زياد حيدر
بعد مرور ستة أشهر على بداية الاحتجاجات في سوريا، يجب التوقف عند آخر محاولة لدى المعارضة السورية لتجميع نفسها في الداخل، والتي جرت تحت سقف laquo;تفكيك النظام الاستبداديraquo;، المبني على ما يبدو على واقعية سياسية تتفهم صعوبة تحقيق شعار laquo;إسقاط النظامraquo; الرائج في أغلبية الاحتجاجات التي تشهدها المناطق السورية.
وقد أثارت لاءات مؤتمر المعارضة الثلاث الذي انعقد خارج دمشق السبت الماضي حفيظة معارضين آخرين، خارج إطار الائتلاف الطموح وداخله. وتدرج النقاش من مطالبة بالإشهار صراحة عن إسقاط النظام كهدف عملياتي، وبين كونه شعارا رمزيا لإسقاط آلية عمل النظام الحالي وطرقه، وبين رفض الاشتراط على laquo;الثورةraquo; بلاءات لا تتضمن هذا الشعار، والذي يعتبره الكثير من المحتجين الهدف الأساسي.
وتأتي الاختلافات في جوهرها من منطلق واحد وهو الحرص على البلاد بين مستويين من الضياع، الأول يخشى من استنزاف الدولة والآخر يخشى من خيبة الاحتجاج ونتائجها. ففيما يعتبر كثر أن السير وراء شعار laquo;إسقاط النظامraquo; يعني استنزاف دماء السوريين، وتدمير اقتصاد البلاد، وفتح الأفق أمام تدخل عسكري يأتي على كل ما بني وعلى مستقبل البلاد ويضعها أداة في يد الدول المتدخلة حتى مستقبل بعيد، يرى آخرون أن حصيلة القتلى التي انتهت إليها الأزمة حتى اللحظة (1400 الرقم الرسمي وفقا لكلام المستشارة الرئاسية بثينة شعبان نصفهم من العسكريين و2700 وفقا للأمم المتحدة) أن حصيلة القتلى وأساليب التعاطي مع الاحتجاجات، كما تركيبة النظام الحالي، تقفل الباب أمام أية فرصة لـlaquo;التعاونraquo; ولو laquo;ضمن إطار النديةraquo; لتحويل سوريا من نظام سياسي إلى آخر. وهي مسألة ستبقى جدلا على ما يبدو. ففي اجتماع المجلس الوطني الموسع دافع منسق هيئة التنسيق حسن عبد العظيم عن laquo;الاتهامات بعدم المطالبة بإسقاط النظامraquo; بالقول إن laquo;هدف الهيئة هو تفكيك النظام الاستبداديraquo; وذلك في مواجهة ممثلين عما يعرف بـlaquo;التنسيقياتraquo; الذين طالبوا برفع سقف الهيئة في هذا الاتجاه، علما أن laquo;التنسيقياتraquo; كجسم غير متجانس ولديها رؤى سياسية مختلفة.
