اليمن و«قطار» صالح!

جميل الذيابي

اسمه اليمن وصفته بلاد العرب السعيد؟! يمن يرزح منذ أشهر بين laquo;عافيةraquo; التظاهرات والاعتصامات السلمية، وraquo;حمىraquo; المواجهات والاشتباكات والاعتقالات وحمام الدم، والأسباب بقاء علي عبدالله صالح بالسلطة. يخرج الرئيس صالح من البلاد جريحاً على ظهر طائرة إخلاء طبية سعودية ليطبب القلب والرئتين ويجمل الوجه واليدين من تفجير جامع laquo;النهدينraquo;، لكنه لا يتعلم ولا يصغي للنصائح السياسية والطبية. يبقى متشبثاً بالكرسي ويرفض تقديم مصالح البلاد والعباد على مصالحه الضيقة. يرى صالح أن أبناءه أولاً ورجالاته ثانياً وحزبه ثالثاً والشعب إلى الطوفان.

عام 2010 الخامل لا يشابه عام 2011 الحيوي النشط. المشهد laquo;البانوراميraquo; في البلاد العربية يتغير والشعوب يقظة مهما قدمت الحكومات من مبررات. الشعوب تتقدم بثقة نحو دكّ الحصون الرسمية وتفكيك القبضات الأمنية بهتافات جماهيرية حديدية عنوانها العريض laquo;الشعب يريد تغيير النظامraquo;. شعوب صبرت laquo;صبر أيوبraquo; حتى ملّ الصبر منها فقررت الوقوف بعزة في طوابير طويلة لإسقاط الأنظمة الدكتاتورية والانتفاض طمعاً في كسب الحرية. أنظمة راوغت كثيراً وظلت تراوغ مرة باسم الديموقراطية ومرة بادعاء الإصلاح والنتيجة النهائية لا ديموقراطية ولا عدالة ولا إصلاح ولا فلاح. فر زين العابدين بن علي سريعاً إلى جدة والفضل لأبو عزيزي. تنحى حسني مبارك laquo;قسراًraquo; بقرار من شباب ميدان التحرير بعد أن رتبوا الصفوف وقالوا سوياً: laquo;كلنا خالد سعيدraquo;. واجه الثوار الليبيون آلات القتل ومرتزقة القذافي وraquo;شوفينيةraquo; أبنائه وانتصرت عزيمة الرجال حتى أضاء ليل طرابلس عزة وكرامة ورائحة حرية واختفى القذافي ولم يبق له إلا صراخ الذليل. تحرك السوريون من درعا وجسر الشغور ليزعزعوا laquo;محمياتraquo; بشار الأسد ونظامه وأبواقه في دمشق. تحدوا laquo;الشبّيحةraquo; وهتّيفة الإذعان والتقديس في حزب البعث، وهو في طريقه ليواجه مصير laquo;القذافيraquo; والحتمية السوداء.

تواجه اليمن بلاد التاريخ والحضارة، أرض الجنتين، وحضارة سبأ، ومملكة معين، ومملكة حِمْيَر أياماً صعبة وقاسية بسبب laquo;استبسالraquo; صالح في البقاء على كرسي الرئاسة ردحاً آخر من الزمن. ويبقى الموقف الخليجي مما يحدث في الشقيقة اليمن لا ينتصر لرغبات الشعب وخياراته. ويعتقد البعض أن المبادرة الخليجية جاءت laquo;لرفع العتبraquo; حتى شاب أطفال اليمن من انتظار توقيع صالح عليها من كثر ما يرفضها ويقفز عليها وينهش في لحمها ويشرب من دمها. انه جنون التشبث بالسلطة على رغم مرور الرئيس بلحظات الموت واحتدام مواجهات السلاح يبقى مصراً على المراوغة، ويردد laquo;فاتكم القطارraquo;. في دولة بلا قطارraquo;، كما يقول على صفحته في laquo;تويترraquo; المغرد السعودي محمد العمر.

يحكم صالح اليمن منذ نحو 33 عاماً، لكنها لا تكفيه فهو لا يزال يتذاكى ويرفض الرحيل على رغم انه يترأس دولة جمهورية لا ملكية الحكم فيها للجماهير. يظن صالح أن اليمن laquo;محميةraquo; حصرية له ولعائلته، معتقداً أن اليمنيات لم ينجبن غيره، وان لا زعيم سيأتي بعده إلا من أبنائه أو حزبه لأن laquo;العداد لا يصفرraquo;.

إنها ببساطة لحظة الجنون والتفكير الأناني حتى لو اختنق نصف الشعب وقتل النصف الآخر. عاد صالح إلى صنعاء laquo;فجأةraquo; بحجة تدبير الأمور لكنه يخطئ إن كان يعتقد أن المتظاهرين اليمنيين سيعودون إلى منازلهم بعد أن رسموا أطول رسالة مطلبية مكتوبة بدماء الشهداء. يشعرك صالح بأن اليمن ضحية laquo;الثنائياتraquo;. ثنائية الوحدة والانفصال (شمال وجنوب). وثنائية القبيلة ضد المدنية. والأكيد أن صالح يخطئ أيضاً، فقد سالت دماء والثأر لا يموت في اليمن، خصوصاً أن البلاد دخلت منذ ثمانية أشهر في مرحلة ثورية مفصلية مهمة لن يقبل المتظاهرون معها بالعودة للوراء قبل أن يرحل صالح وأركان نظامه. أمنيات الأشقاء في دول الخليج أن يتجاوز الفرقاء في اليمن الأزمة الراهنة من دون تكاليف باهظة، لكن صالح لا يعترف بتلك الأمنيات ولا يصغي للمطالب الشعبية التي تزلزل الساحات في كل المحافظات اليمنية.

الأكيد أن الأيام المقبلة ستشهد انفجاراً كبيراً في الأوضاع اليمنية في حال تأخر صالح في التوقيع على المبادرة الخليجية واستمراره في المراوغة والمماطلة لكسب الوقت، ما يحتم على laquo;الخليجيينraquo; ممارسة ديبلوماسية نشطة ضاغطة تُرغم الرئيس على التنحي سريعاً لحماية اليمن ووقايته من خطر الانزلاق إلى حرب أهلية وتجنب البلاد الدخول إلى نفق laquo;المصير المجهولraquo; في دولة عمودها السلاح في بيت الصغير والكبير.