إياد علاوي

بينما يشهد الربيع العربي تغييرات داخل منطقتنا، ويأتي معه أمل الديمقراطية والإصلاح لملايين من العرب، لم يعد يصرف سوى قليل من الاهتمام لمأساة العراق وشعبه. كنا أول من تحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، ولكن النتيجة داخل العراق ما زالت يكتنفها الغموض. وقد يكون تحولنا عنصرا إيجابيا للتقدم وضد قوى التطرف أو سابقة خطيرة تبشر بالسوء للمنطقة والمجتمع الدولي.

تحتدم النقاشات داخل بغداد وواشنطن عن شروط لاستمرار قوات أميركية بعد نهاية العام الحالي. وعلى الرغم من أن ذلك قد يكون ضروريا، فإن ذلك لن يعالج وحده المشكلات الأساسية الموجودة داخل العراق. وتطرح هذه القضايا مخاطر متنامية للاستقرار داخل الشرق الأوسط والمجتمع الدولي. لقد كانت laquo;الزيادةraquo; الأساسية في عدد القوات الأميركية تهدف إلى توفير مناخ للمصالحة السياسية الوطنية وإعادة بناء المؤسسات والبنية التحتية العراقية، ولكن لم يحدث ذلك حتى الآن.

وبعد مرور أكثر من ثمانية أعوام على الإطاحة بنظام صدام حسين، ما زالت الخدمات الأساسية في وضع مُزرٍ، فمعظم أنحاء الدولة لا تصل إليها الكهرباء إلا في ساعات قليلة من اليوم. وأصبح انقطاع التيار الكهربائي شائعا بصورة متزايدة خلال صيف هذا العام. ولا تزيد صادرات النفط - التي لا تزال المصدر الوحيد للدخل - سوى بمقدار قليل عما كانت عليه عند الإطاحة بصدام حسين. وقامت الحكومة بتبديد أسعار النفط المرتفعة، وعجزت عن تحقيق نمو مستدام في فرص العمل. وأصبح الاقتصاد العراقي يجمع بين مزيج من المحسوبية وسوء الإدارة، مع ارتفاع معدلات البطالة وانتشار الفساد. وتصنف مؤسسة الشفافية الدولية العراق في المرتبة الرابعة للدول الأكثر فسادا، وهي الأسوأ داخل منطقة الشرق الأوسط. وقد أصبح الوعد بتحسن الأمن أجوف، مع ازدياد الطائفية. وقد أورد البنتاغون أخيرا زيادة في الهجمات، وألقى مسؤوليتها على ميليشيات مدعومة من إيران.

ويشير التقرير الأخير للكونغرس للمفتش العام الأميركي المختص بإعادة إعمار العراق إلى أن شهر يونيو (حزيران) كان الشهر الأكثر دموية بالنسبة للقوات الأميركية منذ 2008، وانتهى إلى أن العراق أصبح أكثر خطورة مما كان عليه قبل عام. وللأسف ينتشر في القوات الأمنية العراقية الناشئة أعمال تطرف وولاءات مختلطة، وبالكاد نجدهم قادرين على الدفاع عن أنفسهم، ناهيك بالدفاع عن باقي الدولة.

وعلى الرغم من عجزه عن الحصول على معظم المقاعد في انتخابات العام الماضي، لا يزال رئيس الوزراء نوري المالكي متشبثا بالسلطة من خلال مزيج من الدعم الإيراني والتواطؤ الأميركي. ويبدي المالكي حاليا استهانة بالمبادئ الديمقراطية وحكم القانون. وقد صدرت تعليمات لمؤسسات مستقلة مهمة، مثل اللجنة الانتخابية ولجنة الشفافية والمصرف المركزي العراقي، بأن يوردوا تقاريرهم مباشرة إلى مكتب رئيس الوزراء. وفي الوقت نفسه يرفض المالكي تعيين مرشحين يحظون بالإجماع في منصبي وزير الدفاع ووزير الداخلية، بموجب اتفاقية المشاركة في السلطة التي تم إبرامها العام الماضي. كما تستخدم الحكومة تكتيكات ديكتاتورية سافرة والترهيب لقمع المعارضة، متجاهلة المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.

وقد أعلنت منظمة laquo;هيومان رايتس ووتشraquo; في فبراير (شباط) عن وجود سجون تعذيب سرية تحت إمرة المالكي. كما كشفت في يونيو عن استخدام الحكومة للبلطجية المأجورين في ضرب وطعن والاعتداء الجنسي على متظاهرين سلميين في بغداد كانوا يشتكون من الفساد والخدمات الرديئة. إن هذه الأحداث المرعبة تذكرنا بالأفعال الاستبدادية للأنظمة المتساقطة في باقي أنحاء المنطقة على المظاهرات، وهو ما يبعد كل البعد عن الحرية والديمقراطية الموعودة في العراق الجديد.

هل هذا هو ما ضحت الولايات المتحدة بأكثر من 4000 شاب وفتاة بالإضافة إلى مئات المليارات من الدولارات من أجل بنائه؟

تظهر صعوبة في تغيير الاتجاه نحو الفشل. وسيجعل فشل العراق كل هدف أميركي ودولي في الشرق الأوسط صعب المنال، إن لم يكن مستحيل الحدوث. إن العراق يقع وسط قلب مكافحة الإرهاب والاحتواء النووي وأمن الطاقة وعملية السلام في الشرق الأوسط. كما أصبح، وبسرعة شديدة، قوة مضادة لجميع الجهود الإيجابية لمعالجة تلك القضايا، بدلا من أن يكون نموذجا في المنطقة للديمقراطية والتعددية والاقتصاد الناجح كما كان مفترضا.

ولا يزال هناك المزيد من الوقت لعكس هذا الاتجاه، لكن الوقت المناسب للعمل قد حان. إن تطويل أمد وجود القوات الأميركية لن يحقق شيئا بمفرده، فلا بد من وجود جهود سياسية منسقة على أعلى مستوى لضمان تحقيق الحرية والتقدم للشعب العراقي الذي عانى وضحى ونفد صبره.

ومن الضروري - كما أنه يمكن تحقيق - الإصرار على التنفيذ الكامل والمناسب لاتفاقية تقسيم السلطة التي وضعت عام 2010، مع الرقابة والتوازن اللازم لمنع سوء استخدام السلطة والتشكيل الكامل للحكومة ومؤسساتها على أساس غير طائفي. وعند الفشل في تحقيق تلك الخطوات ستكون انتخابات جديدة دون تدخل أجنبي ومع وجود سلطة قضائية مستقلة ولجنة انتخاب حقيقية ربما السبيل الوحيد لإنقاذ العراق من الوقوع في الهاوية. وتزداد مطالبة صحافيين عراقيين وقادة سياسيين في الشارع بهذا الحل.

ربما كان احتلال العراق عام 2003 حرب اختيار، لكن خسارة العراق عام 2011 هي اختيار لا تتحمله الولايات المتحدة وبقية دول العالم.

* رئيس الوزراء العراقي الأسبق، وزعيم أكبر كتلة سياسية في البرلمان العراقي.

* خدمة laquo;واشنطن بوستraquo;