لقد نجح نظام الأسد الأب في أمر واحد يشكر عليه بإدخال اليقين إلى قلب المواطن السوري بأن جهنم موجودة لاشك فيها ولا ريب. أما الجنة فلم يرها بعد ...
ونجح نظام الأسد في بناء جهاز مخابرات يشبه التنين بتسعة عشر رأسا، منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك، من الأمن السياسي وأمن الدولة والأمن العسكري والمخابرات الجوية والمخابرات العام فرع 273والمخابرات الداخلية وفرع فلسطين الذي ليس له علاقة بفلسطين؛ فإذا استعصت قضية فلم تحل، حلها فرع فلسطين بكل جدارة؛ فيستخرج من القبعة البيضاء فئران سوداء، ومن جلود المعذبين وثائق الاعتراف...
وقام حافظ الأسد بأعظم جريمة بإسقاط الجولان ببيان منه عام 1967م وهو لم يسقط بعد، حين كان وزيرا للدفاع؛ فكوفئ على ذلك بمنحه منصب رئيس الجمهورية بالتزوير والمخابرات والغدر والتآمر بخنجر الحشاشين.
ونجح نظام الأسد في تدمير سوريا (منهجيا) من صحة وقضاء وتعليم وبنية تحتية وغلاء؛ فتردت الليرة السورية عشرات المرات في الوقت الذي كان يجب أن ترتفع عشر مرات (كيلو اللحم كان 3 ليرات واليوم 700 ليرة؟)، كما قرر ذلك باول كيندي في كتابه (الاستعداد للقرن الواحد والعشرين) أنه بين عامي 1960 و1990 كان دخل الفرد في غانا 300 دولار سنويا مثل كوريا الجنوبية، وخلال ثلاث عقود قفز دخل الكوري 13 مرة بينما بقي الغاني والسوري والكوبي...راوح محلك..
وهو يعني من باب ثاني أن الهلاك مزدوج والانحطاط مضاعف..
لكن أفظع تدمير قام به قاطبة كان تدمير الإنسان فأخرج من قلب المواطن أخبث ماعنده ...
فزرع الخوف بالتعذيب وحصد الكراهية، وبذر التجسس فحصد الريبة والشك بين كل مواطن ومواطن، ليتحول المجتمع السوري إلى مجتمع رمل من ذرات غير متماسكة لا تنبت الزرع والضرع.....
وقام نظام الأسد بأفظع مذبحة في القرن العشرين فاقت سبرينتشكا في البوسنة (التي اعتبرت أنها أعظم مذابح أوربا بعد الحرب العالمية الثانية بقتل سبعة آلاف من الناس العزل على يد راتوك ميلاديتش الذي قبض عليه في مايو 2011م وقدم لمحكمة العدل الدولية) فقتل حافظ الأسد الآب في أيام معدودة أربعين ألفا من الأنام في حماة فبنى مملكته على الجماجم.
ولم تكن حماة سوى قمة جبل الجليد...
فقد اعترف طلاس رئيس الأركان المراهق الأبدي لمراسلة مجلة در شبيجل الألمانية (سوزان كوبله) بأنه كان يوقع بيده أسبوعيا على شنق 150 شخصا في دمشق لوحدها، قالها وهو يضحك ويقول نحن ثوريون ونعرف العلاج؛ إنه البتر (Amputation) أليس كذلك؟؟ فقد هدأت سوريا؟
قالها يعربد ضحكا وخلفه وقفت صورة أصلية من رسومات هتلر اشتراها من مزاد علني بمبلغ يهد ميزانية قرية في سوريا..
قالها ثم حاول التملص منها ولكن من يقرأ الشبيجل الألمانية ومن ينتبه؟
وصديقي (توفيق دراق) الذي اختص في الأمراض العصبية من كندا كان واحدا من ألف لاقوا حتفهم في ليلة واحدة في سجن تدمر عام 1980م وهم أسرى عزل..
وتتابع مسلسل القتل ويقسم لي أردني كان أحد الوجبات في سجن تدمر الرهيب بأنهم كانوا 41 شخصا فمازالوا في تعذيبهم إلى ما بعد العصر حتى قتل أحدهم فدخلوا المهاجع حطاما يجرون أقدامهم ناقص واحد..
ثم ضربوا الناس حتى أقعدوهم ومازالوا في ضربهم حتى أوصلوهم إلى حافة الموت، وكان هدفهم الأعظم تحطيم إرادتهم فمات الأكثر ومن خرج بعد عشرين سنة خرج يجرجر أقدامه بنصف عقل معتوها مريضا لا يصدق أن هذا ممكن على وجه الأرض..
كان عدد من مات قتلا وذبحا في تدمر في عداد عشرات الآلاف من خيرة شباب سوريا من المفقودين وممن سلمت جثثهم لأهاليهم ولا يوجد إحصاء موثوق حتى اليوم..
نعم لقد أدخل حافظ الأسد اليقين إلى قلب المواطن السوري أن جهنم موجودة في يقين لا ريب فيه، وأن كلاب جهنم موجودة، وأن التعذيب الجهنمي هي أنفاس يومية من زفير جهنم..
