سركيس نعوم

تتساءل الأوساط الديبلوماسية الغربية في العاصمة اللبنانية ما اذا كان quot;حزب اللهquot; اللبناني بدأ يضع في حساباته، بعد انقضاء نحو 20 شهراً على ثورة غالبية شعب سوريا على نظام آل الأسد وبعد quot;اتضاحquot; الفشل في اخمادها، بدأ يضع في حساباته quot;الدقيقةquot; غالباً ان النظام المذكور يمكن ان يَسقط او ان ينهار. وأسباب تساؤلها كثيرة منها معرفة الأوساط المتسائلة ان مؤسسات quot;الحزبquot; وقيادته اظهرت ومن زمان حرصاً على ان يكون تحليلها للاوضاع في لبنان وفي كل ساحة دولة تؤثر فيه ويؤثر فيها وتقويمها لتطورها اقرب ما يكون الى الدقة والصحة، وذلك بصرف النظر عما اذا كانا متوافقين مع استراتيجيته وسياسته وأهدافه او متناقضين معها. وليس ضرورياً، وخصوصاً في مراحل الصراع والمواجهة، ان يغيِّر quot;الحزبquot; مواقفه او اسلوبه، او ان يعدِّل في سياساته. فذلك أمر لا يُقدِم عليه الا في حال الضرورة القصوى، أو في حال التأكد من استحالة الفوز في الصراع او المواجهة.
هل من جواب عن تساؤل الأوساط الديبلوماسية الغربية؟
يجيب متابعون لـquot;الحزبquot; ومسيرته اللبنانية والسورية ان موقفه من سوريا وما يجري فيها، كما من أي قضية أخرى داخلية أو اقليمية أو حتى دولية، ترتبط في شكل أو في آخر بمواقف الجمهورية الاسلامية الايرانية من كل ذلك. فهو جزء من محور اقليمي زعيمته هذه الجمهورية. وهو ملتزم استراتيجيته ومشروعه اياً تكن النتائج والعواقب. الا ان ذلك لا يعني ابداً ان تقويمه للأوضاع اللبنانية واقتراحاته لا تؤخذ في الاعتبار من طهران، نظراً الى الاحترام الذي اكتسبه جراء تحرير لبنان من احتلال اسرائيل، ونجاحه لاحقاً في احباط حربها عليه وعلى لبنان. كما انه لا يعني ان الحزب لا يُجري تقويمات دورية لاوضاع لبنان وسوريا منذ انطلاق ثورتها ولساحات اخرى. والتقويمات الأولية اي بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة كانت تتوقع حسم النظام لها في وقت غير طويل. والتقويمات التي جرت بعد ذلك بدأت تتحدث بشيء من الشك عن quot;المفاجآت الايجابيةquot; التي كانت تَعِد بها القيادة السورية او تتحدث عنها. والتقويمات التي تبعتها بعد اشهر لم تصل الى حد اعتبار سقوط النظام السوري حتمياً، لكنها وضعته كاحتمال ممكن في ظروف معينة. وهذا الاحتمال يقوى ويضعف تبعاً للتطورات على أرض المعركة العسكرية، كما على ارض المعركة الديبلوماسية والسياسية داخل سوريا وفي العالم الأوسع.
ويبدو ان احتمال السقوط في أضعف حالاته الآن، لأن روسيا والصين تدعمان نظام الأسد، وتمنعان مجلس الأمن من اتخاذ قرار يؤدي عملياً الى اسقاطه. ولأن اميركا واوروبا المؤيدتين للثوار ليستا في وارد اسقاطه بعمل عسكري مباشر منهما لاسباب تتعلق برفض شعوبهما ذلك. ولأنهما يمنعان تزويد الثوار بما يمكّنهم من التقدم والانتصار ويكتفيان بتمكينهم من الصمود. ولأن تركيا لا تبدو قادرة، رغم تهديداتها السابقة، على عمل عسكري مباشر من دون غطاء دولي أو أطلسي. ولأن العرب المؤيدين للثوار لا يمتلكون الا المال يدعمون به ثوار سوريا، ولا يستطيعون تزويدهم كميات منه تشتري لهم اسلحة مهمة. فذلك ممنوع أميركياً.
لكن ذلك على صحته لا يعني ان quot;حزب اللهquot; يعتقد ان النظام السوري سينتصر لكنه لا يعتقد انه سينكسر. ففي رأيه قد تكون التسوية في النهاية رحيل الرئيس بشار الى الخارج (روسيا أو الصين) واحلال رئيس مكانه ينتمي الى طائفته، والابقاء على عصب النظام اي العسكر والأمن في يده، أو قد تكون نوعاً من اقتسام للسلطة لا يزال مبكراً الخوض في تفاصيله.
هل هذا النوع من التسويات لا يزال ممكناً؟
تجيب الأوساط الديبلوماسية الغربية نفسها ان تسوية كالمشار اليها اعلاه بُحِث فيها بعد اشهر ثلاثة من اندلاع الثورة، لكنها لم تلاقِ تجاوباً من النظام. وتضيف انها صارت مستحيلة الآن. أولاً لأن الطائفة العلوية التفت وبعد تحول الحرب مذهبية الى حد ما حول الاسد ونظامه خوفاً من quot;انتهائهاquot; في حال سقوطهما. وثانياً، لان الغالبية السنية لم يعد وارداً عندها نظاماً برأس من عصبية النظام الحالي. اما تسوية اقتسام السلطة فقد يكون أُضيف اليها اقتسام الجغرافيا ايضاً. لكن ذلك لا يزال غير واضح وهو يُهّدد، في حال حصوله واقعاً على الأرض قبل ان يصبح رسمياً وجغرافياً، لبنان وديموغرافياته. وترجمة التهديد لا يمكن ان تكون على البارد. وتلفت الأوساط نفسها الى ان انتشار الاصوليات الاسلامية العنفية والتكفيرية قد يجعل انكسار الأسد نهائياً بعيداً رغم ان انتصاره الكامل مستحيل.