سليم عزوز
في برنامج من برامج المسابقات، سألت المذيعة مواطناً بسيطاً عن اسم بطلة لواحد من الأفلام القديمة، والذي أضحك الناس عندما ذكر اسم البطلة علي هذا النحو: فاتن (ولا مؤاخذة) حمامة، ومعلوم أن (لا مؤاخذة) تسبق الكلام العيب فيمهد له المتحدث ليتقبله السامع، فهي ترفع الحرج عن المتكلم.
ومن يومها وقد أيقنت ان هناك استخدامات أخرى لكلمة (لا مؤاخذة) وهي أنها تسبق أسماء الطيور والحيوانات، ورأيت من الضروري عندما نتحدث عن الرئيس السوري أن نذكر اسمه بهذا الشكل: بشار (ولا مؤاخذة) الأسد!
بشار يختفي هذه الأيام ويترك قوات أمنه تقوم بعملية إبادة جماعية للشعب السوري الشقيق، علي نحو يمثل جريمة كبرى، فهو لم يتعلم مما جرى للرئيس المصري المخلوع، الذي ظن ان بإمكانه أن يستمر في موقعه محتمياً في الترسانة الأمنية التي شيدها من أموال الشعب، وفي لحظة من لحظات انتصار الشعوب على جلاديها ولى رجال مبارك الدبر، وقد ظل هو مع ذلك لا يستوعب ما جرى وطلب ان يبقى إلى ان تنتهي مدة ولايته لكن الشعب كان قد اتخذ قراره.. رفعت الأقلام وجفت الصحف.. فغادر في النهاية غير مأسوف عليه.
منذ البداية قال بشار (ولا مؤاخذة) الأسد إن سورية ليست مصر، وذلك وفق سياسة 'كيد الضرائر' المعتمدة لدى الحكام العرب، فبشار (ولا مؤاخذة) الأسد كان يرد على عبارة مبارك بأن مصر ليست سورية في معرض حديثه عن التوريث، وهو ما اغضب أهل الحكم في دمشق وظلت العلاقة بينهم وبين النظام المصري متوترة إلى آخر يوم له في السلطة.
ولم تكد الثورة المصرية تنتصر إلا وفاجأت الجماهير في سورية الجميع بخروج للشوارع مطالبة برحيل نظام (ولا مؤاخذة) الأسد، وعلى الرغم من الرد العنيف والقوي والمستحل للدماء والأعراض إلا أن السوريين الأبطال واجهوا كل هذا بصدور عارية.. وإرادة لا تلين.
وظل إعلام (ولا مؤاخذة) الأسد يشيع في البرية بأنها حملة ضده يقوم بها الصهاينة مع ان وجوده في السلطة هو أكبر مكسب لإسرائيل، التي تحتل الجولان، وتقوم باستعراض قوتها فوق قصر بشار (ولا مؤاخذة) الأسد فلا يرد ولا يصد، وفي كل مرة يثبت رجولة منقطعة النظير في رده على هذه الغطرسة الإسرائيلية.. فإسرائيل لن تحدد موعد الحرب، وهذا درس في السيادة الوطنية غير مسبوق!
لقد بات من مقرراتي اليومية أن أبحث عن نضال الشعب السوري وما يتعرض له على يد من لا يرقب فيه إلا ولا ذمة، عبر شاشات التلفزيون، ليكون آخر ما أشاهده في يومي هو الدرس البليغ لهذا الشعب في المقاومة السلمية، التي تذكرنا بأيام نضال الشعب المصري ضد المستبد الأكبر حسني مبارك!
ربما لا يؤثر فيّ نضال الشعب الليبي، فحلف الناتو يساعده، فضلا عن ان الثوار في الجماهيرية يواجهون قصف النظام بقصف مماثل، ولا يؤثر في نضال الشعب اليمني الذي يبدو انه أولي قوة وبأس وقادر على المواجهة.. انما يهز وجداني نضال الشعب السوريين وهم يواجهون النازيين الجدد بصلابة وشموخ.
لقد طلب مني احد المعلقين على ما كتبته هنا في الأسبوع الماضي أن استغل حالة النحس التي تلازمني فأعلن إعجابي ببثينة شعبان المستشار الإعلامية لبشار (ولا مؤاخذة) الأسد، وقد استمعت الي كليبات اساءتها للثورة عبر اليوتيوب وهي ماخوذة من مداخلاتها التلفزيونية، وعصرت على نفسي كيلو من الليمون من اجل إعلان الإعجاب بها.. لكني فشلت.
سيسقط نظام ( ولامؤاخذة) الأسد، ويصبح حال بثينة شعبان من حال صفوت الشريف وانس الفقي وزير الاعلام المصري.. وتبقى سورية وشعبها الأبي.
