الدوحة - محمد المكي أحمد
قال المراقب الجزائري أنور مالك، الذي انسحب من بعثة الجامعة العربية في سورية، إن بروتوكول الجامعة في شأن سورية laquo;لا يمكن تطبيقه على الأرضraquo;، واعتبر أن laquo;تقارير المراقبين تقتل السوريينraquo;.
وحذر من أن laquo;النظام السوري استغل مهمة المراقبين لتحضير نفسه لمرحلة أكثر دموية، وإذا لم تسحب البعثة سيواجه العرب كارثةraquo;، لافتاً إلى أن laquo;سورية تتجه نحو الحرب الأهلية إذا بقي المراقبونraquo;.
وذكر أن laquo;منطقة بابا عمرو في حمص لا تستطيع الحكومة دخولها إلا بالدباباتraquo;، وقال إنه التقى laquo;قادة من الجيش الحر في بابا عمروraquo;، لافتاً إلى أنه laquo;لا يوجد إرهاب بل ثورة شعبية مدنية، وعناصر الجيش الحر لا تقوم بالهجوم، بل بالدفاع عن الناسraquo;.
وقال مالك في مقابلة مع laquo;الحياةraquo; بعد مغادرته سورية الثلثاء ووصوله إلى قطر laquo;انضممت إلى بعثة المراقبين بعد متابعتي لأحداث الثورة السورية. وبعد وصولي عقب اطلاعي على بروتوكول الجامعة الذي نص نظرياً على إيقاف العنف وإطلاق المعتقلين وسحب الآليات العسكرية والسماح بدخول الإعلام المستقل، ترسخت لدي قناعة مفادها أنه من المستحيل تطبيق البروتوكول على أرض الواقع لأن النظام متمسك ببقائه ولو على جثث الأطفالraquo;.
وعن مشاركته في عملية المراقبة قال: laquo;في اليوم الأول رافقت رئيس بعثة المراقبين الفريق أول محمد أحمد مصطفى الدابي إلى بابا عمرو، ووجدنا مدينة حمص خاوية مدمرة لا علاقة لها بالحياة. وبعدما رآنا الناس خرجوا من بيوتهم وصار عددهم بالآلاف في دقائق معدودة وبدأوا يهتفون بإسقاط النظام، ومنهم من قال إنه مكث داخل بيته أسبوعين أو ثلاثة أسابيع لأن القناصة موزعون في مناطق تحيط بمنازلهمraquo;. وأضاف: laquo;زعزعتني المشاهد الأولى عندما رأينا الجثث التي سقطت بعمليات قنص، وحتى أكون موضوعياً أقول إنني لم أشاهد عملية قنص، لكن شاهدت قناصة على أسطح عمارات. ووجدت عسكريين أمام عمارة وكان هناك ملثمون على سطحها، وهذا يؤكد أنهم تابعون للنظامraquo;.
وقال إنه قرر تجميد دوره في بعثة المراقبة والمغادرة الخميس الماضي laquo;عندما شاهدت جثة منزوعة الجلد لأسير كان في المستشفى وقتل بعد تعرضه لتعذيبraquo;، وتابع: laquo;اعترفوا أنه مات بسبب إصابات، وكان حياً عندما أخذوه إلى المستشفى وكان أصيب بنزف شديد وماتraquo;. وأضاف: laquo;لقد نزعوا جلده، وأصيب بنزف شديد، نزعوا جلده من أماكن حساسة جداً في جهازه التناسلي بغرض التعذيب. لا أستطيع وصف ما رأيت. كان المشهد صعباً وفظيعاً جداً. رأيت أمه وهي عمياء فاقدة البصر تحتضنه وتقبله وتبكي، وتقيأت في تلك اللحظةraquo;. وتابع: laquo;كان هناك مشهد آخر تناقلته فضائيات لطفل عمره ست سنوات جرى قنصه وكنت أصوره بالكاميرا، وقد حملوه ميتاً. وهناك أطفال تعرضوا للقنص وبيوت مهدمة. وشاهدت أشخاصاً لا يجدون لقمة يأكلونها أو خبزاً يابساً فبكيت. لا أستطيع أن أتجرد من إنسانيتي وأنا أرى تلك المشاهدraquo;. وأضاف: laquo;بسبب مشاهدات على الأرض على مدى 15 يوماً قضيتها في سورية كتبت على فايسبوك وأنا في سورية، وأعلنت انسحابي من بعثة المراقبين. فليس من الرجولة أن أصمت هناك وأتكلم بعد المغادرة، تكلمت في الداخل، وجمدت عملي يوم الجمعة الماضي وحتى مغادرتي الثلثاء. ولم ألبس زي المراقبين إلا عندما تعرضنا لمحاولة اغتيال في منطقة جسر قرب بابا عمرو، وكانت محاولة مخططة، لأنهم كانوا يعرفون أنني سأغادر سوريةraquo;.
