السيد يسين

كل يوم يزداد يقيني أنه بفضل الثورة الاتصالية الكبري وشبكة الإنترنتrlm;-rlm; يتحول النص الفردي الذي يكتبه الكاتب في شكل مقالrlm;,rlm; إلي نص جماعيrlm;,rlm; نتيجة تعليقات القراء عليهrlm;.rlm;
وهكذا يتحول الكاتب المهتم مثلي أشد الاهتمام بتعليقات القراء علي مقالاته, إلي قارئ ويتحول القراء بدورهم إلي كتاب لا يقنعون بمجرد التهميش علي أفكار الكاتب, وإنما يتجاوزون هذا الحد, ويعبرون إلي آفاق الإبداع الفكري المستقل, بتقديم رؤاهم عن المشكلة التي طرحها الكاتب في الأصل!
يصدق ذلك تماما علي مقالي الماضي سياسات منحرفة وقيم متدهورة, فقد نشر علي الشبكة ثلاثة وثلاثون تعليقا مختلفا عليه.
والواقع أنني قنعت بوضع المشكلة وبيان أبعادها, بدون التطرق إلي أسبابها العميقة, أو اقتراح حلول لمواجهتها لضيق المساحة. غير أن قرائي الكرام قاموا بالمهمة خير قيام, فقد كانت تعليقاتهم إسهاما إيجابيا في البحث عن الأسباب, وتجاوزت بعض التعليقات ذلك إلي اقتراح الحلول.
وقد قررت في المقال الراهن عبر قراءة منهجية لتعليقات القراء- أن أقوم بالتأليف الخلاق بين رؤاهم الجزئية لأشكل شبه نظرية مبدئية تتضمن أسباب تدهور القيم, وتشير وإن كان بشكل مبدئي- إلي الحلول والسياسات المقترحة.
وبناء علي تحليل المضمون الذي قمت به لتعليقات القراء, توصلت إلي أنها تندرج في الواقع تحت ثلاثة محاور أساسية. المحور الأول عبارة عن ملاحظات منهجية بالغة الأهمية في تكييف المشكلة, والمحور الثاني عبارة عن تشخيص المشكلة وبيان مختلف أبعادها, والمحور الثالث والأخير ويتضمن حلولا متنوعة للمشكلة.
ويلفت النظر في المحور الأول اتجاه بعض القراء إلي تطبيق المنهج التاريخي برد ظاهرة الانفلات القيمي إلي عقود طويلة سابقة علي ثورة25 يناير, ويرجعها البعض إلي ثورة يوليو1952 وما تلاها من نظم سياسية.
واعتبر عديد من القراء عصر الرئيس السابق مبارك ذروة القمع السياسي والفساد, والذي أدي إلي انهيار القيم الأخلاقية في ظل احتكار القلة من أهل الحكم للسلطة والثروة معا, وحرمان الملايين من حقوقهم الإنسانية المشروعة في العيش الكريم. ورأي بعض المعلقين هشام الخميسي أن المشهد الراهن يكشف عن عملية سابقة طويلة المدي تم فيها تجريف العقول والأخلاق, والذي هو أخطر من التجريف السياسي والاقتصادي, والذي قامت به الأنظمة السياسية السابقة وخصوصا في عهد الرئيس السابق مبارك.
ويضيف أننا نطيع القانون خوفا لا احتراما للتلويح المستمر بالقضية الأمنية التي سقطت الآن.
ويري أنه تم هدم البناء بعد الثورة بيد أن معركة البناء لم تبدأ بعد, وهذه هي اللحظة التي تمر بها مصر حاليا, بما يعني أنها أصبحت في الشارع حقيقة لا مجازا!
ويبقي في هذا المحور الأول فكرة أساسية طرحها الدكتور الجيوشي وهي أن البعض يعتقد خطأ أن المجتمعات تتغير بمجرد قيام الثورات, وهذا اعتقاد غير صحيح علي الإطلاق, لأن هناك فرقا بين التغيير والتغير.
التغيير عادة كما يقول- يستهدف رأس الهرم, بينما التغير يستهدف قاعدته.
بعبارة أخري إسقاط النظام عن طريق الثورة لا يعني بالضرورة أن التغير- بمعني إعادة تجديد الأنساق الاجتماعية والثقافية والأخلاقية ليتفق مع شعارات الثورة- سيتم في المدي القصير, لأنها عملية معقدة قد تستغرق عدة عقود.
