أمجد عرار

إذا قال أحد إنه تفاجأ بالوتيرة المتسارعة للتطبيع بين دولة جنوب السودان المنفصل وrdquo;إسرائيلrdquo;، فإنه من النوع الذي لا يرى أبعد من أرنبة أنفه، أو أنه يسقط نواياه الطيبة وبعض الثوابت التي بقيت لديه على الآخرين . وإذا قال أحد إنه توقّع قراراً لدولة عمرها أقل من شهرين بإقامة علاقات مع ldquo;إسرائيلrdquo;، فإننا نستطيع أن نتّهمه بالمبالغة . كنا نعتقد أن أصحاب المشاريع التقسيمية المعدّة للأمة العربية والمنطقة، ليسوا معنيين بهذه السرعة بفضح الأهداف الكامنة خلف مواقفهم المغلّفة بالحرص على حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية، لأنّهم بالمقابل يؤكّدون مصداقية المحذّرين من هذه المشاريع ممن ما زالوا متمسّكين بمبادئهم القومية وبقراءتهم الاستراتيجية لحقيقة المشروع الصهيوني .

معظمنا كان يعرف أن انفصال جنوب السودان أتى في إطار مخطط أكبر من مجرّد حل لصراع بين شمال وجنوب، أو منح حقوق لجزء من الشعب السوداني قصّرت الحكومة المركزية تجاهه وظلمته وحرمته من التنمية، ولم تساوه بباقي المواطنين، وهذا كله صحيح، لكن ذلك يندرج في سياق الكلام الحق الذي يراد به باطل .

التطبيع بين الانفصاليين وrdquo;إسرائيلrdquo; لم يكن مفاجئاً، وهو ليس حالة جديدة، فعلاقاتهم قديمة مع ldquo;إسرائيلrdquo; التي قدّمت لهم الدعم لأجل الانفصال، نظراً لما يوفّره لها من توسيع لمواطئ أقدامها في إفريقيا وقدرة على التمدّد والاختراق والابتزاز ومحاصرة شمال السودان ومصر وإلقاء القبض على منابع النيل .

لكن إذا صحّ ما نقلته وكالات الأنباء العالمية عن اتخاذ سيلفا كير رئيس حكومة جنوب السودان قراراً بإقامة سفارة ل ldquo;إسرائيلrdquo; في مدينة القدس بدلاً من ldquo;تل أبيبrdquo;، يشير إلى ما هو أخطر من كل الذي سبق ذكره من تداعيات لهذا الانفصال الذي طالما حذّرنا منه، ليس مناهضة للجنوبيين وانحيازاً للشماليين، وإنما لمصلحتهم جميعاً، انطلاقاً من معرفتنا لطبيعة العقلية الصهيونية التي لا ترى غير نفسها ومصالحها ومشروعها التدميري للمنطقة .

ما يعطي هذه الأنباء مصداقية، ونتمنى أن تكون خاطئة، أنها جاءت بعد بضعة أيام على زيارة داني دانون عضو ldquo;الكنيستrdquo; الصهيوني من حزب ldquo;ليكودrdquo; لجنوب السودان وعقده لقاءات مع مسؤولين جنوبيين وعلى رأسهم سلفا كير نفسه الذي فسّر توجّهاته بأن جنوبه ليس دولة عربية، وأن هناك دولاً أخرى عربية تقيم علاقات مع ldquo;إسرائيلrdquo; .

لكن حتى الولايات المتحدة لم تجد الوقت ملائماً بعد لنقل سفارتها من ldquo;تل أبيبrdquo; إلى القدس، وفي كل عام يتخذ الكونغرس قراراً بهذا الشأن ولا يصادق عليه الرئيس الأمريكي، ليس حبأ بالفلسطينيين ومراعاة للعرب والمسلمين، إنما لحساسية الموضوع وعدم وجود أية ثغرة سياسية أو قانونية تستطيع واشنطن من خلالها تبرير هكذا خطوة .

ldquo;إسرائيلrdquo; إذاً تريد أن تجعل من جنوب السودان، ليس قاعدة علنية لوجودها في إفريقيا فحسب، بل سابقة تجر وراءها دولاً أخرى تقيم سفارات في القدس أو تنقل سفاراتها من ldquo;تل أبيبrdquo; إلى القدس . ومن هنا فإن هذه الخطوة من جانب جنوب السودان لا يتفوّق عليها في الخطورة سوى الانفصال نفسه .

ولأن قوة العادة تفرض نفسها دائماً، سنضطر إلى أن نقول إننا نأمل، مع أننا لا نراهن، بأن يكون هناك موقف حازم من جانب الدول العربية وجامعتها، لأن سابقة من هذا النوع تعتبر عدواناً صريحاً على فلسطين وعروبة القدس وعلى الأمة كلها . فهل تجد القدس من ينجدها أم أنها خارج الأجندة؟