وزاد أن بعض المراقبين غادروا أيضاً، مشيراً إلى المراقب المصري أحمد عبدالله خليل، والجيبوتي محمد حسين عمر الذي سحبته منظمته التي أوفدته، إضافة إلى مغربي وتونسي وسوداني وآخرين. وأضاف أن laquo;هناك شرفاء يريدون المغادرة حتى لو كانت أوفدتهم حكوماتهمraquo;، مؤكداً أن laquo;المراقبين يعيشون في رعب حقيقي ومن دون استثناءraquo;.
وتابع: laquo;تعرضت لمضايقات وتهديدات بالقتل عبر الهاتف من ضباط قالوا لي: لن تغادر سورية حياً. كما تعرضنا لعملية اغتيال أثناء مغادرة حمص وأصيبت سياراتنا بإطلاق نار ما أدى لتعطيلها. كنا داخل سيارتين وكان معنا بعض المراقبين في طريقهم إلى دمشق لإحضار احتياجاتraquo;. وأوضح: laquo;حتى المرافقين أخذونا إلى بابا عمرو وليس إلى دمشق حتى يقنعونا بعدم المغادرة. ومعلوم أن مغادرة سورية تتم من دمشق لا من بابا عمروraquo;.
وتابع: laquo;أبلغني أستاذ في جامعة سورية تطل على الجسر الذي رمونا فيها بالرصاص أنه شاهد القناصة على مدى ربع ساعة يجهزون أنفسهم لإطلاق النار على سيارة المراقبين، وكانت لديهم معلومات مسبقة أننا سنغادر عبر ذلك الطريق. إنها محاولة اغتيال، ونجوت بحمد اللهraquo;.
وتابع مالك: laquo;غادر معي مراقبان مصري وجيبوتي كما غادر آخرون. أرادونا كومبارس. هم لا يقولون لنا لا تذهبوا إلى هذه المنطقة أو تلك، ويرحبون باقتراحاتنا في شأن تحركنا إلى مناطق سورية، لكنهم يطالبوننا بالانتظار حتى يتم تجهيز السيارات والحراس والضباط المرافقين. وقبل تحركنا نجتمع مع المحافظ في المساء ونبلغه بأننا نريد التوجه إلى مكان نحدده. ولأنهم يعرفون مواقع تحركنا يطلق الجيش علينا الرصاص، ولا يستهدفوننا مباشرة لكنهم يطلقون النار أمامنا حتى لا نواصل السير إلى الأمامraquo;.
ولفت مالك إلى أنه يتم تغيير أسماء الشوارع بإطلاق أسماء أخرى عليها للتمويه، كما يُنقل المراقبون إلى laquo;أحياء موالاة ويتم إغراقنا في مشاكل هامشية. ونجلس مثلاً للاستماع إلى محاضرات تلقى علينا لمدة ربع الساعة عن العروبة والقومية ودور سورية القومي، وهكذا يأتي أكثر من شخص ويلقي محاضرات على أسماعناraquo;.
وشدد في هذا السياق على أن laquo;النظام السوري استغل مهمة المراقبين لتحضير نفسه لمرحلة أكثر دموية مستقبلاً، وستبدأ تلك المرحلة مباشرة بعد رحيل المغادرين، والآن يتم تجميع معلومات عن الأشخاص الذين التقيناهم، لأن هواتفنا مراقبة ونحن نتواصل مع الطرف الآخرraquo;. وأضاف: laquo;هواتفنا وغرفنا مراقبة وتوجد داخلها كاميرات سرية. والمراقب ينام في غرفته ويعرف أنه على الهواءraquo;، وزاد: laquo;خضعنا لمراقبة تامة حتى أنفاسنا. ولا أستبعد أن يخرجوا مكالماتي الشخصية مع زوجتي على يوتيوب، أو إخراج صوري وأنا في الغرفةraquo;.
وقال مالك إن مهمة المراقبين laquo;تبدو مهمة من ناحية نظرية لكنها مستحيلة التطبيق على أرض الواقع، وهي تعطي النظام فرصاً أكثر حتى يستأسد على الشعب الأعزل. وهناك فقراء جداً جداً، وبابا عمرو أبسط مما تتخيلraquo;.
وأضاف أن laquo;منطقة بابا عمرو لا تستطيع الحكومة دخولها إلا بالدبابات. ودخولنا إليها تعطي دليلاً على أن البروتوكول ميت، إذ يقولون إن حمايتنا تتحملها الدولة، لكن بابا عمرو ليست خاضعة للدولة. فالأمن السوري يذهب معنا إلى منطقة معينة ثم يقول لنا: أذهبوا هنا انتهى دورنا وغامروا بأرواحكم وأنتم أحرار ونحن لا نتحمل المسؤوليةraquo;. وتابع: laquo;وإذا لم نذهب إلى بابا عمرو أو باب السباع أو السلطانية يقال إننا لم نفعل شيئاً. هذا دليل آخر على أن البروتوكول ميت، وصار أعمىraquo;.
