عبدالله إسكندر


مساء كل يوم خميس يُعطى اسم لاحتجاجات الغد في سورية. وفي كل يوم جمعة نرى شعاراً واحداً للتظاهرات التي تسير في غالبية المدن وأريافها، ونسمع هتافات كثيرة مشتركة لكل هذه التظاهرات.

ليست الصدفة وراء هذه الظاهرة، التي تتطلب مناقشات طويلة وتشاوراً مستمراً وتنسيقاً عميقاً وتجاوز صعوبات الاتصال والتنقل، في ظل انتشار امني لم تشهد له البلاد مثيلاً وبطشاً دموياً يطول كل مناطق التظاهر.

وهكذا، في مواجهة اوسع حملة دموية ورقابة امنية استثنائية، يتمكن المتظاهرون في مدن وأماكن متباعدة، من ايجاد صيغ مشتركة لتحركهم وشعاراته، وهذا ما يُظهر ان ثمة عملاً دؤوباً ينطلق من كل الأحياء ليصب على مستوى الوطن، وعلى ان ثمة منظمين لهذا العمل يتناقشون ويتشاورن ليكون اي تحرك في اي حي جزءاً من حركة الاحتجاج العامة في البلاد.

لقد تدرجت حركة الاحتجاج المعارضة من مطالب مناطقية واقتصادية في بدايتها الى مطالب اصلاحية سياسية، وصولاً الى مطلب تغيير النظام، وهذا يعني ان ثمة تعاملاً يومياً مع الأحداث وتفاعلاً مع الرد الامني للسلطة على كل هذه المطالب، اي أن هناك تحليلاً سياسياً للأحداث واختياراً للمطلب والشعار اللذين يناسبان التطورات، ما يكشف في ذاته أن ثمة تعاملاً سياسياً رفيعاً مع الأحداث، لا يقتصر على قدامى المعارضين وإنما يشمل جيلاً جديداً يعمل على الأرض في الأحياء والمدن، ويتمكن من ايجاد صيغ مشتركة تجمع كل المتظاهرين في انحاء البلاد.

هؤلاء المنظمون المجهولة غالبية اسمائهم، شكلوا ومازالوا يشكلون، القيادة الميدانية والسياسية لحركة الاحتجاج، انهم laquo;التنسيقياتraquo;، التي تتواجد في كل انحاء البلاد. واذا كان من الصعب التعرف بدقة الى كيفية عملها، فانه يمكن تصور ان ثمة هيئات على مستوى الاحياء تجتمع وتنتدب أحداً منها ليتعامل مع نظيره في حي آخر، على ان يختار مندوبو الأحياء ممثِّلاً عنهم يتصل بنظرائه في المدن الاخرى، لتتشكل من هؤلاء الممثلين او المندوبين القيادة الوطنية للتحرك الاحتجاجي.

قد تُسمع خلال بعض التظاهرات، خصوصاً تلك التي تنظم لتشييع ضحية، شعارات حادة وفئوية تعكس مشاعر غضب وثأر من السلطة وأعوانها، لكن غالبية الشعارات المشتركة تعكس برنامجاً سياسياً شبه موحد، يؤكد الحريات ووحدة الشعب ومدنية الدولة وديموقراطيتها والمساواة بين المواطنين والحفاظ على كرامة جميع السوريين.

هذا البرنامج السياسي هو الجامع لكل تلاوين المعارضة السورية، القديمة منها والمستجدة، وهو يصلح ليشكل البديل الذي يُجمع عليه السوريون، والذي على اساسه سينشأ النظام السياسي المقبل.

لقد باتت في سورية معارضة شعبية واسعة لها قيادتها وبرنامج الحد الادنى الذي يجمعها، ما يُسقط حجج السلطة في مسألة laquo;العصابات المسلحةraquo;، ويُسقط أيضاً حجج داعمي النظام والمترددين في الداخل والخارج، الذين يتحدثون عن الفوضى والتقسيم والتصفية الطائفية في حال انهيار النظام، بذريعة انه ليست هناك قوة معارضة قادرة على تسيير شؤون البلاد.

ويبدو اليوم ضرورياً اكثر من أي يوم في الشهور الستة التي مضت على اندلاع حركة الاحتجاج في سورية، ان تتحول قيادة التنسيقيات ناطقةً باسم المعارضة والطرف المفاوض على مستقبل الحكم. ويبدو ايضاً ان هذه القيادة تعي هذه الضرورة، بعدما ارتفعت المطالبات الدولية برحيل النظام، فغداة اعلان الموقف الاوروبي والاميركي واستشعار الموقف الكامن لدول إقليمية، أعلنت هذه التنسيقيات اندماجها في هيئة واحدة تحت اسم laquo;الهيئة العامة للثورة السوريةraquo; من أجل laquo;توحيد الجهود الميدانية والإعلامية والسياسية وضرورة الانصهار في بوتقة عمل واحدةraquo;، كما قالت في بيانها. وأوضحت هدفها بأنه laquo;بناء سورية كدولة ديموقراطية مدنية ودولة مؤسسات تضمن الحرية والمساواة والكرامة واحترام حقوق الانسان لكافة مواطنيهاraquo;.

وهكذا باتت في سورية معارضة معروفة العنوان والبرنامج السياسي.