عبد الملك بن أحمد آل الشيخ
يمثل حج هذا العام (1433هـ)، موسم حج استثنائيا بكل المقاييس، على الرغم من التزايد الملحوظ في عدد الحجيج، حيث ضرب رقما قياسيا تجاوز العدد فيه الثلاثة ملايين، منهم 1752932 حاجا قدموا من خارج المملكة، كما تجلت منظومة الخدمات التي قدمتها الدولة السعودية بكل أنواعها، ومنها الأمن، الصحة، ووسائل المواصلات الحديثة، كقطار المشاعر والطرق السريعة التي تربط المشاعر بعضها ببعض، إضافة إلى المشاريع التاريخية الجديدة، التي أسهمت في تسهيل أداء الحجيج لهذه الشعيرة، كتوسعة المسعى وتوسعة الحرم المكي والمسجد النبوي وتعدد أدوار رمي الجمرات في منى وغيرها من المشاريع الجبارة التي نفذتها الدولة السعودية، خدمة لحجاج بيت الله الحرام من دون كلل أو منة، بل احتسابا للأجر عند الله.
وتمثل إدارة هذه الحشود البشرية الهائلة، تحديا كبيرا للسعوديين، مع اختلاف مشاربها المذهبية والطائفية واختلاف بيئاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، حيث بلغ عدد الجنسيات لحج هذا العام 189 جنسية. وعلى الرغم مما يقوم به البعض من محاولات حثيثة لاستغلال بعض هذه الجموع، من خلال شعارات سياسية منظمة لشحن النفوس وتغييب العقول، قبل وأثناء الحج، لبث الفوضى وتعكير صفو الحجيج. فإن الإدارة الرشيدة للسعوديين للحج قبل وأثناء موسم الحج، وقدرتهم على فرض الأمن مع كسب عقول وقلوب الحجيج وشعوب العالم الإسلامي، وتحقيق اللحمة الإسلامية في أيام الحج والمحافظة على ديمومة هذه اللحمة أثناء الحج وبعده، تعد سمة سعودية تتكرر عاما بعد عام، كونها تنطلق من نيات وأهداف جلية وسامية، ألا وهي خدمة الحرمين الشريفين وزوارهما، بعيدا عن الشعارات والمزايدات السياسية، التي يمارسها البعض باسم الإسلام، وتنطلق من أهداف غرضها غير المعلن هو ترسيخ الخلافات بين المسلمين، وإعطاؤها بعدا طائفيا أو حزبيا تحقيقا لمآرب سياسية، أبعد ما تكون عن الإسلام وتعاليمه السمحة.
إن استشعار الدولة السعودية لأهمية خدمة حجاج بيت الله الحرام، والسهر على راحتهم وتحقيق الأمن والطمأنينة لهم، مع التأكيد المستمر على أن الحج هو شعيرة دينية وليس مظاهرة سياسية (كما يريده البعض أن يكون، ممن عششت السياسة في عقولهم) وليس وليد اليوم، بل هذا نهج سارت عليه هذه الدولة منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز (رحمه الله)، وهو النهج الإسلامي الصحيح الموافق للكتاب والسُنة.
إن حكمة القيادات السعودية المتعاقبة في إدارة الحج والأماكن المقدسة لأمر مقدر من العالم الإسلامي، بل والعالم أجمع، وهو نتيجة طبيعية لاستشعار تلك القيادة للدور الريادي والقيادي الذي يتشرفون بالقيام به تجاه الإسلام والمسلمين في شتى بقاع الأرض، وبكل طوائفهم ومذاهبهم، وتتجلى هذه الحكمة السياسية أيضا في احتواء أخطاء وهفوات البعض والتسامي فوق الخلافات لصالح المصالح العليا للمسلمين، وهذا ما أسس له الملك عبد العزيز وسارت عليه المدرسة العقلانية السياسية السعودية، منذ تأسيس هذه الدولة المباركة إلى وقتنا الحاضر. لقد كان حج هذا العام (1433هـ) وبامتياز، حجا ناجحا بكل المقاييس، فقد خلا من الأمراض الصحية والسياسية. وهذا النجاح ليس فقط نجاحا للسعوديين وحدهم بل نجاح للإسلام الصحيح المستمد من كتاب الله وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم laquo;كما تدين به وتقدمه الدولة السعوديةraquo;، دين لكل الأعراق والطوائف يدعو للحكمة والموعظة الحسنة، دين بناء وتعمير، لا دين هدم وتدمير، دين نماء وتنوير لا دين فوضى وتثوير، فلا غضاضة إذن أن يفاخر السعوديون عاما تلو الآخر بأن الحج نجاح سعودي متكرر.
التعليقات