وهل وفرت الجامعة العربية أدوات العمل للمراقبين قال: laquo;هناك نقائص كثيرة. وكنا نتواصل مع المعارضة بهواتفنا الشخصية وهي مراقبةraquo;.
ووجه مالك رسالة إلى الجامعة العربية بأن laquo;لا تأخذ بالكلام الذي يأتي به رئيس فريق بعثة المراقبين (الفريق أول ركن) محمد الدابي، لأن التقارير كتبها رؤساء فرق. ونحن المجموعات (المكونة لفرق المراقبة) لا نطلع على ما يكتب من تقارير مطلقاً. وعندما اطلعت بعد ثلاثة أيام على نسخ من تقارير أرسلتها فرق مراقبين تعجبت، إذ أن لا صلة لها بالواقع. ولذلك على الجامعة أن تراجع بعثة المراقبين في شكل نهائي، والأفضل أن تسحبها، لأن البعثة تساهم في قتل مدنيين وليس حمايتهمraquo;.
وأوضح أن غالبية رؤساء فرق المراقبين الذين يكتبون التقارير اختارتهم حكوماتهم laquo;ولا يوجد بينهم واحد من الحقوقيين المستقلين أوكلت إليه أدنى مسؤولية. وكلهم تابعون لدولهم، وهم ضباط استخبارات وسفراء وقلة من الحقوقيين الحكوميينraquo;، وتابع: laquo;أنا لا أشكك في زملائي المراقبين الذين عشت بينهم لفترة. هم شرفاء لأبعد الحدود ويرفضون ذلك الوضع. لكن القيود تأتي من دولهم ويصعب عليهم تجاوزهاraquo;.
وزاد مالك: laquo;لم نطلع على تقارير الدابي ولا نعرف شيئاً عنها، وفوجئنا بأمور عدة. وإذا لم تسحب البعثة سيواجه العرب كارثةraquo;. وأشار في هذا الإطار إلى أن laquo;الدابي يتعامل معنا تعامل الجنرال مع عسكريينraquo;.
وحذر من أن laquo;سورية تتجه نحو الحرب الأهلية إذا بقيت بعثة المراقبين. فالنظام يقوم بحقن طائفيraquo;. وأضاف: laquo;شاهدت جثة عقيد متقاعد من الطائفة المسيحية قتل بطلقات متفجرة. وأؤكد أن النظام السوري يقتل من الطائفة العلوية والطائفة المسيحية من أجل دفع الطائفتين إلى الوقوف معه، وهو يرى أنه من دون ذلك سينهارraquo;.
من جهة أخرى، قال مالك: laquo;التقيت قادة من الجيش الحر في بيت مهجور، بينهم عبد الرزاق طلاس ومجموعة ضباط في منطقة بابا عمرو. ولا يوجد هناك مدني يحمل سلاحاً إلا عناصر محدودة تم قبولها للعمل مع الجيش الحر، لأن أغلب أعضاء الجيش الحر هناك غرباء من مناطق أخرى في سورية ويحتاجون لأشخاص يساعدونهم في التعرف إلى من يدخل ويخرج من الناس. والمدني الذي يعمل مع الجيش الحر يخضع لقوانينهraquo;.
ونفى مالك وجود laquo;جماعات متطرفةraquo; يتحدث عنها النظام وقال: laquo;الناس هناك وضعهم مزري. لا أعتقد أن أحدهم لديه متسعاً من الوقت لحلاقة ذقنه وهو يرى أخاه ميتاً أو أمه تبكي بجواره. الكلام عن الإرهاب كلام فارغ. لا يوجد إرهاب بل ثورة شعبية مدنيةraquo;. وتابع: laquo;لولا عناصر الجيش الحر لأبادوهم وحرقوهم وأكلوهم، وعناصر الجيش الحر لا تقوم بالهجوم، بل بالدفاع عن الناسraquo;.
وعن المعتقلين الذين نص البروتوكول العربي على إطلاق سراحهم قال: laquo;لم يطلق سراح المعتقلين الحقيقيين الذين تلقينا أسماءهم من المعارضة، سوى ثلاثة مقابل دبابة، وكذلك امرأتين مقابل مساعدة الجيش المحاصر من الجيش الحر في بابا عمروraquo;. وأضاف: laquo;هناك عملية تمثيل حيث يطلق سراح بعض الناس أمامنا، ثم يهتفون بعد إطلاقهم حياة بشار. إنها مسرحية ولو بقيت هناك لأصبحت شبيحاًraquo;.
وتوقع أن تتم مطاردته بعد خروجه من سورية وتعرضه لتهديدات وقال: laquo;الحملة ضدي قذرة، ومواقع إلكترونية موالية للنظام وصفتني بأنني إرهابي في جماعة مسلحة جزائرية، وقيل إنني طردت من الجيش الجزائري لأسباب تتعلق بسرقة، هناك حملة تشويه، لكنني راض عن موقفي ومرتاح البالraquo;، و laquo;لو حدث لي أي مكروه فانني أحمل النظام السوري المسؤوليةraquo;.
التعليقات