سمير الحجاوي

يشن الغرب حملة دبلوماسية ضخمة لمنع الفلسطينيين من اللجوء إلى الأمم المتحدة للمطالبة بدولة فلسطينية، وهي حملة شرسة على الرغم من نعومتها الدبلوماسية المغلفة بسياسات منافقة وممارسات العصا والجزرة ضد الفلسطينيين، وتقديم إغراءات شكلية فارغة من المضمون لن تقود أبدا إلى إقامة دولة فلسطينية.
الغرب يكذب وينافق ويسوف ويضيع الوقت، ويتبنى الأجندة الإسرائيلية كاملة، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما واعتبر لجوء الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة quot;انحرافquot;، ورأت وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون أن الطريق إلى الدولة الفلسطينية لا يمر عبر الأمم المتحدة، ووضعت الولايات خططا طارئة لإجهاض المساعي الفلسطينية للحصول على دولة، وعقدت كلينتون محادثات ماراثونية مع مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون ومع مسؤولين من الأمم المتحدة وروسيا واللجنة الرباعية، وجندت دبلوماسييها للاجتماع كل الأطراف لإقناع الفلسطينيين بالتخلي عن خطط إعلان الدولة أمام الأمم المتحدة، وسخرت الإمكانيات الأمريكية في quot;كولساتquot; مع كل الدول لحثها على عدم دعم المطالب الفلسطينية.. إنها أشبه quot;بحرب صليبية دبلوماسيةquot; ضد خصم لا تتيح له موازين القوى في مجلس الأمن أن يحصل على دولة.
تعلم الولايات المتحدة وأوروبا أنها قادرة على إحباط المسعى الفلسطيني وتخريب كل الجهود لحصول الشعب الفلسطيني على جزء من حقوقه التاريخية في فلسطين، ولكنهم مع هذا يخوضون ما يشبه quot;الحرب العالمية الثالثةquot; لمنع لعرقلة الجهود الفلسطينية لأسباب عديدة منها: إدراك الغرب أن قواعد اللعبة تتغير في العالم العربي مع اندلاع الثورات المعادية لإسرائيل، كما ظهر في مصر على وجه الخصوص، وأن هذا العداء يعني بالتالي كراهية الغرب الذي يدعم إسرائيل، ولهذا فإن العواصم الغربية تحاول عدم سكب المزيد من الوقود على نار الكراهية التي يمكن أن تتحول إلى عداء على الأرض في منطقة ملتهبة، كما يرغب الغرب بتمكين quot;إسرائيل القويةquot; من الانفراد بالفلسطينيين ودفعهم لتقديم مزيد من التنازلات والقبول بالشروط الإسرائيلية مثل ضم المستوطنات والاعتراف بتهويد القدس وعدم عودة اللاجئين من الشعب الفلسطيني إلى ديارهم في فلسطين، مقابل منحهم quot;ما يسمى دولةquot; ليس لها من الدول إلا الاسم فقط.
الغرب يلعب مع إسرائيل لعبة كبرى، ويحاول أن يلعب لعبته القديمة باستخدام أطراف عربية لإقناع الفلسطينيين بقبول ما تمنحه إسرائيل، إلا أن الوضع تغير الآن مع انهيار نظام مبارك في مصر، واتساع نطاق الثورات ضد الأنظمة العربية quot;التي تقدم خدمات لأمريكا وإسرائيلquot; مقابل بقائها في السلطة، ولهذا فإن الوضع يبدو صعبا بالنسبة للغرب وإسرائيل، مما دفع القوى، الأمريكية - الأوروبية، للنزول بكل قوتها الدبلوماسية لحماية إسرائيل كما حمتها عسكريا، كما أنهم يحاولون دفع محمود عباس وأركان نظام سلطة رام الله إلى عدم تأزيم الوضع مقابل دفع الرواتب وبعض الوعود والصفقات الوهمية مثل الصفقة التي تحدثت عنها صحيفة الغارديان البريطانية، فالولايات المتحدة وأوروبا تستخدم اللجنة الرباعية لإقناع عباس بتفادي المواجهة الدبلوماسية مع واشنطن quot;الراعي الأساسي لإسرائيل، ووضع جدول زمني لولادة دولة فلسطينية مقابل استئناف المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، وهكذا يستطيع عباس أن يعلن quot;انتصارا تكتيكياquot; بكسر الجمود لإقامة دولة فلسطينية خلال سنوات، وتسويق هذا quot;الانتصار التكتيكي على الشعب الفلسطيني، وكان 20 سنة من المفاوضات لإقامة الدولة الفلسطينية، كما يقدم الاتحاد الأوروبي جزرة للفلسطينيين بالتخلي عن خططهم للحصول على عضوية كاملة بالأمم المتحدة مقابل ترقية محدودة لوضعهم كمراقب بالأمم المتحدة، وتقدم مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون عرضا يشمل إعلان بيان من quot;اللجنة الرباعيةquot; يحدد توجيهات استرشادية للمحادثات المستقبلية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وبالطبع، فإن الفيتو الأمريكي جاهز إذا أصر الفلسطينيون على موقفهم ورفضوا كل هذه العروض.
لا شك أن لجوء الفلسطينيين إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة يعري المواقف الغربية ويظهر قبحها، فهذه المواقف الغربية لا تعني إلا شيئا واحدا ألا هو أن الفلسطينيين يحاربون إسرائيل والغرب معا، وأن أمريكا ودولا أوروبية وغربية وإسرائيل يشكلون حلفا عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا ضد الشعب الفلسطيني، مما يعني أن الغرب يخسر المزيد من رصيده المفلس في العالم العربي والإسلامي، فهذا الغرب الذي صنع إسرائيل وأنتجها في quot;ماكينةquot; الأمم المتحدة يرفض أن يصنع دولة فلسطينية في نفس quot;الماكينةquot;، وهو تعبير فج عن النفاق والعداء والكراهية ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية.