ياسر الزعاترة

ثمة فرق بين أن يرى المراقب ملامح العسكرة في الثورة السورية، وبين طروحات النظام وأزلامه وشبيحته التي تحشر ما يجري في سياق الصراع بين الجيش السوري وأجهزته الأمنية وبين laquo;إرهابيينraquo; خارجين عن القانون، لأن العمى وحده هو ما يمكن أن يؤدي إلى تجاهل العشرات الذين يسقطون يوميا برصاص الجيش أثناء فعاليات شعبية سلمية لا صلة لها بالقتال المسلح، فضلا عن مئات المعتقلين الذين سلمت جثثهم للأهالي وهي مشوهة وتناقلت صورها وسائل الإعلام على نحو لا يقبل التأويل.
وإذا كنا كمؤيدين للثورة السورية نتعاطى مع أخبار الجزيرة و laquo;بي بي سيraquo; وسواهما من الوكالات الأجنبية التي طالما اعتمد عليها العالم العربي في متابعة مختلف الأحداث، فإن الطرف الآخر لا يعتمد في روايته سوى على فضائية النظام ومعها فضائية الدنيا laquo;المستقلة جدا جدا!raquo;، فضلا عن الإخبارية السورية (يمكن إضافة المنار التابعة لحزب الله والعالم الإيرانية)، وجميعها لا تنقل سوى رواية النظام بطريقة مثيرة للسخرية تذكّر الجميع بفيديو وليد المعلم التي تبين لاحقا أنه تسجيل لوقائع جريمة ارتكبت في لبنان!!
لم ننكر يوما أن هناك من يحمل السلاح، ومن يمكن أن يحمله لاحقا. حدث هذا قبل تأسيس الجيش السوري الحر، ويوم أن اقتصر الأمر على بضع خلايا سلفية جهادية مخترقة من قبل النظام، قبل أن يتسع نطاق العسكرة على نحو تدريجي لا نعرف إن كان النظام يريده أم لا، وبالطبع لما يمكن أن يثيره من جدل في أوساط نخبته الأمنية والعسكرية بين من يراه مطلوبا لشطب مطلب سحب الجيش من الشوارع الذي سيؤدي إلى اتساع نطاق الاحتجاجات، وبين من يراه خطيرا ويؤدي لحرب أهلية سيخسرها النظام.
عندما يصل عناصر الجيش السوري الحر المنشقون حدود العشرين ألفا، فهذا يعني أمرين اثنين، حتى لو قيل إنهم أقل من ذلك: الأول أن هناك قناعة آخذة في الاتساع في أوساط الجيش بأن النظام آيل للسقوط بعد زمن لن يطول، لاسيَّما أن انشقاق العنصر ليس بالأمر الهين بسبب تبعات ذلك على أهله وذويه. أما الأمر الآخر فيتعلق بشعور أبناء الجيش الذين زُج بهم في المعركة بأن عليهم الاختيار بين العمل كقتلة يصبون الموت والدمار على رؤوس الأبرياء، وبين الانشقاق ومواجهة الموت في معركة غير متكافئة مع نظام دموي. ما ينبغي أن يقال هنا هو أن الجيش السوري الحر لا يزال ملتزما بتفاهماته مع المجلس الوطني من حيث اقتصار مهمته على حماية المظاهرات السلمية التي تخرج يوميا في شوارع المدن السورية، فيما يعلم الجميع أن التظاهر والعودة بسلام ليس بالأمر الهين في ظل سطوة النظام وجيشه وشبيحته، وهذه المهمة لا تعني عدم الاشتباك بأي حال، إذ تنطوي في بعض جوانبها على معارك محدودة على مشارف المدن والأحياء، مع العلم أنه لولا الحاضنة الشعبية لعناصر الجيش (أعني السوري الحر) لما كان بوسعه العمل على هذا النحو.
الجانب الآخر من العسكرة الذي بدأ يظهر مؤخرا هو المتعلق بمجموعات من الشبان العاديين الذي لم يطيقوا الصبر على استمرار عمليات القتل مقابل التظاهر السلمي، فقرروا الرد على النار بالمثل، بل ذهبوا نحو مهاجمة بعض القطاعات الأمنية والعسكرية في أماكن تواجدها، أكان في الشوارع، أم في أماكن أخرى، وهؤلاء أيضا يتمتعون كما يبدو بحاضنة شعبية يوفرها السخط العارم على النظام، فيما لا يعدمون بعض المدد من الخارج، ومن أسلحة يغنمونها من بعض المواجهات، وأخرى من بعض المنشقين أو المتعاطفين من داخل الجيش النظامي. ولا ننفي أيضا احتمال دخول عناصر laquo;قاعديةraquo; على الخط، سواء قدموا من العراق أم من لبنان.
هذا الوضع يمكن أن يؤدي إلى حرب أهلية بمرور الوقت، وهي حرب يتحمل النظام مسؤوليتها قبل أي أحد آخر، وعلى من يدَّعون الخوف على سوريا وأهلها أن يطالبوا النظام بالرحيل السريع، لا أن يكون لسان حالهم laquo;إما بشار الأسد وعائلته وإما سوريا المدمرةraquo;!!
على أن ما ينبغي أن يقال أيضا هو أن الفعاليات الأكبر والأهم في الثورة السورية لا تزال سلمية الطابع يواجهها النظام بالرصاص ما وسعه ذلك، مع حرص على إبقاء عدد القتلى في الإطار الذي يحتمله المجتمع الدولي (بضع عشرات يوميا). وفي اعتقادنا أن على قوى المعارضة السورية أن تركز جهدها على الفعاليات الشعبية وتنويعها على نحو يضم المزيد من الناس إليها، وهو أمر يبدو أقل كلفة على الحاضر والمستقبل من كلفة العسكرة، وإن آمنّا بأن النتيجة في الحالتين هي رحيل النظام الذي فقد تماما مشروعيته الأخلاقية والسياسية.