أحمد الجارالله

وضعت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بعض أوزارها في التقرير الاتهامي الذي رفعت السرية عنه قبل أيام لتنهي بذلك فصلا طويلا من عذاب عاشته اسر الشهداء الذين أودت بحياتهم سلسلة اغتيالات سياسية نفذها quot;حزب اللهquot;, وكان متوقعا ان يشهد هذا الحدث التاريخي نقلة نوعية في مواقف بعض السياسيين اللبنانيين تساعد على إخراج بلدهم من دوامة الارتهان الى quot;حزب الاغتيالات والتفجيراتquot;, الا ان هذا البعض خيب آمال جمهوره وعائلاتهم قبل ان يخيب آمال ملايين المتعاطفين معه في كل العالم العربي.
رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري, المعني الاول بالحقيقة التي اماط التقرير عنها اللثام, لم يكن موفقا في رده على كبير المجرمين الامين العام لعصابة الابتزاز السياسي حسن نصرالله, ورغم ان الاخير كان في خطابه, الذي تزامن مع صدور القرار الظني, مشتتا ومنهارا ومرعوبا, وظهر امام الناس كأنه يحرق آخر زوارق الانقاذ خلفه في مغامرته المجنونة كعادته, الا ان الحريري الابن, ولي الدم, بدا وكأنه يستجدي نصرالله ان يفك ارتباطه بالمتهمين الاربعة باغتيال والده, وفاته انه يخاطب المتهم الاساس المجهول الهوية حتى الآن في جريمة العصر وكل الجرائم المرتبطة بها, وبلغة للاسف اقل ما يقال فيها انها محاولة لتخريب جهد ست سنوات من النضال في سبيل اقرار الحق عبر المحكمة الدولية.
نعم لم يكن سعد الحريري موفقا ابدا في رده على نصرالله, بل هو اثار استغراب الجميع في العالم العربي في موقفه جاعلا نفسه في موقع المهزوم الراكع امام قتلة متمرسين, وكأنه يشحذ منهم حقه متخليا بذلك عن ملايين من اللبنانيين والعرب الذين ناصروا مسيرة العدالة, وهذا ما يجعل المرء يستنتج ان قدرات الحريري اصبحت دون مستوى طموحات قوىquot;14 اذارquot; التي اختارته زعيما لها باعتباره صاحب القضية الاكثر عدالة في تاريخ لبنان الحديث لانها واضحة المعالم, فالضحايا من خيرة النخبة اللبنانية سياسيا واعلاميا وعسكريا, والقتلة شرذمة سلكت منذ ثلاثة عقود طريق العنف والقتل والتفجير وشن الحروب على الآمنين في مختلف المناطق اللبنانية لتحقيق اهداف مشروع التوسع الفارسي المبني على الغاء الآخر, واقصاء كل المذاهب الاسلامية, وجعل مذهب ولاية الفقيه بالمفهوم الايراني, وليس كما يحاولون ايهام الناس المذهب الجعفري العربي, حاكما في العالم الاسلامي ككل.
مسألة انهاء زمن الافلات من العقاب ليست محصورة في قضية اغتيال رفيق الحريري, و لا في المتهمين الاربعة المعلن عنهم, فهي قضية نهج حكم لبنان لسنوات, وحصد ما حصد من خيرة ابنائه, وقدم خدمات جليلة لاسرائيل في لبنان والعالم العربي, كما الاربعة ليسوا اكثر من ادوات تحركهم ماكينة اكبر منهم يتربع على رأسها حسن نصرالله وتابعه نعيم قاسم صاحب اللسان العفن والفكر التآمري, وهما ايضا بيدقان في يد المتآمرين الاساسيين في طهران ودمشق, وهذا ما كان يجب ان يفهمه سعد الحريري الذي يتبع اسلوبا منذ اشهر تسبب في التباعد بينه وبين عالميه السياسي والاقتصادي, واقل ما يقال فيه انه نهج الدخول في النسيان السياسي, وحتى الاقتصادي.
ما فات الحريري في رده ان الفخ الذي نصبه نصرالله حين ربط بين اغتيال الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والاساءة الى الطائفة الشيعية هو الفتنة المذهبية بعينها, لأن القضية لم تكن ابدأ قضية اغتيال مذهبي, ولم يكن رفيق الحريري ورفاقه الشهداء يمثلون طوائفهم فقط, بل هم كانوا يمثلون الشيعة قبل السنة والمسيحيين, هذا ما كان يجب ان يقوله الحريري الابن لنصرالله المجرم الاكبر الذي يدير من جحره كل موبقات التخريب, فالطائفة الشيعية اكبر بكثير من ان يدنسها بعض القتلة والمخربين الذين عاثوا فسادا في لبنان وساهموا في تخريب سورية, واضعفوا القضية الفلسطينية, وساعدوا على اثارة القلاقل في العديد من الدول العربية.
نعم انتهى الفصل الاول من مسيرة لبنان نحو العدالة التي تكفل له الاستقرار والتحرر من اسر ميليشيا تخصصت في ارتكاب كل الاعمال القذرة,وحتى لا تضيع دماء شهداء ثورة الارز في كواليس المماحكات السياسية او الصفقات على الطريقة اللبنانية, على سعد الحريري ان يتنبه الى مخاطر اسلوبه الجديد ويعود الى سابق عهده من جرأة في المواجهة وقوة في الشكيمة المبنية على الحق, وان يسمع هو ورفاقه صراخ دم الشهداء ويساهموا بقوة في وضع حد لهذا الاستخفاف المقيت بحياة الناس ومصائر الاوطان الذي يمارسه نصرالله وزبانيته ورأس الأفعى في طهران.