بسام البدارين


أخطأ مراسل 'الجزيرة' في عمان الزميل أحمد جرار في وصف ما شاهده على بوابة أحد المستشفيات الخاصة في العاصمة الأردنية، عندما تحدث عن (تدفق) غير معتاد للأخوة الليبيين على مشافي عمان، فالمسألة تتجاوز التدفق.. إنه أشبه (بغزو) لعشرات الالاف من المرضى الليبيين المساكين الذين تجمعهم سلطات الثورة الليبية بطائرات خاصة عبر رحلات غير منظمة وتلقي بهم في عمان تحت عنوان العلاج الذي يتخلله بعض السياحة.
وقد عاينت المسألة بنفسي، فلكي أضمن إجراء جراحة تعتبر بسيطة لابنتي الصغرى تتمثل في استئصال اللوزتين، تطلب الأمر بالنسبة لي وللطبيب المعني، الانتظار عشرة أيام لأحصل على حجز لمدة نصف ساعة في غرفة العمليات بأحد المستشفيات الخاصة التي تعتبر صغيرة عموما في الأردن.
وحجة الجميع كانت أن نسبة الإشغال 100' وجميع المستشفيات والغرف محجوزة تماما للأخوة الليبيين، فكل المستشفيات الخاصة بالأردن محجوزة وتعاني من موجات المرضى والجرحي (شفاهم الله) الذين حولوا بوضوح مع عائلاتهم عمان لساحة أشبه بالساحة الخضراء، فعمان اليوم بتتكلم (ليبي) كما يشعر أهلها.
.. وقفت عند الكافتيريا في المستشفى بانتظار تجهيز ابنتي لدخول غرفة العمليات بهدف الحصول على فنجان قهوة، فبادر بائع القهوة الأردني لسؤالي: هل تريدها عامرة؟ اكتشفت أن كلمة عامرة تعني (سكر زيادة) وأن الرجل منذ أيام طويلة لم يقابل زبونا أردنيا.
دققت في المشهد حولي، فاكتشفت أن أزقة المستشفى وجميع غرفه وأروقته تتحدث باللهجة الليبية.. الأردني الوحيد في المكان كنت أنا وموظف الإدخال العجوز والطاقم الطبي فقط والبقية أمواج من الأشقاء الباحثين عن علاج.
لاحقا سألت عن الموضوع فاكتشفت أن الحال نفسه في جميع المشافي الأردنية التابعة للقطاع الخاص، وثمة شكوى تطال كل شيء.. الأعداد الهائلة التي تأتي بدون تحضير وتعلق بالطريق.. عدم وجود موظفين من جماعة الثورة لاستقبال الموفدين للعلاج.. إرباك شديد للطاقم الطبي حتى أن جراحا صديقا أجرى 100 عملية جراحية في أسبوعين فقط .. الفواتير حسب إدارات المستشفيات لا تدفع والديون الطبية على المجلس الانتقالي تجاوزت عشرات الملايين من الدولارات.

خلافات في غرف العمليات
فوق ذلك وبصراحة قال لي أحد الأطباء: ينقل الأخوة خلافاتهم معهم لمستشفياتنا أحيانا حتى صرنا نخصص أحد المشافي مثلا لجماعة بنغازي ونفصلهم عن جماعة طرابلس، ونفصل الجهتين عن جماعة الزنتان.. في بعض الأحيان حطمت واجهات زجاجية وتضررت غرف عمليات بسبب تناقضات الأخوة الضيوف المرضى.
المهم استحق الأمر اهتمام الجزيرة عبر تقريرين، فكلمات الليبيين الشهيرة مثل (باهي ..عامرة...) تسمع كثيرا في كل الشوارع التي تحيط بالمستشفيات بعمان.
وثمة قناعة طبية بأن العدد الأكبر من الوافدين لتلقي العلاج لا يستوجب مرضهم تلقي العلاج في الخارج ولذلك سبب، حسب صديقنا الطبيب الذي يلاحظ أن عددا كبيرا من المرضى الذين يفحصهم يمكن علاجهم بصراحة في عيادة تخصص بسيطة، مما يعني - وهنا الاستنتاج الأهم - أن المسألة سياسية وليست طبية وتنطوي على إبعاد أكبر قدر ممكن من الجرحى ومقاتلي القبائل والثوار لسبب ما.
أما الساحة التي تستقطب وتستقبل المبعدين تحت العنوان الطبي فهي عمان وقريبا جدا سيلحق بهؤلاء عشرة الاف ليبي مقاتل وقع الأردن عقدا لتدريبهم.
هؤلاء بكل الأحوال ضحايا الزعيم الأممي الراحل معمر القذافي، فالرجل مول ثورات العالم ودفع للسحرة والراقصات والكذابين والمرتزقة ونسي وهو يدفع أن طرابلس تخلو ولو من مركز طبي واحد متقدم وحقيقي.

عريقات وجودة وأفلام السلام
ليس على طريقة صاحبنا أكرم خزام، لكن هذه المرة من القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، حيث يقف رجل أنيق للغاية تبدو عليه شكلا مظاهر العصرية والعلمانية اسمه إلي يشاي والوظيفة نائب نتنياهو ووزير الداخلية في حكومته الإرهابية.
لدى الرجل تحليل طريف لأسباب هزيمة جيش الدفاع الذي لا يقهر أمام حزب الله، وهو تحليل تعجزعنه كل دوائر الاستخبارات المتفوقة في العالم ويتعلق حصريا بـ(الرب) الذي عاندته إسرائيل وابتعدت عنه عقائديا فتركها تنهزم أمام حزب إرهابي في جنوب لبنان.
.. إذا وببساطة رب نائب نتنياهو (زعلان) على الشعب الإسرائيلي وبسبب هذا الزعل دفع جيش الرب المدافع عن الكيان الصهيوني الثمن في جنوب لبنان ورد خائبا، مما يعني ان المسألة لا علاقة لها بالدعم الإيراني ولا بالصواريخ ولا بحرب العصابات ولا بالظروف الإقليمية فقط، باختصار رب ولد العم اليهودي المتعصب حردان لان شعبه المختار لم يعد يخدمه ـ أي الرب نفسه - جيدا.
.. لا أريد أن أغرق إطلاقا في مناقشة هذا المنطق، لكن لدي رغبة جامحة بتوجيه سؤال صغير للصديقين ناصر جودة وصائب عريقات: كيف وعلى أي أساس تفترضان بأن ما يسمى بمفاوضات عمان يمكنها التفاهم، أو حتى التواصل او التلاقي مع حكومة يجلس على كرسي الرجل الثاني فيها رجل يعتقد بأنه هزم بمعركة عسكرية لإن الرب يعاقبه؟ كيف تقنعان أنفسكما بأن هذا الرجل الذي انتخبه عشرات الالاف من الليكوديين حتى جلس على كرسي الوزارة يريد حقا وفي أي لحظة سلاما من أي نوع؟
.. يبدو أن الصهيوني يشاي لا يستطيع التفاهم من حيث المبدأ إلا مع بعض العقلاء منا الذين يرفضون حتى كلمة إسرائيل، وهم الأغلبية فاتركوا الرجل وسيده النتن يا هو لهم وأوقفا سحب الأفلام (الكلام لصائب ولناصر).

