Ray Takeyh

وراء التهديد والوعيد الإيرانيين، تركز طهران على تحقيق مكاسب متزايدة من برنامجها النووي، لطالما سعى خامنئي إلى توسيع إمكانات إيران النووية بشكل منهجي وحذر في آن، والعمل على التوفيق ما بين المجتمع الدولي ومكاسب بلاده المتلاحقة.
دخل الصراع المزمن بين إيران والغرب مرحلة جديدة وخطيرة، فقد ارتفعت حدة التوتر في منطقة الخليج العربي منذ أن هددت إيران بالرد على عملية اغتيال مهندس كيماوي مرتبط بالبرنامج النووي الذي تشرف عليه الجمهورية الإسلامية في الأسبوع الماضي. ما سبب سلوك إيران؟
وراء موجة الاستياء الظاهرية، تسعى طهران بكل حذر إلى اتباع سياسة ترتكز على ثلاثة مسارات تشمل استفزاز المجتمع الدولي وإثارة ضجة دبلوماسية بينما تتجه بإصرار وثقة نحو تصنيع القنبلة المنشودة.
في الأشهر الأخيرة، اعتمدت الجمهورية الإسلامية سلوكاً مبهماً حيّر أبرع المراقبين، وبعد فترة قصيرة على صدور تقرير دقيق عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية في شهر نوفمبر، تلته تهديدات بفرض عقوبات من جانب الاتحاد الأوروبي، اقتحم عناصر ميليشيا ldquo;الباسيجrdquo; السفارة البريطانية في طهران خلال الشهر الماضي بعد أن تنكروا بزي طلاب جامعيين.
بسبب محاولة واشنطن الأخيرة حظر تجارة النفط الإيراني من خلال فرض العقوبات على البنك المركزي الإيراني، هددت طهران بزعزعة استقرار الاقتصاد العالمي عبر إغلاق مضيق هرمز، وهو ممر مائي يعبر من خلاله سُدس نفط العالم، وتشكل هذه الأعمال العدائية تصعيداً مستجداً بالنسبة إلى النظام الذي عمد لفترة طويلة إلى ضبط نفسه ولو بشكل محدود. إنه سلوك منطقي عند التفكير بأن إيران تعتبر نفسها عالقة في صراع كبير مع الغرب، وهي مصممة على الرد على التصعيد الأخير في السياسة الأميركية بتصعيد الوضع بنفسها.
في شهر نوفمبر، قال مسعود جزيري، نائب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية، إن التعليمات الجديدة التي تلقتها القوات المسلحة من القائد الأعلى، آية الله علي خامنئي، تشمل من الآن فصاعداً الرد على التهديد بالتهديد. تتأمل إيران أن يدفع سلوكها التصعيدي بروسيا والصين والدول التي لا تدعم قرارات المجتمع الدولي والتي تخشى الحرب إلى تحدي جهود الولايات المتحدة الرامية إلى تشديد العقوبات.
أما المسار الثاني في الاستراتيجية الإيرانية، فيشمل تأكيد الرغبة الإيرانية في استئناف المفاوضات مع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومع ألمانيا. من الملفت أن مساعي إيران لكسب أسلحة نووية لطالما ترافقت مع المفاوضات أيضاً.
يمكن أن يوفر المسار الدبلوماسي المتقطع والمطول في آن مظلة مناسبة تمكن طهران من تطوير برنامجها النووي، وليست مصادفة أن تُقدِم إيران على مبادرتها الدبلوماسية الأخيرة تزامناً مع تكثيف نشاطاتها النووية، فمن خلال التهديد بقطع إمدادات النفط العالمية تزامناً مع التلويح باحتمال المشاركة في المحادثات، يمكن أن تضغط إيران على بعض الدول الأساسية، مثل روسيا والصين؛ لتأدية دور أكثر اعتدالاً وتجنب أزمة تخشاها تلك الدول، ومن المتوقع أن تكون التنازلات التي تقدمها إيران على طاولة المفاوضات رمزية وغير نهائية.
وراء هذا التهديد والوعيد، تركز إيران على تحقيق مكاسب متزايدة من برنامجها النووي، لطالما سعى خامنئي إلى توسيع إمكانات إيران النووية بشكل منهجي وحذر في آن، إذ تعمل طهران على التوفيق ما بين المجتمع الدولي ومكاسبها المتلاحقة، ومن المعروف أن إيران بدأت اليوم تخصّب اليورانيوم تدريجاً، وكان هذا الوضع غير مقبول بأي شكل في عام 2005.
تعمد إيران إلى تعزيز نشاطات التخصيب وتركز أهم تقنياتها التكنولوجية في منشأة تقع بالقرب من مدينة قُم كونها تستطيع تحمل الاعتداءات العسكرية أكثر من غيرها، فكان هذا السلوك يُعتبر استفزازياً في السابق، كذلك، تسعى الجمهورية الإسلامية إلى ابتكار جيل جديد من أجهزة الطرد المركزي التي تعمل بسرعة وفاعلية. بما أن تخصيب كميات كبيرة من اليورانيوم يتطلب عدداً محدوداً من تلك الآلات، يمكن أن تبدأ إيران بدسّ ابتكاراتها النووية في منشآت صغيرة يصعب رصدها، فمن خلال توسيع تلك الإمكانات بوتيرة تدريجية وثابتة، فقد تنجح إيران في خرق الخطوط الحمراء التي حددها الغرب تزامناً مع تجنب الأزمة التي يمكن أن تطرح تهديداً مباشراً على برنامجها النووي أو حتى نظامها.
في أي مواجهة مع الغرب ستبقى إيران الفريق الأضعف، لكن قد يؤدي توتر الوضع على نحو غير طبيعي إلى وقوع صراعات وحوادث عرضية، ويمكن أن تتصرف الأطراف الأكثر ضعفاً بشكل متسرع وغير مسؤول، لكن لا تشير هذه المعطيات كلها إلى ضرورة أن يخفف المجتمع الدولي ضغوطه على إيران أو أن يغفل عن سلوكها العدائي، بل إنه يشير إلى تجاهل فاضح للمشكلة، ما قد يؤجج الوضع أكثر بعد.
يستحيل تحديد هوية قتلة العالِم الإيراني مصطفى أحمدي روشان، لكن تبقى نتائج هذه الأعمال ضئيلة بمعنى أنها لا تفيد كثيراً في إبطاء برنامج إيران النووي بل إنها تصب في مصلحة النظام الذي يسعى إلى توسيع الشرخ بين فئات المجتمع الدولي. أفضل ما يمكن فعله للحفاظ على تماسك التحالف الدولي هو التأكيد على أن سلوك إيران يبقى غير شرعي طالما تتابع طهران تخصيب اليورانيوم بما يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة، ويهدد حركة المرور البحري السلمي، وسيؤدي أي نشاط يحول الأنظار عن سلوك إيران غير القانوني إلى تأخير الجهود الرامية إلى نزع أسلحة الجمهورية الإسلامية.
* مسؤول رفيع المستوى في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي.