علي العنزي


أنهت إيران مناوراتها البحرية التي أطلقت عليها laquo;الولاية 90raquo;، الأسبوع الماضي، مرسلة الكثير من الرسائل إلى المجتمع الدولي، خصوصاً الغربي منه، حول تلك المناورات وأهدافها السياسية والديبلوماسية منها، إذ قامت القوات البحرية الإيرانية باستعراض قدراتها التعبوية والتسليحية على مدى عشرة أيام، مع تغطية إعلامية ملاحظة، جعلت المراقبين والمحللين يستنتجون أن هذه المناورات، وفي هذا الوقت بالذات، جاءت نتيجة عوامل وضغوط خارجية على إيران، لذلك أرادت من هذه المناورات أن ترسل الكثير من الرسائل السياسية إلى الأطراف ذات العلاقة بالشأن الإيراني، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.

ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، فقد كانت الضغوط الغربية تزداد، بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي صدر قبل نحو أكثر من شهر، ومن ثم بدأت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية التفكير في مقاطعة وحصار قطاع النفط الإيراني، وهو ما يحرم إيران من 70 في المئة من دخلها القومي، إذ يمثل قطاع صناعة النفط والغاز نسبة كبيرة من روافد الاقتصاد الإيراني، ويذهب جزء لا بأس به منه إلى دول الاتحاد الأوروبي، لذلك مناقشة فكرة مقاطعة النفط والغاز، سواء على مستوى أممي، أو على مستوى أحادي، أربكت صنّاع القرار الإيراني، خصوصاً إذا فُرِضت عقوبات على الشركات التي تتعامل مع إيران، وهو ما تخشاه الشركات غير الأوروبية أو الأميركية، لذلك نرى أن إيران أرسلت رسالة، خلال المناورات، عبر مستشار الأمن القومي جليلي، إلى الدول المعنية بالملف النووي (5+1) أنها مستعدة للتفاوض، وفي الوقت نفسه أعلنت أنها أنتجت أول قضبان للوقود النووي، نسبة تخصيب اليورانيوم هي 20 في المئة، لاستخدامه في مفاعل طهران للأبحاث الطبية، ما يجعل لديها ورقة ضغط حول التخصيب الذي اتفق عليه سابقاً مع تركيا والبرازيل، ورعته روسيا، بأن يكون خارج إيران، ولذلك يعتبر في حكم الملغي، ومن الممكن أن يُعيد نقاط التفاوض بين الطرفين إلى نقطة الصفر.

بالنسبة لقرارات العقوبات الأميركية والأوروبية على إيران فإنها بدأت تتسارع، على رغم أنها أحادية وغير أممية، لكن لها تأثيراً على المستويين السياسي والاقتصادي على المدى البعيد، وهي خطوة أولى نحو خطوات أخرى، تزيد الضغط على الإيرانيين، خصوصاً ما يتعلق بالعقوبات على البنك المركزي الإيراني، والقرار الذي وقعه الرئيس باراك أوباما السبت الماضي، الذي يتضمن قانوناً لتمويل وزارة الدفاع لتشديد العقوبات على القطاع المالي الإيراني، بهدف دفع طهران إلى التخلي عن برنامجها النووي الذي يصب في هذا الجانب. ويسمح القانون الجديد لأوباما بتجميد أرصدة أي مؤسسة مالية أجنبية تقوم بتبادل تجاري مع البنك المركزي الإيراني في قطاع النفط، على رغم أن القرار فيه الكثير من النقاط التي تُعطي للرئيس المجال لعدم تفعيله، لكن واضح أن القرار سوف يكون له صدى في القيادة الإيرانية، وهو ما جعل الرئيس الإيراني أحمد نجاد يطلب من مسؤولي البنك المركزي الإيراني الرد بقوة على القرار الأميركي، علماً بأن كل الخبراء والمحللين يتفقون أن القرار الأميركي سوف يكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد الإيراني، علماً بأن الاتحاد الأوروبي يفكر في فرض حظر على النفط الإيراني كذلك.