خُطاب منى سلمان
تكبر ابنة العم في الريف المصري، دون أن يلفت هذا انتباه ابن العم، وتكتمل أنوثتها أمامه فلا يرى فيها إلا تلك الطفلة التي كان يلعب معها ' استغماية'، وعندما يشعر بها يكون هذا بفعل عوامل خارجية، بقدوم غريب لخطبتها عندها يصيح صيحة عنترة بن شداد: 'ابنة عمي وأنا أولى بها'!.
مشهد تكرر أمامنا كثيراً، ولا يزال يتكرر، وكأن ابن العم بحاجة لمن يؤكد له ان كريمة عمه كبرت وأصبحت عروسة، وكأنه كان نائما واستيقظ!
منى سلمان مذيعة قناة 'الجزيرة'، ونجمتها انتقلت في لمح البصر لحضورها الطاغي لتصبح وكأنها من الجيل المؤسس من أمثال خديجة بن قنة، وجميل عازر، وجمال ريان، وفيروز زياني، وليلي الشايب، وفيصل القاسم.. بالمناسبة هل القاسم قيد الأسر والإقامة الجبرية ولماذا لا نسمع صوته؟
صاحبتنا كانت تعمل في مصر في قناة 'النيل الثقافية' التي لا يشاهدها احد تقريباً، ولدرجة أنني شاركت أكثر من مرة في برامجها، قبل الثورة ولم ينتبه المسؤولون بوزارة الإعلام إلي أن 'مسجل خطر' يظهر على قنواتهم، حتي في عهد صفوت الشريف، وهو رجل كان يحبني جداً في الله، وكان هو وحبيب العادلي وزير الداخلية يشكلان تنظيماً مسلحاً لمطاردتي: جريدة جريدة.. دار دار.. زنقة زنقة.
والتركيز في برامج هذه القناة كان بعد الثورة عندما تدخل سامي الشريف رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون السابق من اجل قطع الإرسال لمنع ضيفة لبرنامج من الاستطراد ولانها قالت كلاماً رأي رئيس الاتحاد المفدي أن فيه خروجاً على أدب مخاطبة الحكام، لكن مقدم البرنامج لم يستجب له.
كان يمكن لمنى سلمان أن لا يسمع بها أحد، لو لم تفز بها قناة 'الجزيرة'، وكان احتمال نقلها إلى قناة تلفزيونية أوسع انتشاراً مستحيلاً، لأنها بداية مثقفة ومتمكنة من أدواتها، وكفاءة المرء في الإعلام المصري عبئاً عليه، ولأن منى سلمان سمراء، ومقاييس الجمال عند القائمين على تلفزيون الريادة الإعلامية هي أن تكون المذيعة بيضاء وشعرها أصفر وعيونها خُضر، ولهذا فان شعار المرحلة هو ضرب شعر الرأس في الخلاط، وبعض المذيعين يضعون روجاً على شفاههم (تامر بن ابيه نموذجا).. يا عيب الشوم!
منى أثبتت وجودها في 'الجزيرة' وفي محطة ليس للمرء فيها إلا ما سعى، ويقال إن أمير قطر لا يستطيع أن يفرض مذيعاً على المحطة.. وقد نجحت منى وتألفت وأصبحت أحد نجوم الإعلام العربي، وهنا صاح القوم: 'بنت عمنا ونحن أولى بها' وفي كل مرة تأتي الى القاهرة في إجازة تبدأ رحلة التفاوض، وتتنافس الفضائيات المصرية الخاصة على الفوز بها، على قاعدة نحن أولى بابنة عمنا من الغريب!.
مع أن منى ليست ابنة عم أحد منهم، هي ابنة عمي أنا، هي من محافظة قنا وانا من محافظة سوهاج، والصعايدة تتكافأ دماؤهم ويسعى في ذمتهم أدناهم، ويوم أن املك فضائية بعون الله سأقول ابعدوا.
وفي تقديري ان هذا التجاذب هو نظراً لان منى سلمان تعمل في 'الجزيرة' ويوم ان تعود لتعمل في تلفزيون البلاد ستفقد لدى القوم أهميتها، ومن قبل ناضلوا من اجل ان يقطع حمدي قنديل علاقته بـ'الايه ار تي'، وجاء ليقدم برنامجه 'رئيس التحرير' عبر تلفزيون الريادة الإعلامية، ثم قاموا بمنع بث البرنامج الذي تجاوز سقف الحرية المقرر، وكان حينها يلامس الأرض.
كل تجارب الذين تركوا 'الجزيرة' لا تطمئن، ومزمار الحي لا يطرب، وقد يكون البعد هو السبب وراء هذا النضال من اجل الفوز بابنة العم، لكن عندما يحدث الاقتراب ستصبح في حكم مزمار الحي الذي لا يطرب السامعين.