يهدد بقطع رؤوس أولاده
جرعة الألم التي أظهرها المواطن الأردني عبدالله عليمات على شاشة القناة المخصصة لنقل فعاليات مجلس النواب كانت أكبر من احتمالات استيعاب صدمة جديدة للمجتمع بعد حرق المواطن أحمد المطارنة لنفسه.
عليمات استغل مؤتمرا صحافيا لوزير تطوير القطاع العام واستلم المايكروفون مهددا بقطع رؤوس أولاده أمام دوائر الحكومة إذا ما طالت خطة إعادة الهيكلة راتبه الشهري المتواضع الذي لا يزيد عن 500 دولار. طبعا الوزير المختص بقي صامتا في مواجهة تهديد من هذا النوع لم يألفه الأردنيون المتكافلون بالعادة، لان الوجع في الواقع يكمن في المقاربة التي اقترحها المواطن عليمات قائلا: استعيدوا المليارات التي سرقها الفاسدون بدلا من هيكلة القروش التي توفر الطعام لأولادي بدعوى توفير النفقات.. إذا اقتربتم من قروشي تحت عنوان ترشيق الجهازالإداري للدولة سأقطع رؤوس أطفالي أمامكم وأمام النواب.
وعليمات بدا جديا في التهديد والجميع مجبر على الاستماع إليه لانهم تجاهلوا قبله المواطن المطارنة الذي أحرق نفسه فعلا أمام الديوان الملكي، وهما بالتأكيد يمثلان آلاف الضحايا من البسطاء الذين تهمشهم خطط التنمية والهيكلة ويسرق قوتهم الفساد.. إنه مأزق حقيقي تواجهه المملكة، لا أحد يعرف كيف ستخرج منه وبصراحة لا أعرف شخصيا أحدا يعرف .

لا يمكنني عض الإذاعة
الزميل جهاد المومني الذي يدير برنامجا شعبيا في الفضائية الأردنية وآخر في الإذاعة الأردنية حمل إلي نهاية الأسبوع قبل الماضي خبرا سعيدا للغاية، فقد أصبحت فجأة ضيفا لأول مرة في حياتي على برنامج تبثه إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية من عمان، فطوال عقدين وأنا على القائمة السوداء تماما ولسبب ما لم أفهمه بعد استطاع جهاد تغيير المسألة.
عرض المومني الأمر علي بطريقة لافتة فقال هاتفيا: أعرف أنك تدس السم بالدسم .. هل لديك استعداد لان تكون ضيفي في حلقة تتحدث عن الحراك والإسلاميين بصراحة؟ لاحقا أضاف الزميل: بشرط واحد بسيط أن تتذكر بأنك تتحدث لإذاعة الحكومة.
يقصد أن أبذل جهدا لعدم إحراجه وأن أبدو لطيفا قدر الإمكان.
.. طوال 20 عاما أزعق وانظر وأتفلسف في بعض الإذاعات وما تيسر لي من التلفزيونات، لكني ولا مرة واحدة تحدثت لإذاعة الحكومة أو تلفزيونها، رغم أني أمر يوميا أربع مرات من جانب مبنى الإذاعة والتلفزيون بحكم الجوار فأنا جار للحكومة بهذا المعنى جغرافيا، ورغم أني مواطن أردني (فل أوبشن) وأحمل رقما وطنيا عابرا للأجيال من جدي الثالث، ومن النوع الذي لا يمكن بحال من الأحوال سحبه او شطبه أو حتى السؤال عنه. المهم على قاعدة أغنية (وني مارق مريت) فكينا النحس وتحدثت للإذاعة على الهواء لأول مرة في حياتي، واكتشف الزملاء بأني كائن بشري عادي (لا يعض) خصوصا على الهواء مباشرة.
دخلت وتحدثت وشربت شاي الإذاعات وجلست في مكتب مدير المحطة واستخدمت دورة المياه وغادرت واكتشف الجميع بأني لا أحمل متفجرات في كرشي وبأني أستطيع التحدث بلباقة نقدا والتحليل بموضوعية، خصوصا عندما أتحدث مع إعلام الحكومة وأظهر حرصا مسبقا على عدم تخريب بيت من يجازف ويستضيفني من الزملاء.
.. أخيرا إذا فك النحس فعلا ودخلت لأول مرة مبنى الإذاعة الذي ولدت عمليا بجانبه قبل أكثر من 40 عاما .. لم أعض أحدا في مبنى تلفزيون الحكومة المجاور، ولم يعضني أحد ومالطا لم تخرب لاني تحدثت عبر أثير الحكومة وعقبال مشواري الأول على شاشة التلفزيون، لاني نفسي فعلا أن أشعر ولو لمرة واحدة بأن هذا التلفزيون يمثلني كمواطن ولوجزئيا.