أما المحور الثاني فهو يتعلق بتشخيص مشكلة تدهور القيم وردها إلي أسبابها المتنوعة. وفي هذا المحور اجتهادات متعددة. من أبرزها ما ذهبت إليه هيام العيسوي حين قررت أن الأخلاق انهارت يوم أن انهار القانون. وهذه ملاحظة مهمة للغاية لأنها تتعلق بالدور التربوي للقانون في ضبط السلوك الاجتماعي, وفي الدور الذي يقوم به أيضا في الردع العام. وهي تلفت نظرنا إلي أن العلاقة بين الرئيس والمرؤوس ينبغي أن تتم في ضوء إعمال القانون بالنسبة لهما, وأهمية أن يكون الرئيس مختارا علي أساس الكفاءة والمقدرة, وليس علي أساس الواسطة أو المحسوبية. وعلي هذا يمكن أن تكون العلاقة مبنية علي أساس قواعد اللياقة والمهنية بدون أي تجاوزات. أما إذا ساد الفساد بين الرؤساء, فمن حق المرؤوسين مواجهتهم بذلك, وطلب محاسبتهم وفقا للقانون.
ويلفت الدكتور جمال عيسي نظرنا إلي أهمية دراسة ملامح الشخصية المصرية بصورة دقيقة لإبراز الإيجابيات وإظهار السلبيات. وذلك لأن عديدا من مظاهر تدهور القيم ترد إلي جذور السلبيات الكامنة في صميم الشخصية المصرية.
وهناك إشارات هامة إلي أن أحد أسباب المشكلة عدم وجود القدوة والمثل الأعلي الذي يحتذي به المواطن كما يقول كريم.
وهناك تعليقات مهمة أيضا تتناول الأسباب الاقتصادية والاجتماعية لتدهور القيم, وكما يقول مصطفي محمود قلة فرص العمل وتكدس الأموال في يد فئة تعد علي الأصابع, من بين الأسباب الرئيسية في المشكلة.
ويلفت خلف عبد الرحمن النظر إلي ظاهرة سيطرة الآلة الإعلامية الجهنمية علي العقول العشوائية! وهو يقصد بذلك سلبيات الإعلام المصري في المرحلة الراهنة, والذي تقوم مواده المقروءة والمسموعة والمرئية علي نشر الشائعات وشحن الجماهير واستعدائها علي مؤسسات الدولة الشرعية باسم الثورة, مما أدي إلي سلوكيات اجتماعية منحرفة, ظهرت في المصادمات الدموية بين الحشود الجماهيرية العشوائية وقوات الأمن والجيش.
وخطورة هذا الانحراف الإعلامي هو تأثيره السلبي علي اتجاهات الجماهير, وخصوصا من غير المتعلمين والذين ينتسبون إلي أفقر الشرائح الاجتماعية. ومن هنا شيوع ظواهر البلطجة وممارسة العنف, ومخالفة عديد من الأعراف والتقاليد وخرق قواعد القانون.
وهناك أصوات متعددة تغرو التدهور الأخلاقي أساسا إلي فشل التعليم, وتعثر سياسات التربية الاجتماعية. ويبقي المحور الثالث الذي يتعلق بالحلول لمشكلة تدهور القيم.
ونبدأ بالآراء التي تدعو إلي حلول إصلاحية قبل الانتقال إلي الحلول الثورية.
في الفئة الأولي هناك دعوة من يسري كمال للمفكرين والمثقفين لكي يصوغوا سياسات مدروسة للتربية الاجتماعية من شأنها رفع الوعي الاجتماعي العام, في ظل ثقافة وطنية أصيلة لا تقنع بالاقتباس من الثقافات الأجنبية.
ويشير غالي خليل إلي اقتراح بالغ الأهمية مبناه أهمية دور منظمات المجتمع المدني في تربية الأجيال القادمة في مصر علي احترام الرأي والرأي الآخر وتعليم الشباب لكي يحترموا القانون ويتجنبوا العنف في مجال السلوك الاجتماعي.
وأما الحلول الثورية التي يقترحها الدكتور جمال عيسي فهي أن السياسات المنحرفة كانت تقتضي بعد نجاح ثورة25 يناير إنشاء محكمة ثورية لمحاكمة من صاغوها وطبقوها من رموز النظام السابق.
ويمكن لنا أن ننهي هذا الحوار التفاعلي الذي أدرته مع قرائي الكرام بعبارة بليغة صاغها عزب دسوقي في مجال توصيف أسباب التدهور الأخلاقي السائدة حين قال من حرم قليل الحرية عشق مطلقها, ومن عاش انضباط الديكتاتورية يهوي فوضي الحرية بأي شكل من الأشكال!.