إعداد: عمر عدس

يشير الكاتب، جاك راندوم، ضمن مقالة في موقع ldquo;ديسيدنت فويسrdquo; (30-12-2011) إلى أن الولايات المتحدة تبني حروبها على مبررات مختلقة، وقد فعلت ذلك، في فيتنام، وفعلته في العراق، وقد تفعله الآن مع دول أخرى . ويطالب الكاتب باستخلاص دروس تلك الحروب، ابتغاء تجنب التورط في غيرها .

يقول الكاتب، إن أكاذيب الحرب تُنسى بسهولة ويُسْر مثلما الأمور الثانوية التافهة، على الرغم من أنه يجب مراجعة دروس الحرب المرة تلو الأخرى إلى أن نستوعبها ونأخذها بالجدية اللازمة .

وأكاذيب الحرب في العراق، تُطمَر ببساطة، حتّى إن ستة من المرشحين الجمهوريين السبعة للرئاسة الأمريكية، تعهّدوا علناً بالذهاب إلى الحرب في ايران، بناءً على ادعاءات غير محققة، مماثلة للادعاءات التي قادت إلى الحرب في العراق . وقد رمينا دروس تلك الحرب المشؤومة التي تشكل أكبر خطأ استراتيجي منذ حرب فيتنام، خلف ظهورنا، بكل سهولة إلى حدّ أن ستة من المرشحين الجمهوريين، تعهدوا حتى قبل أن تنتهي تلك الكارثة الهائلة رسمياً، بالولاء للزمرة ذاتها من المستشارين والمخططين المحافظين الجدد الذين قادونا إلى الفوضى والخراب . وليس البيت الأبيض عن ذلك ببعيد .

ويذكّر الكاتب بالأكاذيب التي مهدت السبيل أمام شن الحرب في فيتنام، فيقول: إن الفرية التي حرّكت حرب فيتنام، هي ما سمِّي يومئذٍ بrdquo;نظرية الدومينوrdquo;: التي ادّعت أننا لو خسرنا دولة واحدة وتركناها لسيطرة الشيوعية الحمراء، فسوف نخسر الدول جميعاً . وعلى أساس ذلك، اختارت ثلاثة أجيال من الدول الغربية (وهي بريطانيا، وفرنسا، وأمريكا) دولة صغيرة على أعتاب الصين ميداناً لحربها .

وقد تطلب الأمر إزهاق أرواح أكثر من ثلاثة ملايين إنسان، لإثبات أن لعبة أطفال، لا يمكن أن تكون أساساً مشروعاً لسياسة خارجية . وقد بدت منطقية لا لشيء، سوى أنها تصلح أن تكون ملصقاً على مَصدّ سيارة خلفي، وأن زعماءنا خاضعون لهيمنة العقليات العسكرية الباحثة عن السلطة، والمجد وغنائم الإمبراطورية .

وكانت أكبر كذبة بعد حرب فيتنام، هي الزعم بأننا خسرنا الحرب لأننا لم نكرّس لها كل طاقاتنا . وأن الساسة في واشنطن كبحوا الجنرالات وأعاقوا عملهم .

ويدحض الكاتب ذلك قائلاً: لقد ألقينا ما بين سنتي 1956 و1968 أكثر من مليون طن من القذائف، والقنابل والصواريخ، على فيتنام الشمالية، ولاوس وكمبوديا ورششنا 12 مليون غالون من المواد الكيماوية السامة فوق مساحات شاسعة من جنوب شرقي آسيا، وفي ذروة الحرب سنة 1968 نشرنا أكثر من نصف مليون جندي، بمن فيهم المجندون الأوائل منذ الحرب الكورية، فكيف يستقيم كل ذلك، مع الزعم بأننا لم نكرس للحرب كل طاقاتنا؟

وباستثناء القنابل النووية، خصصنا لتلك الحرب غير المبررة ما كانت ستخصصه لمثلها أي دولة أخرى، ولكنّ أكاذيب الحرب استمرت مع ذلك، واكتسبت سماتٍ خرافية، وغدا تصديقها من شعائر حبّ الوطن .

ولا عجب في أننا نرتكب الأخطاء الاستراتيجية ذاتها، وسوء الحكم على الأمور ذاته، ونقترف الأعمال الوحشية الإجرامية ذاتها، ونتخذ الإجراءات المتهورة والمدمرة للنفس، ذاتها، ونفعل ذلك المرة تلو المرة .

ويضيف الكاتب قائلاً: في أعقاب حرب فيتنام، كان الزعماء الأمريكيون يكتفون بتدخلات محدودة النطاق، إلى أن جاء جورج هربرت ووكر بوش، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، وحاك مكيدة شن الحرب في العراق . وعلى الرغم من أن حرب الخليج لم تدُم طويلاً، فإن نجاحها العسكري أوحى للرئيس بوش أن يعلن قائلاً: ldquo;لقد دُفن شبح فيتنام إلى الأبد في رمال صحراء شبه الجزيرة العربيةrdquo; .

