سعيد حارب

تحدثنا في مقال الأسبوع الماضي عن القوى الضاغطة على منطقة الخليج العربي وهي الهند وباكستان وأفغانستان بما تملك من قوى بشرية وتطلعات إقليمية، لكن أكثر القوى الضاغطة على منطقة الخليج العربي هي إيران، خاصة أن إيران ترسم لنفسها دوراً عالمياً وليس إقليمياً فقط. وهذا ما عبر عنه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في كلمته التي ألقاه في الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل سنتين، طالبا أن يتعاملوا مع إيران باعتبارها دولة كبرى. ولذا فإن دور إيران الإقليمي ليس إلا جزءا من طموحها laquo;العالميraquo; ولذا فهي تنظر إلى المنطقة كجزء أو مقدمة لدورها الآخر خاصة أن إيران تملك وسائل الضغط المختلفة، فالكتلة السكانية التي تقترب من خمسة وسبعين مليوناً يقابلها الثلث في منطقة الخليج وإذا فصلنا منها القوى العاملة فإنها لا تعادل سوى عشر السكان في إيران تقريبا.
إضافة إلى ذلك، المساحة الواسعة والتعدد العرقي والثقافي والمذهبي والجغرافي، وهي عوامل يمكن النظر إليها كعوامل ضعف أو عوامل قوة. لكن إيران تملك أيضا إمكانات عسكرية كبيرة، وقد وصلت في إنتاجها إلى مرحلة تصنيع الصواريخ بعيدة المدى واستخدام الغواصات والقوة العسكرية البشرية الضاربة التي صمدت عند تأسيسها في حرب استمرت ثماني سنوات مع العراق مما أكسبها خبرة وتجربة.
وإلى جانب القوة العسكرية فإن إيران تلعب دوراً كبيراً في المنطقة، فلأول مرة منذ اتفاقية laquo;سايكس بيكوraquo; التي مزقت المنطقة العربية تعمل قوتان غير عربيين laquo;إيران والولايات المتحدة الأميركيةraquo; على تقرير مصير بلد عربي وهو العراق، وهذا يشير إلى مدى ما وصل إليه الدور الإيراني في المنطقة مع تراجع أو عجز الدور العربي، خاصة من الدول المحيطة بالعراق وهي الأقرب للشأن العراقي، إلا أن إيران استطاعت أن تفرض وجودها في المنطقة لا على مستوى العراق بل على مستوى المنطقة العربية بصفة عامة، ولا أدل على ذلك من الدور الإيراني في لبنان والذي لم يعد خافيا على أحد، كما أن الأصوات المرتفعة في اليمن تشير إلى أن إيران كان لها دور في مشكلة laquo;الحوثيينraquo; بمنطقة صعدة شمال اليمن رغم نفي إيران لأي دور هناك!
كل ذلك يحدد اتجاهات السياسة الخارجية الإيرانية نحو الإقليم laquo;الخليج العربيraquo; الذي لم يحدد موقفه من العلاقة مع laquo;الجارةraquo; إيران. فدول منظومة مجلس التعاون الخليجي ليس لها رؤية جماعية واضحة للعلاقة مع إيران منذ قيام الثورة الإيرانية وحتى الآن، إذ اتسمت هذه العلاقة بأنها رد فعل للموقف الإيراني، أي أنه ليس موقفاً محدداً نابعا من استراتيجية واضحة، وإنما هو وليد اللحظة والموقف. فحين يصل الإصلاحيون أو المعتدلون أمثال رفسنجاني وخاتمي إلى الحكم في إيران ترتفع وتيرة العلاقة مع إيران حتى تصل إلى مستوى عقد الاتفاقيات الأمنية المشتركة، وحين يتغير الجالسون على كراسي القيادة ويصل المتشددون أو المحافظون مثل أحمدي نجاد تتراجع هذه العلاقة إلى أدنى مستوياتها مما خلخل منظومة هذه العلاقة على المستوى القطري، فالدول الخليجية رغم البيانات المشتركة لاجتماعات وزراء خارجيتها فإنها تنفرد بسياسات أحادية مع إيران، تتفاوت بين القضايا الخلافية كالعلاقة بين الإمارات وإيران المحكومة باحتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث، التي تجد الدعم الكامل من مجلس التعاون بينما تنمو العلاقات بين دول خليجية أخرى مع إيران بصورة مطردة، وقد دخلت قضية العراق وأخيرا سوريا والبحرين كمؤثر جديد في رسم العلاقة الخليجية الإيرانية.
إن الدور المتنامي لإيران في المنطقة لم يؤثر أو يدفع مجموعة مجلس التعاون أو المجموعة العربية إلى وضع استراتيجية واضحة لطبيعة هذه العلاقة، أو يعيد بلورتها في رؤية جديدة، في حين يمضي راسم السياسة الإيرانية في التوغل الاستراتيجي داخل المنطقة مستثمرا الصراعات العربية تارة، وهشاشة المواقف تارة أخرى. ولعل العراق خير نموذج لهذا الاختراق، أما الدول العربية -غير الخليجية- فهي بعيدة نوعاً ما عن تأثيرات الموقع في رسم العلاقة مع إيران إلا أن دول الخليج العربي تتحمل الضغط laquo;الجيوسياسيraquo; القادم إليها من إيران.
ورغم ذلك ما زالت سياسة هذه الدول مع إيران كما كانت عليه خلال الثلاثين سنة الماضية أي بطريقة التعامل مع الواقع لا مع المتوقع، فإيران لديها مشروعها السياسي في المنطقة مستثمرة الحالة العربية، ولذا نجدها تركب موجات الثورة العربية السائدة، بدعوى تأثير ثورتها على هذه الثورات و laquo;مجيرةraquo; نتائج هذه الثورات لصالحها، ومستثمرة كذلك مواقف بعض الدول العربية laquo;المترددةraquo; من هذه الثورات، وهي بذلك ترسم لعلاقة جديدة مع التغيرات السائدة في بعض البلدان العربية انطلاقا من مشروعها الإقليمي و laquo;العالميraquo;، وما لم يقابل هذا المشروع بمشروع آخر متكامل يحدد ملامح العلاقة مع هذا laquo;الجارraquo; فإن دول مجلس التعاون ستجد نفسها في موقف رد الفعل لتأثيرات السياسة الخارجية الإيرانية، إن مثل هذا المشروع لا يشكل بالضرورة حالة مواجهة مع إيران، لكنه يرسم صورة واضحة لموقف دول المجلس ورؤيتها لطبيعة هذه العلاقة، حتى لا تبقى تحت التأثير laquo;الجيوسياسيraquo; لإيران.