هناك ما يستحق أن يعيش المرء من أجله وأفضل ما يفعله أن يقدم استقالته من الحياة ويستريح؟

قبائل البدو بثلاث فوارق؟!
والمشكلة في هذه الأجهزة الأمنية أنها تشبه قبائل البدو بثلاث فوارق:
الأول: أن شيخ القبيلة الأمنية يلبس نظارة إيطالية، ويزركش صدره بربطة عنق أمريكية، وتحته سيارة مرسيدس ألمانية، ويحمل في يده سلكاً كهربيا صينياً للضرب واللسع.
وثانياً: أن من يدخل في جوار شيخ القبيلة لا أمان له ولو كتب له الشيخ كتاب أمان؛ لأن مضارب القبيلة غير مرتبطة بالجغرافيا؟!
وكل الوطن هو مضرب شيخ أي قبيلة. فقد يقع المواطن في قبضة شيخ هذيل من المخابرات العسكرية، مع أنه في أرض الدوسي من قبائل المخابرات الجوية، وشيخ أي قبيلة يمكن أن تطال يده مضارب كل القبائل في كل الوطن.
وهو قانون ساري المفعول لكل شيوخ القبائل في كرم حاتمي على حساب مواطن مستباح مركوب مثل البغل المسرج يعتلي ظهره تسعة عشر رفيقا ثوريا؟ وهو عرضة للاعتقال في أي لحظة على يد أي فرد من أي قبيلة في أي مكان.
إنها تركيبة عبقرية أنشأها حافظ الأسد كما نرى تدرس في الجامعات الكندية في قسم العلوم السياسية كنموذج فذ لعبقرية عربية في ضبط الشعوب.
ويمكن لفرعون أن يستدعي رئيس السحرة وهامان وقارون في أي ساعة من السحر فيوقظ شيخ أي قبيلة للإجابة على ملف أي مواطن.
ولا يدخل على الطاغية أكثر من جنرال فقد يتفق الثلاثة إذا جمعتهم الصدفة أن يعتقلوا الرئيس طالما كان السلاح هو الحكم.
والفارق (الثالث) أن هذه القبائل الأمنية في حالة حرب دائمة؛ فلا تعرف الأشهر الحرم بل السبق الأمني، ولا حرمة كعبة وقبلة وبيت وامرأة وطفلا وشيخا مقوس الظهر، بل الكل يتنافس في اعتلاء ظهر مواطن لم يعد فيه مكان للركوب.
والنتيجة التي تتولد من نمو هذه السرطانات في الأمة أنها تصبح أجهزة رعب يجب فكها، كما جاء في كتاب (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) لفرانسيس فوكوياما، حينما أرسلت الأجهزة الأمنية في روسيا زوجة مولوتوف وزير الخارجية إلى معسكرات الاعتقال. وكانت نظرة سيئة من ستالين لأحد أعضاء المكتب السياسي تكفي أن يرجف ذعرا بقية حياته. ومات شنقا وحرقا وغرقا وبالرصاص على يد (بيريا) رئيس الـ K.G.B الاستخبارات الروسية في تطهيرات عام 1938 م ما يزيد عن 800 ألف من أفضل مواطني الاتحاد السوفيتي، كما جاء في (الكتاب الأسود) للشيوعي المخضرم (ستيفان كورتوا)، بحيث هيأ للهزيمة الساحقة أمام زحف القوات النازية عام 1940م. فلم يبق مواطن يدافع عن الوطن بل ستالين والعصابة.
وهو ما يفسر السقوط السريع لصدام المصدوم في العراق بعد أن كون جيشا باسم فلسطين من مليون مقاتل؟ فهربت الجرذان والفيران إلى الجحور والبلاليع لما رأوا جنود الأميركان؟
وإذا صحت الرواية التي تقول أن من شفع لنظام الأسد بالبقاء هو إسرائيل نكون فعلا أمام نكتة كبيرة لا تضحك أحد؟ مطبقة أصول الفقه فتتحمل الخطأ الأصغر من بقاء ديكتاتور ترانزستور نجاة من الهول الأعظم ويقظة الشعوب كما حصل في يناير 2011م في تونس ومصر؟ أن تنتقل الفوضى إلى حدود بني صهيون؟ فبقي نظام الرفاق يلعن بوش، وبوش من أبقى عليه، بعد أن كان قاب قوسين أو أدنى من قبض الروح ودنو الأجل؟
واليوم بلغت الدول العربية من الهشاشة الداخلية ما قد ترحب بأي هجوم خارجي يوحي إليها أنه جاء لتخليصها من الطغيان، وأذكر جيدا إذاعة إسرائيل في حرب عفوا هزيمة 1967م حين كان جيش الدفاع الإسرائيلي يدعو المواطن العربي إل التخلص من حكامه، وجيش الدفاع سوف يساعده في هذه المهمة؟؟
إنها حرب نفسية أليس كذلك بعد أن بدأ المواطن العربي يفكر بالخلاص ولو على يد إبليس وذريته أجمعين؟؟
واليوم كما تقول مجلة (در شبيجل) الألمانية أن الوضع تحول في بعض الدول ليس أن فيها مافيات بل كل الدولة مافيا.
