خالد هنداوي

بالرغم من انهماكه وانشغاله ليل نهار وهو هلوع متوتر قلق لم تفته فكرة أن ينفذ من بين كل هذا الزحام ليخصص وقتاً يلتقي فيه مع من يسميهم وهم يتشرفون بذلك رجال الدين على مائدة الإفطار في العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل المعظم، ولعلها فكرة لفت نظره إليها أحد مستشاريه الدينيين الذين يجعلون منه حامي حمى الإسلام كالمفتي أو بعض الدكاترة المنافقين، لذا اتخذها بشار الأسد القاتل السفاح فرصة كي يجلس مع هؤلاء الإمعات الخاوين من أي ضمير حي أو إحساس بالمصائب المدلهمة التي حلت وتحل بساح الشام الحبيب وتقتل فيها العظمة والعظماء ويسيل الدم أنهاراً من إخوة الإيمان والعقيدة والوطن والدين والإنسانية يجعل رئيسهم رئيس الحزب والعصابة وليس الوطن سوريا ليلقي فيهم كلمة بحفل الإفطار الذي أقامه في القاعة الدمشقية تكريماً لهؤلاء، وكأنه الرجل المقدر والمحترم لأرباب الشعائر الدينية والذي يبدو أنه على تواصل دائم معهم للتشاور من أجل مصلحة البلد الذي هشمه وحطم كل معنى نفيس فيه، في الحقيقة مهما تبجح وادعى وقال في خطاباته وكلماته، إن أهم ما يلفت النظر في هذه الكلمة أنه قال: إن الأزمة في سوريا سببها أخلاقي، وهكذا رمتني بدائها وانسلت هل يجوز لمن فقد الإنسانية تماماً وقمع شعبه بمنتهى الوحشية والبربرية والهمجية قتلاً وجرحاً وتعذيباً واعتقالاً واختطافاً واغتصاباً وتهجيراً لم يستثن فيه رجلاً ولا شيخاً ولا عجوزاً ولا امرأة ولا طفلاً، وسلط كلابه المسعورة تنهب ممتلكات المواطنين في المدن والقرى والأرياف وتحرق ما لم تستطع سرقته وينزل الجيش والأمن والشبيحة بقضهم وقضيضهم لتنفيذ كل هذه الجرائم، هل يحق لمثله إن كان رجلاً أن يتحدث عن الأخلاق، ثم لا تنس أن التصعيد الأخير في كل هذه الجرائم إنما جاء ليصبه موتاً شديداً أو بلا أدنى رحمة من جنوده البواسل في شهر الرحمة والرفق واللين والتسامح، بل وفي ليلة القدر بالذات إذ عكر بهاءها ونورها وأفسد اعتكاف المعتكفين العابدين البكائين من خشية الله بالدم والضرب والإهانة وانتهاك حرمات المساجد كمسجد الشيخ العالم الرباني أسامة الرفاعي نجل العلامة المربي الكبير الشيخ عبدالكريم الرفاعي رحمه الله، حيث تم الهجوم على الإخوة المصلين المسالمين ووصل الاعتداء على الشيخ أسامة فجرح ولولا أن حماه الله والتف حوله تلامذته لتمكن الشبيحة الذين يأتمرون بأوامر الكبار من الرئيس فمن تحته أن يقتلوه إذ كان هذا هو الهدف والصيد الثمين المطلوب، ولماذا يا ترى، الكل يعرف لأن فضيلة الشيخ خطب خطبة وزعت على الإنترنت يدافع فيها عن الدين، بل عن الله تعالى إذ يرد على من يهتف من المؤيدين بالقول لا إله إلا بشار الأسد، هذه العبارة وعبارة ربهم بشار ولا إله إلا ماهر الأسد، بل كتبوا هذا على الجدران في عدد من المدن ومنها حماه لما انسحبوا منها انسحاباً تكتيكياً أمام الإعلام والسفير التركي وغيره، ثم تبين للجميع أنهم وضعوا الدبابات والمدرعات والأسلحة الثقيلة على الأطراف بهدف التهديد للتدخل بكل سرعة لقمع الاحتجاجات ولذبح الشعب