أحمد عمرابي
إنها أشبه بمسرحية مكرورة رديئة الإخراج.. هذه هي عملية الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، كما يصفها ببلاغة إيجازية quot;غلين غرينوالدquot;، الكاتب الصحافي الجريء في صحيفة quot;الغارديانquot; اللندنية. والسؤال المحوري والمركزي الذي يطرحه غرينوالد في سياق مقالته الصريحة، هو: هل الحزبان الأميركيان، quot;الجمهوريquot; وquot;الديمقراطيquot;، هما حقاً كيانان متنافسان انطلاقاً من اختلاف جوهري بينهما من حيث التوجه الإيديولوجي؟
يقول الكاتب إن الغالبية العظمى لأهم القضايا الداخلية والخارجية التي تهم جمهرة الناخبين الأميركيين، مستبعدة تماماً من العملية الانتخابية. وهذه الحقيقة ـ يضيف الكاتب ـ تدحض عملياً الزعم التقليدي السائد في الولايات المتحدة، بأن الحزبين يمثلان فلسفتين سياسيتين مختلفتين.
المشهد الانتخابي الأميركي الراهن لا يختلف عن المشاهد السابقة على مدى عقود زمنية متعاقبة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، من حيث إنه لا يعكس سوى صورة غوغائية يغلب عليها طابع التصفيق الفوضوي والصراخ، بما يلائم تماماً كيف تسير الحملات الدعائية لكل من المرشحين quot;المتنافسينquot;؛ ميت رومني الجمهوري وباراك أوباما الديمقراطي. فهذه الغوغائية رد فعل لما يصدر عن كل منهما، من عبارات البلاغة اللفظية فارغة المضمون.
لا يعرف أي من المرشحين برنامجاً جدياً، وحتى عندما يتعرض أي منهما لقضية جادة كقضية الاقتصاد المتدهور، فإنه لا يقدم للجمهور الانتخابي سوى شعارات عابرة. والسؤال الأكبر إذن، هو: لماذا تتخذ الديمقراطية الأميركية هذا المنحى المزري، بينما ينظر العالم إلى الولايات المتحدة باعتبارها أكبر ديمقراطية في هذا العصر؟
الإجابة هي أن كلا الحزبين مجتمعين، لا يمثلان القوة الحقيقية النافذة في النظام السياسي الأميركي. إنهما ليسا سوى واجهة لقوى أخرى في الخلفية، هي القوى الحقيقية التي تفرض نفوذها على جهاز السلطة الحاكمة.
هذه هي قوى رأس المال التي تتكون طبقتها من كبرى الشركات العملاقة العاملة في قطاعات مختلفة، وفي مقدمتها قطاع النفط والنظام المصرفي وقطاع شركات الإنتاج العسكري والشركات المالية. وأصحاب هذه الشركات هم الذين يقررون من وراء ستار، سيناريو الانتخابات الرئاسية، بما في ذلك تسمية المرشحين quot;المتنافسينquot;. ولا يهم أيهما سيكون الفائز بالمنصب الرئاسي.. فكل منهما ليس سوى موظف لخدمة مصالح رأس المال.
هذا ما يفسر لنا كيف تعامل الرئيس أوباما مع الأزمة المالية العظمى التي تفجرت في عام 2008. فقد عمد الرئيس إلى إنقاذ كبرى البنوك المنهارة وشركة جنرال موتورز للسيارات، بإغداق مئات المليارات عليها من أموال جمهرة الملايين من دافعي الضرائب من الطبقات العاملة.
لقد كان الأجدر بالرئيس في تصديه للأزمة المالية، أن يتخذ إجراءات قانونية حاسمة لمساءلة ومحاكمة أصحاب البنوك، الذين كانت أولويتهم العليا تمويل الشركات المالية، المسؤولة بالدرجة الأولى عن أزمة المضاربات في بورصات وول ستريت التي جعلت من البورصات ما يشبه كازينو قمار. أضف إلى ذلك الدور التدميري لملوك صناعة الأسلحة، هؤلاء هم تجار الحروب، الذين يمارسون أعمالهم من خلال شبكة تجمعهم مع جنرالات وزارة الدفاع (البنتاغون) والرئيس ومستشاريه في البيت الأبيض.
يقترح الجنرالات شن حرب ما، كالحرب العراقية والأفغانية، ومن قبلهما حرب فيتنام، ويكون دور الرئيس وفريقه اختلاق مبررات شن الحرب، بما في ذلك تلفيق روايات كاذبة، ويدخل ملوك صناعة الأسلحة على الخط لعرض ما لديهم من منتجات حديثة. وبناء على التواطؤ، يتلقف جنرالات البنتاغون عروض مصانع الأسلحة، فتكون النتيجة تعاقدات متجددة يصادق عليها الرئيس، بمئات المليارات من الدولارات.
إن مثل هذه القضايا الخطيرة، تحظر تماماً إثارتها في سياق مناظرات مسرحية الانتخابات الرئاسية. تضاف إلى ذلك مسألة العلاقة الأميركية مع إسرائيل، فلا يصح لأي من المرشحين الرئاسيين انتقاد هذه العلاقة. على العكس تماماً من ذلك، فإن المرشحين يتباريان في إعلان حرصهما على الالتزام بهذه العلاقة.. بل وتطويرها.
هناك ثلاث مناظرات انتخابية بين أوباما ورومني، لكن المشهد المسرحي يبلغ ذروته عندما يمثل المرشحان في مناظرة رابعة أمام أباطرة التنظيمات اليهودية، الذين يجمعهم التنظيم المظلي الذي يطلق عليه quot;اللجنة الأميركية الإسرائيلية للشؤون العامةquot; ويعرف اختصاراً باسم quot;أيباكquot;. هنا تظهر عبثية الانتخابات الرئاسية الأميركية، في أقوى وأوضح تجلياتها.
التعليقات