جهاد الخازن
المعارضة الكويتية سيئة تريد ديموقراطية مزيفة تخدم مصالحها الضيقة على حساب الوطن. المعارضة الأردنية قد تخطئ إلا أنها ليست سيئة، وحتماً ليست في سوء المعارضة الكويتية.
بعد المقارنة بين الأزمتين السياسيتين في الكويت والأردن أمس، أكمل كما وعدت بمراجعة الوضع في الأردن، وأجد أن للمعارضة ما يبرر بعض ما تشكو منه.
المعارضة، خصوصاً في أوساط العشائر التي كانت دائماً دعامة الحكم الهاشمي، تريد وظائف، غير أن إدارات الدولة متخمة بالموظفين، وأرجح أن فيها أضعاف ما يحتاج إليه البلد، كما تريد دعماً مالياً، وكلا الطلبين تصعب تلبيته في بلد عربي غير نفطي محدود الموارد.
ربما كان الأمر أن الحكومات الأردنية السابقة أخطأت بإهمالها التنمية في المحافظات، مع زيادة الإنفاق على العاصمة عمّان التي أخذت من حصة المحافظات. وتزامن هذا مع تراجع الوضع الاقتصادي وزيادة البطالة لعدم وجود مشاريع تحتية حقيقية، أو عدم وجود القدرة على تمويل مثل هذه المشاريع.
الحكومات الأردنية المتتالية أخطأت أيضاً في عدم رفعها بشكل تدريجي الدعم على المواد الغذائية والكهرباء والمحروقات ليتمكن المواطن من استيعاب ارتفاع أسعار المعيشة. ويبدو أن بعض الحكومات أدرك الحاجة إلى وقف الدعم إلا أنه خشي مواجهة المواطنين في الشارع، فلم يتخذ القرار المناسب حتى وصلت الأمور إلى نقطة لم يعد بالإمكان معها التأجيل، فأثار رفع الدعم الشارع، وشعر المواطن بوجود هدر في صرف الأموال العامة، وبأنه وحده مُطالب بأن يُضحِّي، فيما المسؤول لا يمارس ترشيد الإنفاق.
لا بد أن الربيع العربي فاقم الأزمة في الأردن وشجع المعارضة على التشدد، خصوصاً التيار الإسلامي، وبدأت الاحتجاجات والاعتصامات، وكان أول نجاح لها استقالة حكومة سمير الرفاعي ما زاد ثقة الشارع في قدرته على فرض التغيير.
على مستوى موازٍ كانت هناك اجتماعات رسمية ومناقشات لدرس مدى التغيير المطلوب وعمقه، وما يمكن أن يُنفذ منه لرسم خريطة طريق للمرحلة المقبلة.
كانت النتيجة إنشاء لجنة الحوار الوطني برئاسة السيد طاهر المصري، رئيس الوزراء الأسبق ورئيس مجلس الأعيان الحالي.
لجنة الحوار لم تستثنِ أحداً من اتصالاتها وإنما اجتمعت مع جميع أطياف المعارضة والموالاة، وقدمت اقتراحات محددة، إلا أن اقتراحاتها لم تُنفّذ ما زاد قناعة الشارع بأن الحكم غير جاد في إجراء الإصلاح المطلوب، خصوصاً أن توصيات سابقة وقرارات للجان ملكية لم تنفّذ أيضاً.
أرى أن الأزمة السياسية في الأردن اصطدمت بجدار، وقد فات موعد التغيير، فالملك عبدالله الثاني حزم أمره ولا مجال أمامه غير السير في طريق الانتخابات، وهو سينجح إذا كان الإقبال عليها عالياً في كانون الثاني (يناير) المقبل على رغم دعوات المقاطعة من المعارضة.
ولعل المشكلة الكبيرة الوحيدة التي تتطلب حلاً هي الحركة الإسلامية، والكل مقتنع بأنها قوة لا يجوز تجاهلها، فالإسلاميون يضيفون طعماً ولوناً إلى البرلمان، غير أنهم انتهازيون يُضمرون غير ما يُعلنون، ولعلهم ينتظرون دورهم لحكم البلد كما فعل الإخوان المسلمون في مصر، فجميع الحركات الإسلامية في العالم العربي خرجت من تحت عباءة إخوان مصر.
الإسلاميون في الأردن يريدون إلغاء قانون الصوت الواحد مع أنه في أساس الديموقراطية بل هو تعريفها laquo;رجل واحد (أو امرأة)، صوت واحدraquo;. ثم أنهم يريدون الحد من صلاحيات الملك بإلغاء المواد 34 و35 و36 من الدستور الأردني التي تعطي الملك حق حل مجلس النواب واختيار رئيس الوزراء.
لا أعتقد أن الملك عبدالله الثاني سيتنازل طوعاً عن صلاحياته، ولا يوجد مبرر لذلك، فقاعدته الشعبية أعرض مما عند المعارضة وأعمق، وفي حين رأينا حراكاً معارضاً بين العشائر فهي تظل في أساس الحكم وستلتفّ حول الملك إذا قام خطر كما فعلت دائماً. ولعل الملك يعمل جاداً لإزالة الشوائب في العلاقات بين الحكم والعشائر فهي الأساس، ولا غنى لأحد من الطرفَيْن عن الآخر.
التعليقات