علي فرزات ومحنة الفنانين السوريين

لندن


بينما تتحدث السلطات السورية عن اصدار قانون جديد للاعلام يضمن حرية التعبير، ويوفر الحماية للرأي الآخر، تعرض الفنان السوري علي فرزات لعملية خطف واعتداء من قبل مجموعة من البلطجية محسوبة على النظام.
عملية الخطف تمت في ساحة الامويين اي في قلب العاصمة السورية دمشق، ومن قبل ملثمين كانوا يستقلون سيارة، عندما كان عائداً من مكتبه في طريقه الى منزله فجر يوم الخميس.
وزارة الداخلية السورية قالت انها ستفتح تحقيقاً في الجريمة للتعرف على هوية الجناة وتقديمهم الى العدالة، ولكن من المشكوك فيه ان تحول هذه الاقوال الى افعال، ومن غير المستبعد ان يتم اغلاق الملف وتوجيه الاتهام الى شخص مجهول تماماً مثلما حدث في قضايا عديدة مماثلة تعرض لها مواطنون على ايدي قوات الامن او جماعات البلطجة.
لا يمكن ان نصدق ان قوات الامن السورية التي هي في حال استنفار كامل هذه الايام لم تكن على علم، او حتى لم ترصد عملية الاعتداء هذه وفي ساحة في قلب العاصمة، وفي مثل هذه الساعة المتأخرة من الليل.
الرجل لم يدع يوماً انه من المعارضة، ولم يظهر اي رغبة في القيام بأي دور سياسي، ولم يحمل اي سلاح في حياته، باستثناء ريشته الماضية في انتقاد كل اوجه الفساد وانتهاك الحريات وحقوق الانسان ليس في سورية وحدها وانما في جميع انحاء الدول العربية والعالم.
ان الاعتداء على فنان في قامة وحجم الزميل علي فرزات يؤكد شكوكنا بان جميع الاحاديث عن الاصلاح في سورية هي مجرد وعود فارغة من اي مضمون، ولذر الرماد في العيون لا اكثر ولا اقل.
من يريد الاصلاح فعلاً، وفي ميادين الاصلاح على وجه الخصوص، يقدم مثلاً على اطلاق الحريات، واحترام الرأي الآخر، وتحرير الاعلام السوري الرسمي منه (لا يوجد اعلام خاص) من كل قيود الرقابة الذاتية والرسمية المفروضة بعقلية الحرب الباردة.
فالدولة التي لا تستطيع ان تتحمل رسماً كارتونياً لفنان مبدع معروف عالمياً بانتقاده الجميع دون استثناء اذا ما انتهكوا الحريات الانسانية، فكيف يمكن ان تتحمل تعددية حزبية ونظاما قضائيا مستقلا، وفصلا كاملا بين السلطات، وقضاء عادلا مستقلا، ومحاسبة دقيقة في اطار شفافية عالية؟
الفنانون في سورية يواجهون هذه الايام ظروفاً صعبة للغاية، فأي فنان يعبر عن رأي مخالف لرأي السلطات يتعرض للتشهير ونهش الاعراض والتهميش الكامل، وقطع لقمة العيش، هذا اذا لم يتعرض للخطف والاعتداء مثلما حدث للزميل فرزات.
والأخطر من ذلك ان الحياد ممنوع، فلا بديل عن دعم النظام وكل عمليات القتل التي تمارسها قواته الامنية، وهذا امر يهز الثقة في اي وعود للنظام بالاصلاح ان لم يكن يقتلها.
نتضامن بالكامل مع الزميل فرزات وكل رجال الاعلام الآخرين الذين يتعرضون للاعتداء من قبل البلطجية وشبيحة النظام.