انتهت سوريا من أسطورة الآب وبدأت رحلة الابن والروح القدس..
وكان السؤال هل يمكن أن تتغير الأوضاع؟
أذكر جيدا حين نشرت لي مجد جدعان كتابي حول (قوانين التغيير) أن الكتاب تعضلت ولادته، فقد كان سؤال الأجهزة الأمنية عن كلمة التغيير؟ ماذا يريد أن يغيَّر وهل الله بحاجة لتغيير باعتبارهم رب سوريا؟ لقد أفزعتهم كلمة غيَّر ومرادفاتها؟
ولكن التغيير قدر كوني فالله وصف نفسه بأن كل يوم هو في شان وبأنه يقتلع الجبابرة من عروشهم (وتنزع الملك ممن تشاء)..
مع شهر جون 2011م قفز عدد القتلى إلى الآلاف والمعتقلين
إلى عشرات الآلاف والنازحين إلى أرقام مرشحة أن تصل مئات الآلاف ..
على كل حال عدد الفارين والهاربين والمهجرين والمهاجرين يصل إلى الملايين..
إنها نكبة عارمة بكل المقاييس لبلد صغير نسبيا وشعب حضاري راقي مثل سوريا يعرف كيف يعيش..
ولكن ما حدث في عام 2011م يجعلنا ننظر إلى الشعب السوري أنه فعلا أسطوري أعاد الاعتبار إلى نفسه وبدأ التغيير على أية صورة والتغيير لا يتم بدون صيرورة الألم..
وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا..
أهالي جسر الشغور تطالعنا صورهم بعد أن تحولت الحدود التركية إلى مدن كاملة من الهاربين..
ويقول الأسد أن هلموا إلينا ولاتخافوا .. ارجعوا إلى بيوتكم إلى الغابة كي يفترسكم الأسد.
نعم سوريا تختصر بثلاث كلمات: أسد وغابة وعصابة..
إنها قصة معروفة في قصص كليلة ودمنة...
زعموا أن أسدا أصيب بالجرب فضعف وأنهك فقال له الثعلب يا ملك الغابة لقد استشرت طبيبا فقال دواء الملك قلب وآذان حمار سمين! وأنا أعرف قريبا منا حمار قد أرهقه مالكه نصبا ويمكن أن أقنعه بالقدوم فتأكله بالعافية إن شاء الله وبفتوى من مفتي الديار السلطانية البوطي ..
قال الأسد حسنا أحضره لنا مشكورا مأكولا..
ثم إن الثعلب جاء الحمار فمازال به بين الحبل والغارب حتى أقنعه أن ثمة أجمة قريبة مليئة بالعشب ولعمري سوف تأكل إلى ما فوق الشبع..
جاء الحمار إلى الأجمة فسمع زئير الأسد فارتاع فطمأنه الثعلب وقال هي موسيقى الحقل، وهي طقوس الترحيب بموسيقى سلطانية، ولما أن وصل الحضرة السلطانية تقدم الأسد بزئير وهرول ولكن بضعف وتثاقل مما مكَّن الحمار المذعور من الهرب والإفلات من براثن الغضنفر..
جاء الثعلب إلى الأسد وقال ياملك الغابة سوف أقنعه بالقدوم من جديد ولكنها مرة واحدة فقط فهز ملك الحيوانات رأسه وقال لن يفلت هذه المرة..
جاء الثعلب إلى الحمار الخائف وقال يا صاحبي أعرف أنك لم تفهم بعد قوانين الغابات فهذه هي لغة الترحيب والعناق الأخوي فأقدم ولسوف يعانقك الأسد بعناق أخوي أبدي وتأمن على نفسك..
جاء الحمار فلما وصل جمع الأسد كل قوته وقفز قفزة هائلة وأمسك بأنيابه عنق الحمار المسكين الذي استوعب الحقيقة وهو يجود بآخر أنفاسه..
ثم إن الأسد سأل البوطي مفتي الديار فنصحه بالوضوء قبل أكل القلب والآذان فيشفى..
قام الثعلب المكار(رامي مخلوف) فأكل الأذنين بشهية وعمد إلى قلب الحمار المسكين فمضغه بمتعة فلما أن جاء الأسد بدأ بالتفتيش عن قلبه فلم يعثر عليه وأما الآذان فقد اختفت تماما!
تعجب الأسد وقال للثعلب أين آذانه وقلبه ؟
فرد الثعلب وقال يا ملك الغابة لو كان له أذنان يسمع بهما وقلب يفقه به ما جاء ثانية بعد أن أفلت في المرة الأولى..
هذه القصة تصح على أصهار صدام الذين هربوا منه نصف مجانين ولما رجعوا إليه كانوا مجانين كاملين فقتلهم شر قتلة..
وهذا ينطبق على أهالي جسر الشغور الذين ينعمون بالأمن في بلاد العصملية، ويمكن بالطبع أن يرجعوا كما رجع الحمار إلى الأسد فليختاروا بين الكذب وأنياب الأسد ومخالبه وحكمة التاريخ..