ياسر سعد الدين

الموقف الغربي من الحراك السوري غلب عليه في بداية الأحداث حالة من التجاهل والتردد، وبالرغم من سقوط أعداد كبيرة من القتلى وظهور دلائل قطعية على انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان فقد تكررت الدعوات الغربية لبشار بالشروع في الإصلاح وقيادته. تلك الدعوات كانت تثير حفيظة الشارع السوري خصوصاً مع مقارنتها بالمواقف الغربية من ثورتي مصر وتونس واللتين كانتا من حلفاء الغرب الحميمين. التوازنات الدقيقة في المنطقة والترتيبات الأمنية خصوصاً لجهة الدولة العبرية وخدمات الأمن والتعذيب المقدمة من نظام الأسد فيما سمي بالحرب على الإرهاب، والخشية من وصول إسلاميين إلى الحكم أمور شكلت كوابح ومحددات للمواقف الدولية والإقليمية.
مواقف النظام السوري ورئيسه بشار وتصرفاتهم الرعناء مع حتى دول وحكومات كانت توصف بالصديقة، إضافة إلى التجاهل التام لكل دعوات الإصلاح وتزايد أعداد القتلى والجرحى وتغول الأسلوب الأمني والقمعي عوامل ساهمت في تغير المزاج الدولي بشكل متدرج وإن ببطء. غير أن دخول إيران وحزب الله وحكومة المالكي في الأزمة السورية بشكل داعم وبلا تحفظ، والاصطفاف الطائفي وتهديد النظام السوري بتحريك فتن مذهبية في منطقة الخليج، عناصر ساهمت في إحداث انعطافة في المواقف العربية والدولية، لعل من أبرزها خطاب ملك السعودية والطلب الأميركي لبشار بالتنحي عن الحكم.
غياب معارضة سورية معتمدة والتي يمكن لها أن تقدم ضمانات وتعهدات، خصوصاً في ما يخص إسرائيل، بالإضافة إلى الغضب الشعبي المصري من التجاوزات الإسرائيلية والتي وصلت ذروتها في اعتذار إسرائيلي غير مسبوق، بالإضافة إلى مظاهرات غاضبة حاصرت السفارة في القاهرة أمور أرجعت مظاهر التردد إلى القرار الغربي.
غير أن هزيمة القذافي شكلت تطوراً بارزاً عالمياً وعربياً أعاد إلى حلف الناتو معنويات كادت أن تصل إلى الحضيض، وأعطى الغرب فرصة تاريخية للمصالحة مع العالم العربي والإسلامي بعد فترة من الاضطهاد والتجاوزات الغربية الممتدة من فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرهم، إضافة إلى الدعم الغربي المزمن لدكتاتوريات عربية قاحلة. الحالة الليبية وازدياد وتيرة القمع أديا إلى تغيير في المزاج الشعبي السوري وارتفاع أصوات تنادي وتناشد التدخل العسكري لإلحاق بشار بحليفه القذافي.
بتقديري لن يتدخل الغرب عسكرياً في سوريا إلا في حالة وصول البلاد إلى حالة من الفوضى إن كان من خلال مواجهات مسلحة أو حرب أهلية، مما يشكل فراغاً ويخرج الأمور عن السيطرة، مثل هذه الأوضاع تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة مما سينعكس على أمن الدولة العبرية واستقرارها. الاحتراب الداخلي خصوصاً مع انتهاكات نظام الأسد للحرمات والمقدسات، قد يؤدي إلى بروز تيارات جهادية ربما تشكل تهديداً لأمن الغرب ومصالحه، وهو ما قد يدفعه للتدخل بشكل مباشر ليتحكم في مسار التغيير ومصائره.