عبدالله اسكندر

من المستبعد، في المستقبل المنظور ومن دون مفاجأة كبرى، اندلاع مواجهة واسعة تركية - سورية. أو على الأقل لا ترغب أنقرة في مثل هذه المواجهة حالياً، لأسباب داخلية ومخاوف إقليمية وظروف دولية.

لكن النظام في دمشق نجح، حتى الآن على الأقل، في جعل مسألة الأمن التركي متوازية مع الأزمة الداخلية السورية. وفرضها على أجندة تركيا وحلفائها.

فالتساهل السوري الرسمي مع الأكراد المناهضين لأنقرة، خصوصاً حزب العمال الكردستاني، ومساعدتهم في اقتطاع مساحة جغرافية داخل سورية يغذي المخاوف التركية من laquo;إقليم كرديraquo; آخر على الحدود ومن إمكان تأثير هذا الواقع في الأكراد الأتراك الذين، في مثل هذه الحال، قد يقدمون على المطالبة بمثل هذا الإقليم.

في موازاة ذلك، بات الأمن التركي جزءاً من المناقشات داخل حلف شمال الأطلسي الذي بات في موضع المجبر على البحث في حماية سلامة احد أعضائه وجناحه الجنوبي.

هذا السعي السوري الرسمي إلى ربط الصراع الداخلي بطرف إقليمي يُراد له أن يكون المبرر للتعنت في الموقف من المعارضة ومطالبها، من جهة. ومن جهة أخرى، يتيح للنظام أن يبقي نفسه كضرورة في محور إقليمي - دولي يحميه من أية إجراءات دولية ملزمة.

لقد حصل في الفترة الماضية أن سقطت قذائف من القوات النظامية السورية داخل الحدود الأردنية واللبنانية. كما حصلت اشتباكات مع laquo;الجيش الحرraquo; على الحدود مع البلدين. لكن الردود لم تتجاوز الاحتجاجات، محلياً، والدعوات إلى عدم التكرار دولياً. لكن الوضع يختلف جذرياً عندما يتعلق الأمر بتركيا، نظراً إلى موقفها المعلن من النظام واحتضانها لأطراف في المعارضة وraquo;الجيش الحرraquo;، وأيضاً نظراً إلى مكانتها الدولية، كعضو في الحلف الأطلسي وكحليف وثيق للولايات المتحدة، وإلى مكانتها الإقليمية على الحدود مع إيران وروسيا الداخلتين في تجربة قوى مع الغرب.

وربما لهذا السبب بالذات يأخذ التوتير السوري المقصود والمتكرر على الحدود التركية معنى يختلف عن ذلك الذي تشهده الحدود مع الأردن ولبنان. إذ يدفع بسقف النزاع إلى المستوى الإقليمي والدولي كقضية تمس ليس الأمن فحسب وإنما أيضاً توازن القوى في المنطقة والذي يظل النظام السوري، حتى الآن، جزءاً منه ويلقى دعم إيران وحلفائها وروسيا. ما يجعله في منظومة تحتاج إليه وتدعم موقفه في أي تجربة قوى مع تركيا. وذلك على عكس الحاصل مع الأردن ولبنان حيث يبدو التوتر على حدودهما تحرشاً لا يخدم مصالح هذه المنظومة، ويثير مخاوف داخلها من انهيار التوازن الداخلي الهش في البلدين.

لكن، ورغم أن الحرب السورية - التركية التي هي محصلة لحسابات إقليمية ودولية تبقى مستبعدة على الأمد المنظور، فإن العلاقة بين أنقرة ودمشق وصلت إلى نقطة اللاعودة. بعدما تحولت الخصومة الحالية من مجرد تعارض سياسي بين دولتين جارتين إلى شرخ مجتمعي ومذهبي يستعيد التاريخ ومآسيه الكثيرة، وليصبح استمرار كل طرف نفياً للآخر. ويصعب في مثل هذه الحال حيث وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه تصور احتمال تعايش مقبل بين أنقرة ودمشق في ظل نظاميهما الحاليين، laquo;الإسلامي السنيraquo; في الأولى وraquo;الديكتاتوري العلويraquo; في الثانية. ويبدو أن كلاً منهما يراهن على سقوط الآخر، بفعل أزماته الداخلية، اكثر من رهانه على حرب لا يريدها احد حتى الآن.