وإذا حدثت الكوارث الاقتصادية أو تم دفن النفايات النووية، أو حلت بها الهزائم العسكرية وهي تتبجح بالانتصارات، أو انهدمت السدود فوق رؤوس الناس بأشد من سيل العرم (كما حدث في سد زيزون)، فكلها تحصيل حاصل وأمر طبيعي أمام نمو تنينات الأجهزة الأمنية.

المفارقة في تركيبة الأجهزة الأمنية ثلاث:
(أولا) يظن الحاكم أن خلاصه بالإغداق عليها. وهي كما يقول المثل العربي سمن كلبك يأكلك. ومقتل القياصرة جاء من ضباط الحرس الإمبراطوري على يد أقرب الناس إليهم.
والمفارقة (الثانية) أنها تمسك الناس بالرعب، وهي مرعوبة أكثر من الناس. وأستاذ المدارس سابقاً كان يحرص على ضبط الصف بالتلويح بالعصا، ويعمد مروض الأسود في السيرك إلى التلويح بالسوط أوفرقعته وقرقعته في الجو بدون إيذاء الحيوان الضاري.
وتضبط الأجهزة الأمنية الناس بالرعب باعتقال أقل عدد من الناس وتجميد البشر في مربع الخوف, كما تفعل الأفعى مع الفريسة؛ فكلها أساليب نفسية لضبط الحيوان والجمهور.
مع ذلك فهدمها سهل كما تنهدم السدود بشق بسيط. ولكن أين الخبير الذي يفجر سد الخوف هذا فيتحرر الناس من ضغط أطنان المياه؟
والمفارقة (الثالثة) أن حماية شخص يحتاج إلى فرق حراسة شخصية ولكن حماية الحاكم من كل الشعب تحتاج إلى جيش كامل من الحرس والجواسيس والإعلاميين وأجهزة تحقيق وتعذيب ومكاتب إعلامية وإذاعات وشراء أصدقاء في الخارج والداخل.
إنها كما نرى ميزانية لا نهاية لها لدول لا يجد المواطن فيها الخبز. وهي كما يقول النيهوم quot;المشكلة التي تعاني منها ميزانيات الفقراء في العالم الثالث بالذات لأنها محنة تعيش بين الفقراء وحدهم كما تعيش البراغيث في فروة الثعلب المسكينquot;.
فك السحر وكسر الطلسم؟
وفك هذا السحر يحتاج إلى كيمياء خاصة من مجموعة عناصر تمزج بشكل جيد لفك حزام الرعب.
الأولى
أن عصر الجليد انكسر وذاب. وأن عصر الديناصورات انقرض وولى. وأنهم يكافحون حتى الرمق الأخير للاحتفاظ بامتيازاتهم. وأنهم يشبهون ساحرات العصور الوسطى فيقاتلون بالمكانس الأطباق الطائرة من فوقهم التي تطير بسرعة الضوء.
ومع أنهم ينفقون لمراقبة الانترنيت أكثر مما أنفقوا لبنائه فسينفقون أموالهم للمخابرات ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون.
والحقيقة الثانية
الاستعداد للمقاومة المدنية وعدم اللجوء إلى استخدام القوة والسلاح والعنف فليس أسهل من إطلاق الأجهزة الأمنية بدعوى الأمن عندما تندلع أعمال العنف، ولأنهم يتمنون ذلك ونكون بذلك دخلنا بطن الحوت من جديد من حيث أردنا أن يلفظنا من جوفه كما فعل مع النبي يونس.
والحقيقة الثالثة
أن هناك جوهر صاعق وسر مكنون في الإنسان لا يمكن إطفاء سراجه. وسحرة فرعون كانوا يريدون المال فقالوا أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين؟
الحقيقة الرابعة
ممارسة العمل العلني وتوريط النظام في أكبر عدد ممكن من المعتقلين، وتفجير السجن من داخله، لأن النظام لا يمكن أن يعتقل عشر الأمة ولا ثلثها. وهو بالتوسع في قاعدة الاعتقال يوفر المناخ لولادة العمل الديمقراطي والقيادات التي أنضجتها نار المحنة.
والحقيقة الخامسة
أن تكون المحنة ضمن التحدي الملائم. وفي كثير من الأقطار العربية طحنت المعارضة بسبب أعمال العنف فلم تأت المحنة ضمن الوسط الذهبي. والأجهزة الأمنية تتمنى أن تكرر المعارضة نفس الحماقة ليبقى وجودها مبررا ومكاسبها عامرة إلى يوم الدين.
وحتى يعود الوعي من المنفى تسبح الأمة في بحر الظلمات بدون خارطة وبوصلة تسمع دمدمة جن الأجهزة الأمنية فترتعش فرقا وتتصبب عرقاً.