سركيس نعوم

يعمل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي للمحافظة على الاستقرار الامني في البلاد وإن في حده الادنى. ويبذل في هذا السبيل جهوداً كبيرة سواء مع الطرفين الاساسيين للصراع السياسي في لبنان 8 و14 آذار، او مع الحلفاء الاقليميين والدوليين لكل منهما مثل سوريا وايران الاسلامية واستطراداً روسيا من جهة، والمملكة العربية السعودية ودولة قطر بل مجلس التعاون الخليجي كله وفرنسا واميركا من جهة اخرى. ودافعه الى هذا العمل الخوف من أثر الحريق الذي شب في سوريا منذ 15 آذار الماضي على لبنان بعد احتجاج قسم كبير من شعبها وفي الشارع على النظام الذي يحكمهم بسبب فساده وقمعه للحريات وعدم احترامه حقوق الانسان وتحوّله مع الوقت فئوياً، وتحديداً بعد تحوّل هذا الاحتجاج ثورة عارمة سلمية ومسلحة في وقت واحد، وبعدما فتح اختلال ميزان القوى بينها وبين السلطة الباب واسعاً لتدخل الخارجين العربي والدولي فيها وإن من مواقع متناقضة. ودافعه ايضاً هو معرفته ان لبنان الذي تحوّل من زمان ساحة لصراعات العرب (المحاور الدولية والاقليمية) صار الآن جزءاً من الساحة السورية التي تختصر ازمتها الخطيرة معظم عناصر الصراع في المنطقة، مثلما اختصرت الساحة اللبنانية عناصر الصراع نفسه في العقود الماضية، ودافعه ثالثاً هو تأكده ان فريقي الصراع، السياسي حتى الآن، في لبنان منخرطان في الصراع الدائر داخل سوريا في شكل شبه علني. ففريق 8 آذار بقيادة عموده الفقري quot;حزب اللهquot; يؤيد سياسياً النظام السوري، ويعمل من دون كلل لمنع تحوّل لبنان قاعدة اساسية معادية له. وهو ربما يوفر له مساعدات او خبرات من انواع اخرى يحتاج اليها في قمع المطالبين باسقاطه. وفريق 14 آذار يؤيد سياسياً الثائرين على النظام السوري ويقدم لهم كل انواع الدعم السياسي والاعلامي، كما يقدم الدعم الصحي والاجتماعي للسوريين الذين ينزحون الى لبنان سواء هرباً من القمع او طلباً للمعالجة (جرحى). علماً ان جهات عدة ترجح ان يكون يُوفِّر لهؤلاء مساعدات اخرى عبر الحدود الفالتة مع سوريا. طبعاً يدرك ميقاتي ان quot;تورطquot; الفريقين 8 و14 آذار في الازمة السورية الخطيرة سيؤذي لبنان وربما قريباً. لكن عدم تطوره وتصاعده قد يُبقي الاستقرار وإن هشاً سائداً في البلاد في حده الادنى. لكنه يخشى امرين مهمين. الاول، انزلاق فريق 8 آذار الى عمل امني او عسكري مباشر او عبر الدولة لمساعدة نظام سوريا وذلك بضرب الذين يساعدون الثائرين عليه من لبنان. وهو انزلاق قد يدفعه اليه كونه القوة العسكرية والشعبية الاكبر في البلاد والاكثر تنظيماً، الامر الذي يغريه للقيام بعمل استباقي ضد اخصامه واخصام النظام. اما الامر الثاني فهو انزلاق فريق 14 آذار الى الانغماس مباشرة وعلانية في الثورة ضد النظام السوري ومن لبنان. وما قد يغريهم للقيام بذلك رغم ضعفهم التنظيمي والتخطيطي وانقساماتهم، ورغم افتقارهم الى بنية عسكرية وامنية، هو معرفتهم ان غالبية الدول العربية والمجتمع الدولي تقف مثلهم مع الثوار. والانزلاقان يعيدان الحرب الاهلية الى لبنان، لأن كلاً من الفريقين يُعتَبر جزءاً من فريق معين في الصراع الدائر في سوريا. علماً ان تدخل 8 آذار وقائده quot;حزب اللهquot; لن يمكن نظام الاسد من الانتصار. كما ان تدخّل 14 آذار لن يساعد الثوار على الانتصار. فضلاً عن أن تطوعهما هذا سيكون مجانياً لهما وللبنان. إذ أن احداً من كبار العالم والعرب لن يهب الى حل مشكلة فرعية، علماً انه قد يستغل هذه المشكلة بأكثر من طريقة، لدفع الاوضاع السورية في الاتجاهات التي تلائم مصالحه.
هل لقادة 8 و14 آذار مصلحة في الانزلاق نحو التحوّل جزءاً عضوياً من quot;الصراعquot; الحالي في سوريا، السلمي والدموي في آن واحد؟ وهل خشية الرئيس ميقاتي من انزلاق كهذا في محلها؟
الخشية في محلها يجيب متابعون لحركته اليومية كما لحركة حكومته المتناقضين اطرافها بسبب الخلاف على المكاسب والحصص، ورغم تفاهمهم quot;السياسي والاستراتيجيquot;. فاذا احتاج النظام في سوريا الى تدخّل حلفائه اللبنانيين ضد اعدائه من اشقائهم اللبنانيين فانهم سيتدخلون وبكل الوسائل سواء بحماسة او لعدم القدرة على الرفض. وإذا احتاج الثائرون عليه الى مساعدة مباشرة من حلفائهم اللبنانيين فانهم سينالونها وايضاً بحماسة او للعجز عن الرفض. طبعاً، يعتقد المتابعون انفسهم ان هؤلاء القادة لا يعتقدون ان دورهم الميداني مطلوب حالياً ولذلك فأنهم ضنينون بالدم اللبناني. والمطلوب أن يكون quot;ضنُّهمquot; هذا دائماً وحرّاً. فهل يستطيعون ذلك؟