The Atlantic
ليبيا لا تشبه العراق، ففي المقام الأول، كان الشعب الليبي هو من أطلق الثورة، لا الغزو الأجنبي، لكنّ الأمر المؤكد هو أن هذا اليوم ما كان سيحلّ في أي فترة قريبة لولا العمليات الجوية التي أطلقتها الولايات المتحدة وشركاؤها في حلف شمال الأطلسي ضد مواقع النظام طوال أشهر، لكن يبدو أن الشعب الليبي كان يريد رحيل القذافي بالإجماع وقد بذل كل ما بوسعه لتحقيق ذلك.
يبدو أن نهاية نظام معمر القذافي وشيكة، فبغض النظر عن موقفنا من مسار التدخل الأميركي، فإنه سبب يستحق الاحتفال، ففي هذه الأيام، تعمّ الاحتفالات في كل مكان، فقد احتشد الناس وراحوا يهتفون ويرقصون في ليبيا وأمام البيت الأبيض وفي أنحاء العالم. هذه النشوة ومشاعر النصر حالة طبيعية ومبررة، أما بالنسبة إلى الليبيين الذين جازفوا بكل شيء لبلوغ هذه المرحلة، فمن حقهم أن يحتفلوا.
ومع ذلك، يجب أن يتذكر المحللون الجدّيون مشاعر النصر والبهجة في حقبة مماثلة شهدها العراق منذ ثماني سنوات حين سقط صدام حسين.
كتبت صحيفة ldquo;واشنطن بوستrdquo; في الأيام الأخيرة: ldquo;كان حكم الزعيم الليبي معمر القذافي الذي دام أربعة عقود ينهار بسرعة فائقة بينما اجتاح مئات المقاتلين الثوار طرابلس وسيطروا على الساحة الخضراء في قلب المدينة يوم الإثنينrdquo;.
يشبه هذا الكلام ما أوردته الصحيفة في 10 أبريل 2003: ldquo;انهار نظام الرئيس صدام حسين اليوم بعد أن اقتحمت القوات الأميركية شوارع بغداد، فانتهت بذلك ثلاثة عقود من حكم حزب البعث الوحشي الذي أراد تحويل العراق إلى بطل العالم العربي المعاصر، ولكنه ترك إرثاً من الخوف والفقر والمرارةrdquo;.
هذا ما ورد في صحيفة ldquo;نيويورك تايمزrdquo; اليوم: ldquo;انهارت قوة القذافي بسرعة مدهشة يوم الإثنين بينما اقتحم الثوار العاصمة واعتقلوا اثنين من أبنائه، وراح السكان يحتفلون باقتراب سقوط حكمه الذي دام أربعة عقودrdquo;.
من يستطيع أن ينسى النشوة التي شعر بها الناس بعد سقوط تمثال صدام حسين، أو بعد قتل ابنيه قصي وعدي، أو بعد سحب صدام نفسه من مكان اختبائه؟ أو من كان سينسى الابتسامات التي علت وجوه العراقيين الذين صوتوا خلال أول انتخابات حقيقية في بلدهم؟
قبل أن يبدأ الرئيس أوباما بالتهليل والاحتفال، لا بد من التذكير بأن الوضع تحول إلى الأسوأ بعد فترة قصيرة في العراق وقد استلزم الأمر سنوات عدة قبل أن تهدأ المعركة بعض الشيء.
لا يعني ذلك أننا نتوقع تكرار الأمر نفسه في ليبيا، فعلى الرغم من ميل الأميركيين إلى إقامة المقارنات التاريخية لتحديد مسار الأحداث الخارجية، فإنه نادراً ما تتبع تلك الأحداث نمطاً واحداً ومحدداً.
ليبيا لا تشبه العراق، ففي المقام الأول، كان الشعب الليبي هو من أطلق الثورة، لا الغزو الأجنبي، لكنّ الأمر المؤكد هو أن هذا اليوم ما كان سيحلّ في أي فترة قريبة لولا العمليات الجوية التي أطلقتها الولايات المتحدة وشركاؤها في حلف شمال الأطلسي ضد مواقع النظام طوال أشهر، لكن يبدو أن الشعب الليبي كان يريد رحيل القذافي بالإجماع وقد بذل كل ما بوسعه لتحقيق ذلك.
ومع ذلك، هل يمكن أن تتكرر أعمال العنف كما حصل بعد سقوط صدام حسين؟ عدا جماعة الموالين للقذافي، يصعب أن نتخيل مصدر أي ثورة واسعة النطاق. يعتبر المؤرخ خوان كول المتخصص بشؤون الشرق الأوسط أن ldquo;المدنيين الموالين للقذافي في مناطق صغيرة، مثل سرت ومحيطها فقط، هم من عارضوا الثوار، لكن من الخطأ تضخيم هذه الاشتباكات العابرة واعتبارها بمصاف الحرب الأهلية. كانت قاعدة دعم القذافي محدودة ومحصورة النطاق ضمن صفوف الجيش، وبالتالي لا نستطيع الحديث عن أي حرب أهليةrdquo;.
في ليبيا، ثمة حكومة تنتظر استلام السلطة بعد أن كسبت اعترافاً دولياً وشرعية محلية، ويعني ذلك أن ليبيا ستتجنب أحد أبرز أسباب العنف والفوضى في العراق: حكومة أنشأتها جهات خارجية وتُعتبر دمية في يد الخارج.
على صعيد آخر، ثمة أسباب تبرر التشكيك فيما إذا كانت قيادة الثوار- أي المجلس الوطني الانتقالي- مستعدة للاستحقاقات الكبرى. في الشهر الماضي، اغتيل قائدهم العسكري، الجنرال عبدالفتاح يونس، وسط ظروف غامضة ومشبوهة. تؤدي تلك الحادثة، فضلاً عن حل المجلس التنفيذي التابع للمجلس الوطني الانتقالي والمؤلف من 14 عضواً هذا الشهر، إلى طرح أسئلة جدية حول نسبة التماسك الداخلي والكفاءة التي تتمتع بها هذه الجماعة.
صحيح أن الثوار اتحدوا في وجه القذافي، لكن لم يتضح بعد الهدف الذي توحدوا من أجله. وبينما يوشك عدوّهم المشترك على الرحيل، فإن جميع الأطراف ستحتاج إلى عامل أقوى لتوحيد صفوفها من أجل حكم البلد.
كيف ستتم المصالحة مع عناصر النظام السابق؟ ومتى سيتم فرض القانون والنظام؟ هل ستكون قوات حفظ السلام الدولية ضرورية؟ وإذا كانت ضرورية فعلاً، فكيف سيكون تنظيم وتشغيل تلك القوات؟ متى ستحصل الانتخابات ومن سيشارك فيها؟ أي شكل من الحكومات ستنشأ في المرحلة الانتقالية؟ إنها مجموعة من الأسئلة الفورية التي تواجه ليبيا في المرحلة الراهنة.
قد تكون هذه الأسئلة صعبة ومخيفة، لكن ثمة سبب وجيه واحد على الأقل يدعونا إلى التفاؤل بأن سقوط القذافي لن يشبه سقوط صدام حسين: لا تزال هذه التجربة الفاشلة الأخيرة حية في ذاكرة الجميع. يبدو أن قوات حلف شمال الأطلسي لم تخطط للتعامل مع ليبيا بعد انتهاء حقبة القذافي، لكن أظهر المجلس الوطني الانتقالي وجهات أخرى، مثل الحكومة البريطانية، مؤشرات واعدة تنذر بأن الجميع يسعون إلى تجنب أخطاء عام 2003
التعليقات