سليمان جودة

لا أتفق مع ما قيل، على مدى الأسابيع الماضية، من جانب أصحاب أقلام كبار، عن أن أبناء الكويت يجب ألا يقابلوا النعمة التي يعيشون فيها، بالبطر، لأنه يزيل النعم.. أختلف معهم، ليس إنكارا للمعنى الذي يقيم علاقة عكسية بين البطر، من ناحية، والنعمة، من ناحية أخرى، وإنما يأتي عدم الاتفاق، من ناحيتي، مستندا إلى أن المرء يشم في ما يقال، في هذا الاتجاه، تحديدا، رائحة تقول إن الكويتي كمواطن، إذا كان قد أنعم الله عليه، وعلى بلاده، برغد في العيش، فلا يليق به، في المقابل، أن يتلقى ذلك، بانتقاد سلطته الحاكمة، ثم المغالاة في النقد، أو في المطالبة بالإصلاح، وهو ما يدخل كله في باب البطر!

وبمعنى آخر، فإنني أظن، أن حياة الرفاهية التي تعيشها الكويت، كدولة، ويعيشها أهلها، كمواطنين، لا تبرر الصمت، من جانب بعض مواطنيها، عن أوضاع قد يرون أنها خاطئة، وأنها في حاجة إلى مراجعة.

صحيح أن الكويتيين يقضون أيامهم في هناء، لا يعرفه مواطنو أغلب البلاد العربية، غير أن ذلك لا يعني أن عليهم، بالتالي، أن يقنعوا بما هم فيه، من حياة مريحة، وأن يسكتوا عن أشياء مختلة..

ذلك أن الإنسان إذا كان يمضي أيامه، في راحة، وفي هدوء لا يعكر صفوه شيء، فإن ذلك لا يبرر له أن يغمض عينيه، عن ظلم، أو امتهان، أو فساد، أو سوء حال على أي مستوى.

طافت كل هذه المعاني، في ذهني، حين طالعت في صحف الأحد الماضي، نص الخطاب الذي ألقاه أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وتبين لي، كما لا بد أنه قد تبين لغيري، ممن طالعوه، أنه خطاب منفتح على الدنيا، وأن صاحبه يدرك حجم التغيرات التي طرأت على العالم عموما، والعالم العربي خصوصا، على مدى سنين وشهور مضت، ويقر بناء على هذا الإدراك، بأن الممارسة السياسية في الكويت، في ما مضى، ربما تكون قد كشفت عن وجود مثالب وعيوب، وأن التعامل الجاد، من جانب السلطة، مع هذه المثالب، وتلك العيوب، واجب، ومطلوب.

كان أمير الكويت يلقي خطابا في ذكرى مرور 50 عاما على صدور دستور البلاد الحالي، وجاء في الخطاب ما يلي: laquo;لقد عشنا زهاء خمسة عقود من العمل البرلماني، بما حملته من نتائج وممارسات بحلوها ومرها، ولكي نقطف ثمار مسيرتنا البرلمانية، علينا أن نصون تجربتنا بالتقييم الموضوعي، والنقد الذاتي البناء، فليس عيبا أن يشوبها بعض المثالب، ولكن العيب في تجاهل تلك المثالب، والتهاون في إصلاحها، والتخلص منهاraquo;.. ثم قال: laquo;نعم نتفهم الاختلاف حول سبل إصلاح أمورنا، نتقبل النقد، والنصح، للارتقاء بمؤسساتنا، كما نرحب، بل ندعو للمساءلة والمحاسبة لأي مسؤول عن أي خلل، أو قصور، أو اعتداء على المال العام، أو انتهاك وتجاوز للقانونraquo;.

أعود لأقول، إن مستوى الحياة الراقي، الذي يميز أهل الكويت، عمنْ سواهم من غالبية سكان العالم العربي، ربما يكون أدعى إلى أن يتكلموا، لا أن يسكتوا، وأن ينتقدوا لا أن يصمتوا، وأن يتحركوا، لا أن يسكنوا في أماكنهم، وأن يتمسكوا بالإصلاح المطلوب، لا أن يفرطوا فيه.. وهكذا.. وهكذا.. فهذا هو الذي سوف يصون النعمة من الزوال، إذا أخذنا بمنطق الذين أشاروا إلى هذا المعني وهم يكتبون، ولا يمكن أن يؤخذ علي أنه laquo;بطرraquo; بالنعمة، ولكنني أستدرك سريعا، لأتساءل عن نوع الكلام، ونوعية الحركة نحو المطالبة بالإصلاح، في هذا المقام، فليس سرا، أن أمير البلاد نفسه، في خطابه ذاك، يعلن صراحة، أنه يتفهم الاختلاف حول سبل الإصلاح، ولكنه، في الوقت ذاته يدعو إلى معالجة الأمور بحكمة، وروية، واتزان، بعيدا عن أي انفعال، أو أي تهور.

