الياس الديري


مع كل دورة عنف جديدة، مع كل جريمة اغتيال تهزّ الدعائم الواهية للجمهورية المخطوف ثلاثة أرباعها، يُرشح لبنان لمخاطر مصيريّة أخفّها وطأة الفراغ السياسي، أو فراغ حكم وفراغ سلطة على فراغ أمني...
واقعيّاً، الفراغ موجود. وعملانيّاً الحكم غير قادر على بسط سلطانه وقوانينه في أكثر من ربع مساحة العشرة آلاف والأربعمئة والاثنين وخمسين كيلومتراً مربعاً. وبالتوافق، أو التراضي.
بصورة عامة، يمكن التأكيد أن اللبنانيّين أخذوا علماً بالأمر الواقع هذا، منذ وضعت الوصاية السورية يدها على البلد. وحتى حين غادرته مجبرة بعد جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بقيت الدولة اللبنانية عاجزة عن استرداد quot;مطرحهاquot; ودورها. ولا يزال وجودها إلى اليوم أقرب إلى quot;المعنويquot; منه إلى الفعلي.
انطلاقاً من هذه الحقائق اللبنانيّة المقلقة، والواصل صيتها إلى أرجاء المعمورة، كانت المفاجأة الكبرى التي صحا عليها الناس هنا، والمتمثّلة باهتمام دولي واسع النطاق وغير مسبوق حتى أيام الحروب الهمجيّة، اثر اغتيال اللواء وسام الحسن.
قلق دولي من فراغ، من انهيار ما تبقى من المؤسّسات الصورية، من احتمال مسارعة سوريا وحلفائها إلى استغلال الفرصة لتعميم الفوضى والانقسامات، والتي تؤدّي حتماً إلى انهيار الحكم والدولة معاً.
في ضوء هذه الصورة وهذه الوقائع، وهذه المحاذير، يجد أصدقاء لبنان والحرصاء على سلامته ووحدته، أن الأذى الكبير يختبئ خلف الفراغ، فتجنبوه لأنه مخيف، ومحفوف بالمخاطر. وخصوصاً في هذه المرحلة.
وإذا كانت الحكومة الحالية قد تحوّلت عبئاً، أو سبباً لمزيد من التصعيد والتأزيم، فليس أمام المسؤولين اللبنانيّين سوى اللجوء إلى التشاور، فالتفاهم، فالتوافق على حكومة حياديّة، قالباً وجوهراً، تمهّد لعودة الاستقرار والدخول في ورشة الانتخابات النيابية وقانونها.
وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التقت في تصريح لها مع وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عند المنعطف اللبناني. وكان لكل منهما تشديدٌ واضحٌ على تحاشي الفراغ، وتالياً عدم إتاحة المجال لأي تدخّل سوري في لبنان، أو لأي تدخّل عبْر لبنان في سوريا.
باستمرار الحكومة الميقاتية، الغائبة عن الأحداث وعن الوعي أيضاً، لا يستطيع لبنان أن يكمل مشوار النأي بالنفس عمّا يُحاك على الحدود وداخلها.
فلا بدّ، والحال هذه، من مشاورات مكثفة يقودها رئيس الجمهورية مع المرجعيّات والقادة من سياسيين وروحيين.
الحكومة هي العنوان المناسب للمرحلة المكهربة جداً، ولملمة الأوضاع والتوتّرات وما استجدّ من جروح بعد انفجار الأشرفية وانفجار الغضب.