لقد كانت المناورات، التي قامت بها البحرية الإيرانية، استعراضاً للجانب العسكري، إذ أجرت الكثير من الاختبارات لأسلحتها الجديدة التي أطلقت عليها أسماء معينة، وعرضت مداها الذي يتراوح بين 35 و200كم، وقوتها التدميرية، التي تدعي المصادر الإيرانية أنها تستطيع تدمير أي سفينة تستهدفها هذه الصواريخ، وبغض النظر عن حجم الهدف، ولذلك شهدت هذه المناورات تغطية وحملة إعلامية نفذتها القيادة الإيرانية لإرسال ما تريده القيادة السياسية، رداً على تهديدات الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات وحصار على النفط الإيراني، ووصلت هذه التهديدات والاستعراض إلى حد التهديد بإغلاق مضيق هرمز الحيوي للملاحة الدولية، ردت فوراً الولايات المتحدة الأميركية بأنها لن تسمح لإيران بالتحكم أو الإغلاق لمضيق هرمز.

لقد اتخذت إيران هذا الطابع من المناورات، وبهذا الحجم، وهذه التغطية الإعلامية المكثفة، تماشياً مع التطورات الإقليمية، كالانسحاب الأميركي من العراق، وما خلفه من تطورات سياسية في البلد، تمثلت في بداية صراع سياسي - طائفي بين الكتل العراقية، ومحاولة من حلفاء إيران للاستئثار بالسلطة بعد الانسحاب الأميركي، والبدء بترتيب الأوضاع السياسية، بحسب ما يريدونه، وهو ما جعل الكثير من المراقبين والمحللين يعتقدون أن مذكرة اعتقال نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي تصب في إطار تصفية الحسابات والسيطرة الطائفية على البلد، وكذلك عزل نائب رئيس مجلس الوزراء صالح المطلك، ومن ثم محاولة اغتيال وزير المالية رافع العيساوي، ما يهدد باندلاع حرب أهلية في العراق، لن يستفيد منها إلا أعداء العراق والمتربصون به، كما أن تطورات الأوضاع في سورية تضغط على إيران لاستعراض أوراقها، إذ تخشى أن تخسر حليفاً استراتيجياً في المنطقة العربية، وبوابتها إلى لبنان، لذلك يمكن أن تكون المناورات البحرية الإيرانية، واستعراض القوة هي أيضاً أحد الأهداف الإيرانية من هذه المناورات.

إن المناورات البحرية الإيرانية التي أطلقت عليها laquo;الولاية 90raquo;، واستعرضت فيها كل ما تريد استعراضه، من أسلحة ورسائل سياسية وإعلامية، لن تثني الغرب عن الضغوط التي يمارسها على إيران، لأنه متأكد من محدودية قدرة إيران على مواجهته وإغلاق مضيق هرمز، علماً بأن هذه التهديدات المتبادلة بين الطرفين لن توصلهما إلى المواجهة العسكرية، على رغم كل التصريحات والتهديدات المتبادلة التي صدرت من الجانبين. أما ما يتعلق بدول مجلس التعاون الخليجي، فمن حقها القلق من هذه المناورات ومن زيادة التوتر في الخليج، الذي تسهم إيران فيه بطريقة مباشرة، وكذلك من حقها أن تقلق من برنامج إيران النووي، الذي أصبح مصدر قلق لدول الخليج وشعوبها وللمنطقة العربية كاملة، لذلك على دول مجلس التعاون الخليجي أن تواصل مشوارها الاتحادي والتوجه نحو الفيديرالية التي اقترحت في قمة الرياض الخليجية الأخيرة، وبتسارع، وبناء قوة عسكرية خليجية موحدة، لمواجهة كل التطورات في المنطقة، وعدم الاستكانة إلى التطمينات الإقليمية والدولية.