سوسن الأبطح


لم يجانب وزير خارجية سوريا وليد المعلم الصواب حين قال إن هناك جهات خارجية تسعى إلى laquo;فوضى عارمة تقود إلى تفتيت سورياraquo;. المعارضة السورية هي الأخرى لا تخفي مخاوفها الجمة، ليس فقط من خارج قد يتآكلها، وإنما من خلافات بينها تنهش لحمتها. ليسوا قلة هم ثوار الداخل الذين يقولون إن laquo;المعارضة السورية تمر بمرحلة مفصلية خطرةraquo;، وإن الانتهازيين، خاصة من معارضة الخارج، صاروا من الكثرة والقوة، بما يزعج أولئك الذين يدفعون دماءهم ثمنا لحرية قد تخطف منهم قبل أن يتنشقوا أنسامها. ولم يعد نادرا أن تسمع أحد الثوار يلفتك إلى laquo;الفرق بين شعارات التظاهرات اليومية التي تطالب بالحرية والكرامة، والخطاب السياسي الفج لمن يظنون أنهم باتوا زعامات على الناس، حتى قبل أن يسقط النظامraquo;.
بكلام آخر، البلبلة ليست في صفوف النظام وحده، فانقسامات المعارضة أشد وطأة على مستقبل سوريا وأدهى.
من ناحية، يقر قادة ميدانيون أن الجيش ليس على شفير انهيار قريب، لأن النظام كان قد احتاط منذ زمن بعيد لانشقاقات في الجيش وحضر سلفا خطة laquo;بraquo;، وهي التي يعمل وفقها الآن، وهو ما يجعله قادرا على تلقي الضربات لغاية اللحظة. 40 سنة من التخطيط للقبض على مفاصل السلطة من الصعب إنهاؤها في أيام أو حتى ستة أشهر، أي إن الثورة لن تفوز غدا، لكنها لن تتراجع أبدا، والاستنزاف مستمر.
لا يخفيك المعارضون، على مختلف انتماءاتهم، أن بعض التنظيمات الكردية هي وحدها التي تملك كيانا وحجما يمكن تقديرهما، أما ما تبقى فهي حركات وتنظيمات، وتكتلات، وليدة لا يمكن معرفة شعبيتها، في ظل القمع القائم. لكن المشكلة أن بعضها يدّعي ما لا يملك، وثمة من يعتقد أنه بات زعيما لحزب له كلمته.
الوضع دقيق ويحتاج الكثير من تواضع المعارضين. معارضة الداخل تحقق تنسيقا مقبولا، لكنه ليس كافيا فيما بينها، laquo;فثمة علمانيون إقصائيون ومتطرفون يرفضون الإسلاميين بشكل قاطع، رغم أن هؤلاء ليسوا قلة يمكن تجاهلها، والعكس بالعكس. وهذا يخلق فجوة كبيرةraquo; يخبرني أحد الإسلاميين الناشطين في الميدان. معارضة الخارج مشرذمة، يحاول بعض رموزها من منفاهم استغلال غضب الداخل ولو برفع شعارات مدمرة، مثل تدخل خارجي مسلح على غرار ما حدث في ليبيا. فيما يرى معارضون أقل تطرفا أن مراقبة من هيئات دولية للوضع القائم، لو أمكن فرضها على النظام، قد تكون معقولة لوضع حد لشراسة القمع ودمويته.
الخلافات مهما كانت جذرية، لا تمنع المعارضين السوريين من تسريع وتيرة تحركاتهم في كل اتجاه، فهم يتدفقون بأعداد متزايدة إلى لبنان وتركيا والأردن وسوريا ومصر، ويستخدمون كل وسيلة لاتصالات سياسية عربية ودولية. أمر تتلقفه دول غربية متعطشة بشدة لتمتين نفوذها مع معارضي اليوم وحكام الغد. لبنان بمربعاته الأمنية التابعة للطوائف التي يحتضن بعضها ثوار سوريا، بات نقطة مهمة للمعارضين رغم أنهم لا يشعرون فيه بالأمن الكافي. لبنان ليس آمنا صحيح، لكن فضاءه مفتوح على الإعلام، وسياسيوه المعادون للنظام السوري كثر، وعلاقاتهم الدولية يمكن استثمارها بخصب مغرٍ.
تصاعد صوت المعارضين، ولو كانوا مشرذمين، وتنامي دورهم دوليا، يقابله تصعيد عسكري على الأرض في المحافظات السورية الساخنة، وفي لهجة حلفاء سوريا في لبنان. الوزير السابق وئام وهاب، ناقل رسائل من الطراز الأول، ولم يتردد خلال مقابلة تلفزيونية معه منذ أيام أن يطلق إنذارات وتهديدات عسكرية، نيابة عن النظام السوري وحزب الله معا دون أن يغفل حماس. وبينما كان بعض المعارضين السوريين يطالبون بتدخل أجنبي، رد وهاب بأن أي صاروخ سينزل على سوريا من الأراضي التركية، سيقابله 100 ألف صاروخ تسقط على تركيا، وأي تدخل أجنبي غربي مسلح ضد سوريا سيعني سقوط 100 ألف صاروخ على إسرائيل، ليس من سوريا وحدها بل من لبنان وفلسطين أيضا. وتحدث وهاب بلهجة متحدية، عن خطة لجبهة الممانعة، تم الاتفاق عليها للرد الحاسم على ما سماه laquo;الظلم الذي تتعرض له سورياraquo; وفريقه الممانع بشكل عام.
السيناريوهات في كل الأحوال حالكة. استمرار الاستنزاف بين الجيش والثوار سيجعل التدخل الخارجي شبه محتوم، وهو حاصل بالفعل لكنه لم يبلغ بعد، مرحلة عسكرية لا يتمناها أحد.
ما يقوله المعلم عن جهات تتربص بسوريا شرا هو صحيح. والتنسيق الغربي، أميركي وأوروبي، مع معارضين سوريين من كافة التيارات، بمن فيهم السلفيون، لم يعد ينكره أحد، وهو بحد ذاته خطير. لكن وضع الشعب السوري المطالب بحقه في الحرية أمام حائط مسدود، وإبقاء الحياة السياسية مغلقة على من فيها، لن يترك للأحرار من المتظاهرين، والشرفاء من الغاضبين، سوى خيار رهن بلادهم للخارج لإسكات نيران رجال الأمن. والسيناريو الليبي قد لا يتكرر بحذافيره، لكن بطش الحكام يودي حتى بعقول الحكماء. وحده النظام السوري اليوم، في ظل تشرذم المعارضة، بمقدوره أن يقي سوريا شر المؤامرة الخارجية الجاهزة للتنفيذ، وينقذها من laquo;الفوضى العارمةraquo; التي يحذر منها المعلم.