سعد السعيدي

من المؤكد أن الأيام القادمة حبلى بالأحداث في منطقتنا العربية بعد أن أصبحت الأنظمة العربية في عين رياح الربيع العربي، فمن لم تسقط تلك الرياح نظامه كما حدث في تونس ومصر وليبيا، أحرقت وجهه وبعض قادته كما في اليمن بانتظار أن يخرج قريبا عن المشهد غير مأسوف عليه، أما في سوريا فالتصدعات والانشقاقات في جدران الفساد بفعل الثورة السورية ودماء الشهداء الطاهرة ستجعل أركان النظام القمعي يهوي قريبا ولن يخفف من دوي ذلك النظام الفاشي المدعوم بآلة القمع وشبيحة الرعب قيام ما يسمى بالأمين العام لما تسمى بالجامعة العربية بزيارة لسوريا ولقائه برئيس النظام لأجل إقناعه بمبادرة عربية هزيلة، لم تراع أو تضع أدنى اعتبار لتلك الدماء المسفوكة والمهدورة أو تنظر بأمر عشرات الآلاف من المعتقلين الذين ضاقت بهم السجون فاستعان ذلك النظام بالمصانع التي توقفت عجلة إنتاجها وفي الفصول الدراسية مكان لأبطال الثورة الرافضين لاستمرار الظلم وتحويل الوطن لمزرعة وعزب خاصة يكونون فيها عبيدا يأتمرون بأوامر سيد لهم لا يتمتع بصفة واحدة من صفات الأسد.
رياح الربيع العربي كانت صرصرا وعاتية على بعض الأنظمة، كما في تونس ومصر وليبيا لاعتقاد تلك الأنظمة أن الحل الأمني والخشونة في التعامل مع المتظاهرين هو الرادع والحل الأنسب مع الشعوب، وهذا ما جعل الكلفة عالية على تلك الأنظمة، لأنها لم تستطع أن تفهم الشعب ومطالبه، ما أدى إلى هروب أحدهم وسجن الآخر وحرق ثالث ومحاصرة رابع والبقية في الطريق أن اتبعوا سياسة سالفيهم أو لم يتدبروا ويتفكروا في أن الشعب لم يعد ذلك القطيع الذي يخشى سكين جزار، بل تحولت الشعوب إلى ذئاب وأسود ونمور إن لم تنصع الأنظمة لطلباتها فإنها ستجعل اللي ما يشتري يتفرج على رأي إخواننا المصريين، وهنا أستطيع أن أقول إن النظام الذي عرف كيف ينحني للعاصفة ويحول تلك الرياح إلى نسائم هو النظام المغربي، وقد يكون لفهم الملك وهو الشاب لقوة وإصرار الشباب، أو أنها كانت نصيحة مخلصة من أحد مستشاريه أنقذت النظام من مصير قد يكون مشابها لأحد جيرانه.
دول الخليج مرت بها الرياح وإن لم تكن عالية وعاتية، غير أنها سببت الكثير من التصدع في جدران وجسور الثقة في مملكة البحرين وأدت إلى قلق بقية الدول الخليجية من امتداد تلك التصدعات إلى بقيتها، الأمر الذي تطلب معه عمل إجراءات سريعة لعل أهمها لجنة تقصي الحقائق عن الأحداث التي شابت التظاهرات، إضافة إلى حوار التوافق الوطني الذي رافقه إطلاق المعتقلين وإعادة المفصولين لأعمالهم، غير أن تجدد المظاهرات واستمرار المطالبات بمملكة دستورية لن ينفع معه سوى الحوار الجدي مع أطراف المعارضة الحقيقة، وقد يكون لتلك القرارات التي أعلنها الملك من دور يساعد على رأب الصدع ويعيد البلاد، كما كانت عليه من قبل، أما بغير ذلك فإن النتائج عبر لغة الخشونة والغلظة مع الشعب سيكون مآلها استمرارية التوتر والاحتقان والخشية أن تكون الفاتورة عالية على النظام الذي لا نشك أبداً في تفاعله مع الشعب ومحاولاته في إرجاع الأمور لسابق عهدها.
دول الخليج التي قد لا تضرر كثيرا من الربيع العربي لاعتبارات كثيرة ارتعدت فرائصها من البداية القوية لانطلاقة الموسم الربيعي العربي، الأمر الذي دفعها إلى الإعلان عن انضمام الأردن والمغرب، وهو ما جعل الثانية (المغرب) ترد سريعا على الدعوة الخليجية من خلال التصريح بالتزامها في الاتحاد المغاربي، الأمر الذي سبب حرجا للأنظمة الخليجية، إضافة إلى أن الإعلان كانت مادة للتندر للشعب الخليجي وقد كانت أيضاً للشعبين الأردني والمغربي.
أما قضية العرب المحورية فلسطين فيبدو أن إدارتها وقراراتها ستنتقل تدريجيا للشعوب بعد الفشل الذريع والتدهور جراء ما تفعله وتتعامل به السلطة الفلسطينية مع تلك القضية، التي تسكن قلب كل عربي والتي حولت السلطة غزة والضفة بمفاوضاتها اللانهاية لها والتي لا أمل منها، كما يبدو حولتها إلى سجن كبير للفلسطينيين، وإن هي لم تقترب من مصالح الشعب وتحترم إرادته، فالرياح ستجعلها من سلطة بضم السين إلى سلطة بفتح السين.
بقية الدول العربية مثل الجزائر وموريتانيا والسودان ليست بمنأى أو أنها في مأمن من الرياح، فالشعوب العربية اليوم لم تعد تلك التي تصبر على الظلم والقهر فقد فاض بها الكيل من أفعال أنظمتها، التي عاثت الفساد وقربت الفاسدين وأبعدت المصلحين، لذلك فإن الشعرة التي بينها وبين أنظمتها قد قطعت أو تكاد ولأجل ذلك فالكرة الآن تقف أمام مرمى الأنظمة من خلال قيامها بخطوات إصلاحية سريعة ومحاربتها للظلم والفساد حتى تعيد الكرامة للشعب وتنحني لإرادته وتطلعاته إن هي أرادت أن تكون على رأس إدارة الدولة وإلا فمصير زملائهم لن يكون بعيدا عنهم.