عوض السليمان

اقترح الأخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي إلى سوريا هدنة عسكرية بين نظام بشار الأسد والمعارضة لمدة ثلاثة أيام، بحيث تكون موافقة لعيد الأضحى المبارك وبرر الرجل هذه الدعوة بتسهيل حركة المدنيين ليحصلوا على حاجاتهم ويتنقلوا بشكل آمن.
بدا لي من مقترح السيد الإبراهيمي أن الرجل يفكر بحلويات العيد وأضحيته، ويعتقد أن الأمهات اللاتي فقدن أبناءهن يفكرن بمرور آمن لمدة ثلاثة أيام. وأن العائلات التي فقدت دورها وأثاثها ومستقبلها تفكر كيف تقضي العيد.
إنني أقف بكل حزم ضد هذا المقترح، الذي يعلن وبمنتهى الوضوح أن بشار الأسد يستطيع أن يعود للقتل بعد انتهاء المهلة مباشرة. وقد كان حري بالمبعوث الأممي أن يطالب بتنحي بشار الأسد عن السلطة ومحاكمته أمام محكمة الجنايات الدولية، فمن يدخل سوريا ويرى ماذا فعل الأسد بأهلها لا يستطيع أن يطلب غير ذلك، إلا إذا كان أعمى، أو يتعامى بالطبع عن جرائم بشار الوحشية بحكم وظيفته وإرادته في استمرار محنة الشعب السوري حتى يتم تدمير البلاد.
لا يتعدى الأخضر الإبراهيمي في الواقع كونه موظفاً لدى الدول الكبرى التي تعبث بقرارات مجلس الأمن وتتبادل الأدوار فيه للقضاء على سوريا شعباً وحضارة وثقافة. لقد أصبح الموقف الدولي مفضوحاً ولا أخلاقياً ولا هدف له إلا إطالة عمر نظام الأسد ليدمر سوريا بكل ما فيها، بهدف إنهاك البلاد، وإشغالها بإعادة البناء خمسين سنة أو أكثر، وهكذا يضمن الغرب أن يصبح الكيان الصهيوني دولة متفردة آمرة في قلب الوطن العربي.
لهذا فإن دعوة الأخضر الإبراهيمي لهدنة مع نظام الأسد تصب في هذا الإطار وتمنح الأسد شرعية سياسية وصورة بهية أمام دول العالم. فالأسد قد أعلن بالفعل أنه مستعد للموافقة على هذا المقترح، وبهذا يستطيع أن يلمع صورته أمام روسيا والصين وإيران على الأقل.
تصب الموافقة على هذه الهدنة في مصلحة بشار الأسد بشكل كامل، فبالإضافة إلى ما ذكرته أعلاه، تستطيع قوات الأسد المسلحة بأفضل الأسلحة الروسية والصينية، أن تستغل الأيام الثلاثة لتتجسس على مواقع الجيش الحر وتحركاته، وتنظم نفسها، بعد الخسارة الفادحة التي كبدها الجيش الحر لعصابات الأسد وشبيحته. ومن المؤكد أن النظام لم يكن ليوافق على هذه الهدنة لو كان الأمر غير ذلك.
بالاتصال ببعض القادة الميدانيين في الداخل أكدوا لنا أن بشار الأسد من الناحية العسكرية يحتاج إلى هدنة بالفعل، خاصة أن كثيراً من كتائبه ترزح تحت الحصار في حلب وحماة وإدلب ودير الزور، وستأتي الهدنة كطوق نجاة لمجموعات الشبيحة التي تكاد تهلك بسبب الحصار.
وفوق كل ذلك، فهل يأمن الثوار جانب بشار الأسد الذي قصف المساجد، وقتل الأبرياء وذبّح الرضع بالسلاح الأبيض أمام أعين أمهاتهم. ألا يكفي أن نتذكر أنه قتل في العيد الماضي أكثر من خمسمئة مدني أعزل من السلاح قُصفوا في مساجدهم وهم يصلون العيد. إن شخصاً يدفن أبناء بلده وهم أحياء، ويدمر المخابز ويقصف الصيدليات ويعربد في المساجد، لا يمكن أن يكون أهلاً لهدنة أو اتفاق.
أما بالنسبة لترحيب المجلس الوطني السوري بالهدنة المقترحة، فإنني أعتقد أن المجلس بوصفه واجهة سياسية للمعارضة السورية أراد أن يمسك العصا من الوسط، وأراد أن يقول للعالم: إننا نقبل بمبادراتكم ولكن بشار الأسد هو من يخرقها؛ إذ إنه من المتفق عليه أن نظام الأسد سيخرق الهدنة منذ اليوم الأول لها.
ومع أنني أفهم هذا الموقف إلا أنني أخالفه، لأن العالم لا يهمه الأمر برمته، بمقدار ما يهمه أن يطول عمر النظام القاتل في سوريا، وأن العالم لا يحتاج إلى مجاملة من قبل المجلس الوطني السوري خاصة أن هذا العالم هو من تآمر على المجلس وسعى إلى تشتيته كيلا يساهم المساهمة المطلوبة في إسقاط الأسد.
كان من الواجب على السيد رئيس المجلس التشاور مع القادة الميدانيين في الداخل قبل أن يعبر عن رأيه في المسألة، فقادة الميدان هم من يقرر أهمية الهدنة من الناحية العسكرية ومدى فائدتها، وأعتقد أن المجلس الوطني تسرع بالترحيب بهذه المبادرة.
إنني أنصح الثوار أن يتمعنوا في هذه الآية الكريمة وكفى {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ}.