مها بدر الدين


يبدو أن السيد نبيل العربي الأمين الجديد للجامعة العربية يود خلال فترة توليه الأمانة الجامعة العربية أن يترك بصمته الخاصة على تاريخ الجامعة ليذكر بها مستقبلاً، ويبدو أنه قد وجد في الأزمة السورية مسرحاً مناسباً لتطبيق رؤيته الخاصة بإيجاد مهام جديدة للجامعة العربية على أرض الواقع، لكنه بحنكته السياسية وخبرته الديبلوماسية لم يفطن أن هذا المسرح الذي اختاره لإخراج أفكاره هو مسرح دامٍ تسيل على خشبته كل يوم دماء الكثيرين من ضحايا سوء السيناريو والتمثيل والإخراج، ولم يعِ أن فصول مسرحية الجامعة العربية التي تتناول الواقع السوري والأزمة الدامية بين الشعب الثائر والنظام القاهر قد وصلت في تسلسلها الممل والرتيب إلى أسوأ فصولها السياسية، ذلك المتعلق بإرسال بعثة من شخصيات عربية تحت مسمى المراقبين العرب يترأسهم شخصية مريبة بنكهة سودانية تجمع في تكوينها الاعتياد على الولاء المطلق لأصحاب السلطة والإيمان بحق استخدام العنف في سبيل الإبقاء على هذه السلطة، فكان الدابي ممثلاً عربياً فاشلاً بامتياز في دوره الإنساني والحقوقي البحت والذي يعتمد أولاً وأخيراً على الحيادية والموضوعية والضمير، وهو ما يشك في توافره في هذه الشخصية ذات التاريخ المريب.
فمنذ اليوم الأول لوصول الدابي إلى دمشق وتصريحاته تعبر بصورة واضحة عن رؤيته المنحازة نحو النظام السوري بشكل مستفز يعطي انطباعاً قوياً عن التقرير الذي سيقدمه في نهاية مهمته الرقابية التي من المفترض أن تقيم التزام النظام السوري بشروط المبادرة العربية التي نصت أولاً على سحب المظاهر العسكرية والآلة الحربية من الشارع السوري التي تواجدت بشكل مكثف وظاهر للعيان عند زيارة المراقبين لأماكن الاحتجاج الساخنة سواء في حمص أو درعا، ومع ذلك يرى الدابي أن الوضع في حمص مطمئن ومريح رغم حدوث مجزرة حقيقية فيها عشية زيارته لها، بل أنه يشكك بشهادات بعض المراقبين الذين أكدوا تواجد القناصة على أسطح المنازل ورؤيتهم بأم أعينهم، ويصحح أقوالهم بطريقة تبدي تعاطفه مع النظام السوري وتأييده له أكثر مما تخفي.
لقد كان لوجود بعثة المراقبين العرب على الساحة السورية مبررها الذي نص عليه ذلك البروتوكول المشهور كأول بروتوكول يختص بأول مهمة رقابية للجامعة العربية في معالجتها للأزمات العربية، ولعل من سوء حظ السوريين أن تعالج أزمتهم عربياً ضمن نطاق الجامعة العربية بالروح نفسها الإدارية التي تتبعها الجامعة منذ تأسيسها في إدارتها للأزمات العربية، ومن سوء حظهم أيضاً أن تختار قضيتهم بالذات لتكون حقلاً تجريبياً لأفكار العربي ولاختبار قدرات الجامعة في مهامها الجديدة التي ابتدعها أمينها العام.
وعلى افتراض حسن النوايا، وأن العربي يريد حلاً عربياً خالصاً للأزمة السورية، وأنه يقدم المبادرات والبروتوكولات لعدم تدويل القضية كما حدث في ليبيا، إلا أنه كان عليه أن ينتبه إلى أن الوضع في سورية مختلف عن أي بلد عربي آخر، فالنظام السوري تأسس أصلاً على مبدأ العنف والتصفية الدموية للمعارضة وفاق أقرانه جميعاً بدمويته وعنفه ورفضه لحوار العقلاء، ويعتبر الهدف العقيدي للنظام السوري وحلفائه الإيرانيين وغيرهم من التابعين مسألة وجود وكيان يستميت في سبيل تحقيقه ويدفعه للبطش بكل من يقف في وجه هذا الهدف الذي خطط له منذ عقود طويلة ولو على حساب نصف الشعب السوري، كما أن سخونة الأحداث ودمويتها وسرعة حدوثها لا تتناسب البتة مع بطء الخطوات التي تمشيها الجامعة العربية نحو الحل الحاسم لهذه القضية، التي يسقط فيها كل عشرين دقيقة شهيد من الشعب السوري المحتج والرافض لبقاء السلطة والنظام في الحكم بعد أن أراق الدماء واستباح الأعراض وقطع الأعناق ومنع الأرزاق، وهو ما لا تفيد معه مهل أو مبادرات أو بروتوكولات.
وما زاد الطين بلة، أن هذا الفريق من المراقبين العرب ينتمي معظم أعضائه إلى دول مؤيدة للنظام وبالتالي يفتقدون إلى أهم صفات المراقبين في الموضوعية والحيادية وهو ما أكدته تصريحات رئيس البعثة، كما أن إمكاناتهم اللوجيستية شبه المعدمة تؤكد أن إرسالهم ليس لتوثيق الحقائق والتدقيق في مجريات الأحداث والتأكد من تطبيق المبادرة العربية التي ذهبت بنودها مع الريح، بل لإعطاء النظام السوري فسحة من الوقت لسفك مزيد من الدماء وبعث الرعب في قلوب المواطنين في محاولة لثنيهم عن المضي قدماً في ثورتهم، وعودتهم إلى بيوتهم مرة أخرى عبيداً لبشار الأسد وعصابته، وما استمرار مسلسل القتل في ظل وجود هذه اللجنة دون إبداء الاعتراض أو تقديم تقرير يفيد باستمرار العنف من طرف واحد وعدم تنفيذ النظام لبنود المبادرة سواء من ناحية وقف قتل المتظاهرين وقصف المدن وعدم إخلاء سبييل المعتقلين، إلا دليل على عدم صدق النوايا تجاه الشعب السوري وقضيته المصيرية.
من هنا يبدي الشعب السوري توجساً من هذا الفريق ومرسله، ولعل طلب السيد الدقباسي رئيس البرلمان العربي من الجامعة العربية سحب وفدها من المراقبين يعبر بشكل مباشر عن رغبة الشعب السوري الثائر الذي فقد الثقة بالجامعة العربية وأمينها العام لإصراره على استئصال المرض السياسي الخبيث في الجسد السوري بقطرة عين أو خافض للحرارة، وهو ما يحوّل مهمة المراقبين في متابعة الحالة السورية إلى مهمة مستحيلة يصعب القيام بها لسوء تشخيص الحالة وعدم إدراك حجم السرطان الأسدي وقلة الإمكانات العربية لاستئصال هذا المرض الخبيث والمستشري في الجسد السوري.
لقد تحمل الشعب السوري تبعات هذه المسرحية العربية الهزلية بكل فصولها، مراهناً على النهاية السعيدة التي تنتهي عليها عادة كل الأفلام والمسرحيات العربية وتمنى أن يخرج في آخر العرض ضاحكاً منتشياً، لكن يبدو أن نبيل العربي مخرج المبادرة العربية يصر على كسر القاعدة هذه المرة لتكون النهاية تعيسة ودموية بما يكفي لتخليد ذكراه في تاريخ الشعوب كأسوأ أسلوب في التمثيل والإخراج.