كذلك عبر عن هذا الأمر صراحة معارضون بارزون ممن وضعوا لاءات في وجه الحوار مع السلطة، مبنية على اتخاذ إجراءات على مستوى الأزمة، من إطلاق سراح معتقلين وسحب الجيش والأمن من المدن والسماح بالتظاهر السلمي...الخ. ورد عضو المجلس الوطني الموسع المعارض (النابع من اجتماع هيئة التنسيق الوطنية) سمير عيطة على مطالبات laquo;إسقاط النظامraquo; كشرط إضافي لـlaquo;لاءات العنف والمذهبية والتدخل الخارجيraquo; بأن laquo;اللا الكبرىraquo; هي laquo;إسقاط النظامraquo;. وقال على صفحته على موقع laquo;فيسبوكraquo; الاجتماعي، laquo;حتماً الـلا الكبرى هي إسقاط النظام. والفرق بين الثورة والانتفاضة، هو أنّ الأولى تحمل مضموناً ومشروعاً وليس فقط شعارات. والتمسّك بقيم المضمون والمشروع ليست شروطاً... مع المحبّة والشراكة في الآلام والحلraquo; وذلك تعليقا على ما كان قد كتبه المعارض المتشدد ياسين الحاج صالح بضرورة laquo;عدم الاشتراطraquo; على laquo;الثورةraquo; باللاءات المذكورة، والتي يجب أن تقع laquo;تحت لاء كبرى هي الأساسية: لا للنظام، يعني إسقاط النظام، وإلا تصير هاللاءات اشتراطاً على الثورةraquo;. وهو أمر يعلق عليه عضو المجلس الكاتب المعارض منذر خدام في السياق ذاته أنه موجود في البيان الختامي لاجتماع المجلس الوطني، ولكن ليضيف laquo;بالمناسبة فإنني أدعو الأخ ياسين وغيره ممن يشتغلون في الحقل الفكري والثقافي أن يجيبوا عن السؤال كيف يمكن إسقاط النظام؟raquo;.
فيما قال المعارض البارز لؤي حسين لصحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo; إنه laquo;إذا كان علينا أن نختار بين أسوأ الشرَّين، فإننا سوف نختار المصالحة مع الرئيس. وسوف نتصالح ونغفر إذا كان ذلك هو ما يتعين علينا القيام به لحماية البلاد من الحروب الأهلية والانقسامraquo;.
وهذه مسألة لا تشغل بال المعارضة فقط. فوفقا لدبلوماسيين غربيين يتابعون الشأن السوري الداخلي بعمق فإن أية مؤشرات على سقوط النظام أو تخلخل بنيانه ليست ظاهرة للعيان. ويقول أحد الدبلوماسيين الأوروبيين لـlaquo;السفيرraquo; إن laquo;ثمة قناعة بدأت تترسخ بالحاجة لمراجعة أسلوب التعاطي مع الحدث السوري في أوروباraquo;، من دون أن يعني ذلك تراخيا من قبل دول الاتحاد الأوروبي، التي تقودها فرنسا في سياسة عدائية مع دمشق.
إلا أن الدبلوماسي ينبه إلى أن laquo;قراءة الواقع السياسي والميداني لا توحي بأن أياً من تجارب اليمن أو مصر أو تونس أو حتى ليبيا يمكن تحققها في سورياraquo;. ويضيف laquo;لم تحدث أي من الأمور التي كان يأملها البعض، من انشقاقات أو عصيان يمكنها التأثير في تحول الأحداث، لقد أبدى النظام تماسكا واضحاraquo;، معتبرا أن تقارير المشاهدات الأسبوعية للاحتجاجات التي تحررها السفارات بناء على لقاءات ومشاهدات من قبل عناصرها تشير أيضا إلى تراجع كبير في أعداد المتظاهرين.
ويبرر الدبلوماسي ذلك بالاعتقالات والعنف الذي جرى من جهة، وبتراخي laquo;روح الاحتجاجraquo; من جهة أخرى بسبب laquo;عدم تحقق نتائج فعلية على الأرضraquo; خلال ستة أشهر مضت.
إلا أن هذا ليس المقصود به الإعلان عن قرب نهاية الأزمة وفق تعليق لممثل عن دولة صديقة لسوريا في دمشق، حيث يقول لـlaquo;السفيرraquo; إن المعارضة تنقسم إلى قسمين بنظر حكومة بلاده laquo;الأول هم من أعداء النظام وهؤلاء لا يقبلون الحوار ويستخدمون السلاح ضد الدولةraquo; والثاني laquo;أصحاب الرؤى السياسية ودعاة التغيير بالحوار، وهؤلاء يجب إقناعهم بالحوار مع السلطة التي عليها أن تستجيبraquo;.
وقد قابل الوفد البرلماني الروسي وفدا من هذه الطبيعة خلال زيارته لسوريا.
التعليقات