إياد الدليمي


منذ أن بدأت رياح الربيع العربي تلامس جدران ونوافذ أوطاننا التي ظلت لعقود موصدة في وجه أي تغيير، والإسلاميون حاضرون في المشهد وبقوة، بل لعل حضورهم كان مفاجئا وغير محسوب في بعض بلدان الربيع العربي، حتى شكلوا مفاجأة غير سعيدة لبعض التيارات التي اعتقدت ألا نصيب للإسلاميين من مرحلة ما بعد التغيير.
ولعل متابعة دقيقة للمشهد العربي في بلدان الربيع تشير وبما لا يقبل التشكيك أن هناك تيارات إسلامية متباينة القدرة على التعاطي مع هذه المرحلة الحساسة من تاريخ بلادنا العربية، فبينما يمتلك البعض خبرة سياسية طويلة في مجال العمل السياسي، كحال الإسلاميين، وتحديدا الإخوان في مصر، وجد بعضهم أمام مهمة ليست بالسهلة رغم قلة تجاربهم السياسية كحال الإسلاميين في ليبيا.
غير أن ذلك لا يمنع بحال من الأحوال القول إن طريقة تعاطي الإسلاميين مع واقعهم الجديد، لم تتكئ كثيرا على ما يبدو لعمرهم في العمل السياسي، فلقد تعرض الإخوان في مصر إلى انتقادات شديدة حتى من قبل مناصريهم، بسبب ما وصفوه تماهي مواقفهم مع مواقف المجلس العسكري المغضوب عليه من قبل شريحة من المجتمع المصري، فلم تنفعهم خبرتهم السياسية الطويلة في ذلك.
بينما الحال بدا مختلفا في تونس، فرغم أن الوجود الإسلامي داخل التراب التونسي كان محاصرا وممنوعا ومقموعا فإن واقع الحال يشير إلى أن حركة النهضة سجلت حضورا طيبا في تعاطيها مع مرحلة ما بعد الثورة، حيث نجحت في كسب أصوات الشارع التونسي، وشكلت الحكومة بالتوافق مع حزب المؤتمر من أجل الجمهورية برئاسة الرئيس الحالي المنصف المرزوقي، وما زالت خطواتها مقبولة من قبل الشارع التونسي رغم كل العراقيل التي وضعت أمامها من قبل العلمانيين.
ولعل التجربة المغربية بما مثله حزب العدالة والتنمية الذي فاز بالانتخابات الأخيرة ونجح في تشكيل الحكومة، تستحق الإشادة هنا، فرغم وجود تيارات داخل القصر تسعى لعرقلة عمل الإسلاميين فإن الأداء -رغم قصر عمره- يبشر بإمكانية الانتقال إلى حالة مُرضية، وتسجيل نجاح يحسب للإسلاميين في المغرب.
الأكيد أن المهام الملقاة على عاتق الحكومات التي شكلها الإسلاميون في بلدان الربيع العربي لن تكون سهلة، على العكس، فالناظر إلى المشهد يخيل إليه وكأنهم وضعوا في المحرقة، وضعوا في المواجهة من أجل أن تحترق أوراقهم، فلا يعاد لهم التصويت في أية انتخابات مقبلة، فلقد ورثت الحكومات التي شكلها الإسلاميون تركة ثقيلة، بل ثقيلة جدا، يضاف إليها الكم الهائل من العراقيل التي تسعى إليها بعض الدوائر الرافضة للوجود الإسلامي، وما يمكن أن تشكله من عبء مضاف.
غير أن الأكيد أيضا أن الجماعات الإسلامية التي نجحت في الوصول إلى السلطة على دراية تامة بما يحيط بها، فقد جاءت من رحم الشعب ومن معاناته، وجاءت بأجندات وطنية خالصة غير قابلة للتشكيك، كما أنها جاءت كشعلة مقتبسة نورها ووهجا من نور ووهج الثورات، وبالتالي فإن تجربتها في السلطة غير قابلة لأية انتكاسة.
نعم قد يكون أحد أسباب فوز الإسلاميين في الانتخابات التي جرت في المغرب وتونس ومصر، اليأس الذي دب في أوصال الناخبين من ممارسات أسلافهم الذين لم يكونوا في لحظة علمانيين أو أي توجه فكري آخر، بقدر ما كانوا حفنة من سرَّاق وبائعي شعارات، ولكن هذا لا يعني أن الإسلاميين لا يمتلكون رصيدا فعليا في الشارع، وأن انتخابهم إنما جاء كردة فعل على من سبقهم وسياساتهم.
الأصل، أن هناك شعورا دينيا عارما يجتاح عالمنا العربي، لا يمكن تغطية شمسه بغربال، وأيضا هناك نقمة على الماضي، ومحاولة للانفكاك من تبعاته بأي ثمن، وهو ما يمثل تحديا أمام الإسلاميين الذين وصلوا إلى السلطة.
عليهم في الأساس، أن يمتلكوا زمام المبادرة وأن يجعلوا من محاولات إحراقهم التي سعى إليها البعض نقطة توهج تحسب لهم، وهم قادرون إن تمكنوا من وضع برامج تنموية قصيرة المدى، يمكن من خلالها أن يتلمس المواطن الفارق بينهم وبين من سبقهم، خاصة أن أغلب التيارات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة لديها قدرات بشرية قادرة على الإنجاز وتحقيق النتائج المرجوة.
الإسلاميون اليوم على المحك، فإما أن ينجحوا ويؤسسوا لمشروعهم المستقبلي، وإما أن يفشلوا ويدفعوا ناخبيهم (الشعوب العربية) إلى البحث مجددا في أدراج الأيدلوجيات ما اندثر منها وما لم يندثر، علهم يجدون ضالتهم التي طالما حلموا بها.