واعتقاله وتعذيبه وتهجيره، بل وكتبوا رب العرب بشار بل ثبت بما لا يقبل الشك أن أزلام بشار في السجون يجبرون المعتقلين على أن يرددوا لا إله إلا بشار ويرفض الكل إلا النادرون خوفاً ولو سيموا أشد العذاب ndash; وأيم الله إنه كفر بواح مضاف إلى ظلم لا شبهة فيه، وقد نقل خاتمة المحققين في المذهب الحنفي العلامة ابن عابدين في حاشيته رد المحتار في كتاب البغاة المجلد الثالث أنه إذا خرج جماعة على الإمام لظلم نزل بهم لا شبهة فيه وجب على الناس معاونتهم، هذا في حال الظلم فكيف في حال الكفر البواح، لكن قد يقول قائل إن بشار في مجلسه مع العلماء على مائدة الإفطار قال إن السجود على صورته غير مقبول وكذلك قول من قال: لا إله إلا بشار فلماذا تجرمونه، والجواب، إن الذي قاله مخاطباً صحون العلم كما قال الغزالي لا العلماء فالعالم ما لم يكن عاملاً بعلمه فلا يعتبر عالماً أي ربانياً وإنما هو قد يوصف بهذا الوصف مجازاً لا حقيقة ولذلك لم يناقشه منهم أحد بذلك والجدير بالذكر أنه لو كان مستنكراً حقاً على هؤلاء وهو رئيس كما يزعمون ويدعون محبته فلماذا لا يأمرهم ويصدر قراراً بذلك أن هذا الكلام خط أحمر لأن له مساساً بعقيدة الأمة ويظهر من امتناعهم بعد ذلك أنهم سمعوا وأنه أمر، فإذا لم يحصل هذا ولم تحصل أي متابعة لمحاسبة هؤلاء وإنزال أشد العقاب الشرعي والقانوني بهم فما الفائدة من كلام بشار أمام المحتفى بهم وعبر عدسة التليفزيون السوري ذي الإعلام المخادع وقد دلت الدلائل والقرائن على أن بشار وشلته قوالون لا فعالين فعلى من يضحكون، وإذ التزم من يسمون برجال الدين الصمت فلا يعتبر ذلك أمام الشعب حجة لأنهم ليسوا بقدوة مخلصة للناس.
ثم من ناحية أخرى ماذا أفطر هؤلاء العلماء هل أكلوا من لحم حمزة الخطيب أم هاجر أم تامر أم أكثر من 120 طفلاً وطفلة ذبحوا خلال الانتفاضة وهل شربوا من دم بعض أكثر من ثلاثة آلاف شهيد وكيف كانت قلوبهم وهي تعرف حقاً ولكنها تتناسى آلاف آلاف المعتقلين الذين وصل عددهم على إحصائيات تقريبية إلى أكثر من خمسين ألفاً، وأين مشاعرهم من الشهيدات الحرائر واعتقال واغتصاب من ظفر جنود الأسد بهن، كان المفروض على هؤلاء الذين يدعون العلم والقدوة ألا يقبلوا دعوة القاتل السفاك ولا يتعاطوا أبداً معه ولا مع زمرته إن كانوا يخشون يوماً تشخص فيه الأبصار وإن كانوا يحبون وطنهم حقاً وينحازون إلى الشعب لا إلى الحاكم الظالم وكم أحسن عبدالرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد عندما تحدث عن أمثالهم بقوله: وكم من عالم انحاز إلى السلطان الظالم فجر على الأمة ويلات جسيمة.
أما من الناحية الثالثة في ختام المطاف فأين شيخ الأزهر وأين المؤسسات الدينية العربية والإسلامية وهي ترى عبر الفضائيات كيف يجبر المعتقل بالتكلم بإلهية بشار؟ أين منظمة التعاون الإسلامي؟ لماذا كانت الثورة على من رسم الكاريكاتير هزءاً بالرسول أو تجاه القس الذي أراد حرق القرآن وما شابه ذلك ولماذا الصمت حتى في تطاول جنود بشار على الذات الإلهية؟ ألا تباً لمن سكت عن هذا من العلماء والله من ورائهم محيط.