ولم يدُم ldquo;الأبدrdquo; مدة طويلة، لأن ابن بوش البكر، شرع في حربين أعادتا شبح فيتنام إلى بؤرة الضوء . وكانت إحداهما الحرب الدائرة منذ عشر سنوات في أفغانستان، والثانية العودة إلى حرب والده في العراق .

وقلة من الناس سوف تسترجع في ذاكرتها أكاذيب الرئيس الأب، ولكن أكاذيب الابن ماتزال ماثلة في الذاكرة لقرب عهدها . وهي لا تتضمن وحسب، فضيحة أسلحة الدمار الشامل، بل كذلك الادعاء اللاحق بأن العالم جميعه صدّق الكذبة في نهاية المطاف . وفي واقع الأمر، كنا قد خسرنا الدعوى أمام مجلس الأمن لتبرير القيام بعمل عسكري بحجة وجود أسحلة دمار شامل في العراق . فالوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفضت ادعاءاتنا رفضاً تاماً، وتم سحب الإجراء عندما غدا واضحاً أن المجلس سوف يصوّت ضدّ دعوانا إلى الحرب بصورة ساحقة .

وقد ادعى أعضاء في إدارة بوش كذباً أن العراق كان متواطئاً في هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 الإرهابية . وادّعوا كذباً أن العراق كان يؤوي عملاء من حركة القاعدة ويعمل معهم . وكانت هذه الادعاءات بادية الزيف، إلى حدّ أن الرئيس بوش ذاته اضطر إلى التنصل منها في نهاية المطاف . ويتابع الكاتب قائلاً: إن أكاذيب الحرب قد أوفت بالغرض . فما إن أضاءت أولى القنابل سماء بغداد، حتى أصبح تأييد الحرب مسألة تتعلق بالوطن وحب الوطن .

وكانت الكذبة التالية، هي الزعم بأن ما قمنا به لا يتعلق بالنفط العراقي، بل يهدف إلى إقرار الديمقراطية في العالم العربي . وقد انفضحت تلك الفرية عندما كان أول ما فعلناه، هو حماية حقول النفط، وقبل إمكان تشكيل حكومة عراقية بوقت طويل، تعاقدنا على النفط العراقي من خلال كبريات الشركات النفطية . وهكذا تم إنجاز المهمة .

ويقول الكاتب، إن أكاذيب الحرب ليست عسيرة على الكشف، وكل ما يتطلبه كشفها، عقل متفتح، وشهية للحقائق، ورغبة في التفكير .

ويضيف قائلاً: إن أكاذيب حرب العراق سوف تعيش وتعمّر ما لم يسلّم بالحقيقة ويلتزمْ بها، ويتعهد بتمرير الرواية المروعة للأجيال القادمة، كل مَن كان شاهداً منّا على تلك الأكاذيب، من الجنود الذين بذلوا التضحيات، إلى المواطنين الذين أيدوا الحرب والذين عارضوها .

ويقول الكاتب، إن بوسعنا أن نشعر بالامتنان لأن رئيساً انتُخب بناءً على وعده بإنهاء حرب العراق، قد التزم بهذا الوعد رسمياً، ولكننا لا نغفل عن أنّ ألوفاً من المرتزقة الذين استأجرتهم أمريكا باقون في العراق لحماية أكبر سفارة دبلوماسية على وجه الأرض .

ويضيف الكاتب قائلاً: إننا نتفهم في هذه المرحلة، أنّه لا يستطيع الاعتذار عن الأذى الذي ارتُكب باسم أمتنا .

ونتفهم الحكمة الكامنة في الفصل بين الحرب وبين المحارب .

ونعلم أن الرئيس لا يستطيع أن يصارح جنودنا بأنهم كانوا يخوضون حرباً خاطئة لأسباب خاطئة .

ولكنْ عندما يعلن الرئيس أننا خلقنا فرصة للعراقيين لكي يترعرعوا ويزدهروا كدولة ديمقراطية، فهو لا يكون مخادعاً وحسب، بل إنه يديم أكاذيب الحرب ويخّلدها . وإذ يعلن الرئيس أن قتالنا في العراق كان في سبيل الحرية العراقية والعدالة الدولية، فإنه يمهد الطريق أمام حرب ظالمة أخرى في مستقبل أمريكا، وهو يحاول دفن شبح فيتنام .

ينبغي علينا أن نتفق جميعاً على أن حرب العراق كانت خاطئة من بدايتها . إنها لم تكن من أجل الديمقراطية في يوم من الأيام، ولا من أجل العدالة، بل كانت دائماً من أجل النفط والمصلحة الاستراتيجية .