الحرب على الفضائيات
في أيام مبارك الأخيرة وعندما ظن الرويبضة أن مصر قد دانت لهم، التفت إلي وسائل الإعلام لحصارها قوة واقتدراً، وكان حينها يظن أنهم يمكن أن يحكموا مصر بمجرد دراسة منهج حساب المثلثات.. قيل وما الرويبضة يا رسول الله؟.. قال الرجل التافه يتحدث في أمور العامة!
أحمد عز رجل الحديد والصلب تصرف على أنها ليست 'كيمياء'، وما الدنيا إلا 'لاب توب'، ومن خلاله يمكن حكم البلاد، وانه يمكن ان يغلق 'شباك الحرية' فيعيش في سلام ووئام إلى أن يرث جمال مبارك ملك أبيه، وبعدها يحلها الحلال، فإذا كانت الفضائيات هي التي تقوم بتجريس أهل الحكم وكشف سياساتهم، فما عليه إلا أن يتصدى لها، وهو ما جرى في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة!.
تعليمات صدرت إلى القائمين على برامج 'التوك شو' في الفضائيات الخاصة بأن عليهم أن يتوقفوا عن إثارة القلاقل، وكان الرد سمعاً وطاعة، فكل صاحب محطة على رأسه بطحة، وأنظمة الاستبداد تجيد التعامل مع هذه النوعية من البشر، ومن ليس على رأسه بطحه فانه يعلم بأن يواجه نظاماً يمكن أن يجعل أيامه أسود من قرن الخروب!
ولهذا فعندما قامت الثورة كانت هذه البرامج قد تدربت على العمل داخل الحظيرة، فوصلتها الرسالة متأخرة، بسبب اضطراب في عمل قرون الاستشعار، وشاهدنا مقدمي برامج كانوا يقدمون أنفسهم على أنهم صوت الشعب المصري، يتعاملون مع الثورة تعامل تليفزيون الريادة الإعلامية معها، ومنهم من لملم أشلاءه المبعثرة وانحاز للثورة بعد ان أساء إليها، مثل تلك المذيعة التي تتحدث من بطنها مع انه قد ثبت علمياً أن الرجل يتحدث من بطنه وان المرأة تتحدث من حنجرتها وإلا فقدت النساء النطق طيلة فترة الحمل.. ولو حدث هذا لكانت مصلحة!
لقد حاصروا مكاتب الفضائيات بالقاهرة، وهددوا بسحب تراخيص اعتماد أي مراسل يتجاوز حدوده ويتمضمض باللبن الحليب، وتدخل جهاز مباحث أمن الدولة 'المنحل' في منع أسماء بعينها من الظهور على شاشات الفضائيات، لأنهم ليسوا جزءا من حسابات السلطة مع القائمين على أمر هذه المكاتب، وهي الفترة التي شهدت انتشارا لمجموعة لجنة السياسات، فكنت تفتح أي قناة فتجدهم، لدرجة انني تساءلت متى يتمكن القوم من قضاء حاجتهم؟!
وفي انتخابات مجلس الشعب، وعندما أرسلت الفضائيات وفوداً الى المحروسة هم في حل من هذه الاتفاقات، جري حصارهم 'عيني عينك' فكانت مدينة الإنتاج الإعلامي تلغي 'حجوزات' لبرامج يدور موضوعها عن الانتخابات وبعد حضور الضيوف، وتعرضت فضائيات لها وزنها مثل الـ 'بي بي سي' لقطع الإرسال والبث على الهواء مباشرة، وكانت رسالة لا تخطئ العين دلالتها.
لقد ظن القوم أن تكميم الفضائيات هو بداية لمرحلة جديدة، فإذا هي نهاية عهد.. وما أشبه الليلة بالبارحة عندما تقرر الحكومة المصرية مراقبة الفضائيات ومنع التصريح لفضائيات جديدة.
أرض جو
يأسف المرء لعدم عودة برنامج حمدي قنديل الى التلفزيون المصري وهو الذي تم وقف بثه في عصر الاستبداد، وقد سقطت دولة حسني مبارك.
مجاملة لعبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار بتلفزيون الريادة ولعلاقته الوثيقة بالنظام البائد تم ضم قناة 'مصر الإخبارية' للقطاع ، الآن لم يعد هناك مبرر لاستمرار الضم.
وزير الإعلام المصري لم يتوقف عن الكلام منذ تم اختياره وزيراً، فهو يتكلم ويتكلم.. وعليه ينبغي تعيين وزيرين للإعلام واحد للكلام والثاني للعمل.
التعليقات