نحن، إذن، أمام أمير للبلد، يعترف بأن المسيرة على مدى خمسين عاما، يمكن أن تكون قد كشفت عن أخطاء، ولا يخفي استعداده للعمل على إصلاح أي خطأ، أو محاسبة أي مسؤول عن فساد في أي موقع. ونحن، في الوقت ذاته، أمام تيار في البلد، يريد ذلك، ويدعو إليه بقوة.. فأين المشكلة؟! المشكلة، في ما يبدو في الأسلوب الذي ينتهجه التيار المطالب بالإصلاح، حين ينزل الشارع، ويحركه، ويحرضه، في اتجاه إصلاح يراه مطلوبا، وعاجلا..

وليس أمام الطرفين، والحال كذلك، إلا أن يستوعبا درس ثورات الربيع العربي، وأن يعملا، معا، وفق الاستيعاب العاقل، لهذا الدرس.

على السلطة، من جانبها، أن تكون على يقين، من أن السكوت عن الفساد طويلا، في البلاد التي أدركتها الثورات، هو الذي أدى إلى ما حدث فيها، ثم إلى الحاصل على أرضها الآن، وأن إلحاح المواطنين على الإصلاح، يظل حين يجد آذانا مصغية، لصالح الحاكم، قبل أن يصب في مصلحة المحكوم.

وعلى التيار الذي يتزعم الدعوة إلى الإصلاح، أن يتيقن من جانبه هو الآخر، أن الإصلاح المنشود ليس بالضرورة في حاجة إلى ثورة، وأنه ممكن بغير ثورة، وبغير عنف، لو خلصت النوايا، على الجانبين، وأن إصلاح مؤسسات الحكم، لا يعني بالضرورة أيضا، هدمها، كما أن إصلاح حال الدولة، يمكن أن يتم دون أن نعمل على إسقاطها، ونحن لا ندري!

لا أريد أن أنشر هنا، نص رسالة بعث بها مصري مقيم بالولايات المتحدة الأميركية، إلى مواطنين في الكويت، عبر جهاز الموبايل، لا أريد أن أنشرها، حتى لا أساهم في رواجها دون مبرر، رغم أن ناقل الكفر، كما قيل، ليس بكافر، غير أني أريد أن أقول، إن الرسالة إياها المتداولة بين كويتيين كثيرين، تحمّل مسؤولية أي عنف في طريق المطالبة بالإصلاح في الكويت، لـlaquo;الإخوانraquo; هناك، ثم لـlaquo;الإخوانraquo; في مصر، وكيف أن هناك تنسيقا - كما ورد في الرسالة - بين الطرفين، لغير صالح الكويت كدولة.

وإذا كان هناك شيء يقال، تعليقا على الرسالة، فهو أن إخوان مصر مطالبون بأن يعلنوا صراحة، في بيان واضح، أنهم لا علاقة لهم، بما قد يجري تداوله أو فعله باسمهم، في الكويت، وأنهم يتحملون مسؤولية ما يعلنونه، إذا ثبت عكسه، ثم إن على إخوان الكويت، أن يتذكروا إذا كانوا قد نسوا، أن هناك منْ أيد غزو العراق لبلادهم، في حينه، وأنه لا شيء مطلقا، يستحق أن يكون أغلى من الوطن لدى أبنائه، ولا شيء يجوز أن يعلو الوطن، في قائمة أولويات المواطن على أرضه، وإلا فإنه يفقد هذه الصفة، وتنتفي عنه، ولا يستأهل شرفها.

إخوان الكويت في حاجة هذه الأيام، إلى أن يستعيدوا أجواء الغزو عام 1990، وليس مطلوبا منهم، عندئذ، إلا أن يعملوا، اليوم، بما قالوا وقتها، وأن بلادهم في حاجة إلى الإصلاح الهادئ، منها إلى الإصلاح الصاخب، لا لشيء، إلا لأن هذا النوع الأخير، قد جر بلادا حولهم، إلى مزالق، وربما مهالك.