من مي سكاف الى علي فرزات: الفنانون في سورية وثمن الخروج عن الصمت


أحمد اليوسف

وأخيرا كسرت شبيحة النظام أصابع الفنان علي فرزات. وكانت قد اقتلعت من قبل حنجرة مغني الثورة: القاشوش. وأهانت وهددت أهل الفنان مالك جندلي. وقد اعتقلت في وقت سابق الفنانة التي يعشقها الجمهور السوري والعربي مي سكاف لتفرج عنها فيما بعد. لا رجعة عن الإصلاح إذا، وقد قالها رئيس النظام بصراحة، في حواره الأخير، بأنه مستعد للذهاب إلى ابعد حد ممكن. و'الإصلاح' في سورية حقيقة لا يشك احد في صدقها، فله أزيز في كل أنحاء سورية، وله دوي وانجازات ملموسة، وكسر أصابع علي فرزات شهادة واضحة عليها. وهكذا تضيف لنا 'إصلاحات' النظام في كل يوم أسبابا إضافية للثورة عليه.
أخرجت فداحة 'الإصلاح' الفنانين عن صمتهم متمثلين قول الصحفي الجزائري طاهر جاووت الذي قال: الصمت موت، فان صمت مت، وان تكلمت مت، فقلها ومت. فقالها علي فرزات رسما فكسروا أصابعه. وقالتها مي سكاف صرخة وقالها سميح شقير غناء لتصبح أغنية 'يا حيف' أنشودة ثورية تصدح في كل ساحات التمرد حتى المآذن منها.
إن الفن في زمن الطغيان إما رفضا كموقف مي سكاف و فرزات وشقير وإما خنوعا وطقسا للعبادة والتبرير كموقف دريد لحام الذي كسب قلوب الشعب بجملته الشهيرة 'لا ينقصنا إلا شوية كرامة'، وخسرها فيما بعد حين شرعن لجيش النظام 'الممانع' إصلاحاته في كل المدن السورية. وكذا الحال لممثلين آخرين كعابد فهد وعباس النوري.
ولم يتوقف الأمر على الفنانين وحسب بل شمل المثقفين أيضا. فتمثل مثقفو 'إعلان دمشق'، على سبيل المثال، مفهوم المثقف العضوي، ونزلوا إلى الشارع ليشاركوا الشعب المصير بعدما شاركوه التطلعات. فكان الاعتقال جزاء بعضهم كجورج صبرا ونجاتي طيارة وكان التخوين جزاء البعض الآخر كريم فليحان و سهير الاتاسي. وكشفت الثورة عن مرض ثقافي عضال تمثل بتخبط المثقفين في موقفهم من التغيير. فراح بعضهم ينتقد خروج المتظاهرين من المساجد وكأنما دور الأوبرا في سورية مفتوحة للجماهير. أو وكأنما على الجماهير، إن أرادت التظاهر، الخروج من مقرات حزب البعث. وأخذ بعض المثقفين يتنافسون على قبول الاستدعاءات الأمنية الداعية إلى طاولات الحوار التي اشرف عليها النظام. فراح حسن.م. يوسف يتحدث عن جماليات الحوار وأبعاده الرومانسية ناسيا أو متناسيا الدم الذي يراق في كل يوم. وانسلخ أحد اشهر المفكرين السوريين عن جدليته المادية وعن فهمه الجدلي للصيرورة التاريخية، ليستبدلها بتبني ميتافيزيقي للحوار وبطرح ماورائي غيبي لحل الأزمة في سورية قائما على الفكرة القائلة بأنه هناك قطبين في النظام وأنه يجب الرهان على قطب الحكماء منه، دونما أن يحدد لنا من هم هؤلاء الحكماء، تاركا الإيحاء بان بشار في السلطة قادر على حمل سورية إلى بر الأمان وأن كل الرهان على الشبيحة الحكماء حملة المشروع النهضوي العربي الجديد.
أدرك الفنانون والمثقفون إذا أن الصمت موت، بل شريك بالقتل وتواطؤ مع شبيحة تحاول في 'إصلاحاتها' كسر إرادة الشعب الراغب بالحرية لتفرض عليه، كما شاهدنا في بعض الفيديوهات، أن يعلن أن لا إله إلا بشار الأسد. ومع تعرض النظام للفنانين والمثقفين وصلت الأزمة في سورية إلى المفترق التالي: فإما قبول لحكم الأسد كإله سادي يفعل بالناس إصلاحا، وإما المطالبة بإسقاطه انتصارا لإرادة الشعب. هناك من يتردد بعد، وهناك من أصبح، منذ زمن، رمزا من رموز الثورة وجزء من شعاراتها، ومنها على سبيل المثال: 'عاشت مي سكاف ويسقط بشار الأسد'.