بيسان الشيخ


أنجز الرئيس المصري محمد مرسي في أشهر قليلة ما عجزت عنه الانظمة العربية في عقود من الزمن، متفوقاً أيضاً على زميله التونسي المتخبط في ترويكا تشل حركته وتمنح مزيداً من الصلاحيات للنهضويين.

فبعد موجة احباط ويأس عمت الشارع المصري وقبله التونسي غداة ووصول الاسلاميين الى السلطة، وتقديم هؤلاء مؤشرات جلية على ميلهم للاستئثار بها، وبعد laquo;شماتةraquo; مؤيدين للثورات في تلك البلدان ورافضين لها في سورية بذريعة العلمانية والممانعة، أحيت المليونيات ميدان التحرير وأعادت الامور الى نصابها في laquo;25 ينايرraquo;. وبث شعار laquo;للثورة شعب يحميهاraquo; نفحة تفاؤل وأمل بأن ثوار الميدان الذين قبلوا بنتائج صناديق الاقتراع على مضض تسليماً منهم بمبدأ الديموقراطية، ليسوا غافلين عن مراقبة أداء من وصلوا الى سدة الحكم ومحاسبتهم. فمن اسقط حكم مبارك، لن يصعب عليه مرسي.

ومن انجازات مرسي المحلية أن تراكم الاخطاء والتجاوزات التي ارتكبها وحّدت الصفوف ضده حتى بين من كانوا بالامس منقسمين حول جدوى الثورة نفسها. فميدان التحرير يضم اليوم ثواراً وفلولاً على حد سواء، اتفقوا على أن حكم الشريعة كما يرتضيه laquo;الإخوانraquo; لا يندرج ضمن خطة ما بعد مبارك. ولعل التظاهرات المناوئة لمرسي تصب في هذه الخانة تحديداً، وتحاكي مخاوف فئات اجتماعية مدنية أغفلتها الثورة وظلمتها أحياناً مثل النساء والاقباط والفنانين والقضاة والاعلاميين ومختلف التيارات العلمانية أو غير الدينية بالمطلق.

وفي وقت صبت الانظمة السابقة جل جهودها على laquo;شيطنةraquo; الاسلاميين، فنكلت بهم وجعلتهم ضحايا بعيون مجتمعهم، وأفرجت عنهم لتستثمر فيهم وتعيد تقديمهم كفزاعة للغرب، وتواطأت معهم وانقلبت عليهم وبنت سمعة دولية على مكافحة الارهاب، كانت أشهر قليلة من اختبار الحكم الفعلي لهؤلاء كفيلة بإفراغهم من الداخل.

وإلى ذلك، منح مرسي المجتمع الدولي والولايات المتحدة في شكل خاص فرصة ما كانت لتحلم بها لجهة تسويغ تحالفها مع الاسلام السياسي. فأداؤه سهل عليها مهمة التبرؤ منه، والتنصل من مسؤولياتها حيال ديموقراطية ناشئة عقب الثورة اذ أعلنت واشنطن صراحة بأنها غير مستعدة لدعم طاغية منتخب شرعياً، كما لوح البنك الدولي باحتمال سحب القروض الممنوحة لمصر.

أما اكثر ما يشكر عليه مرسي، فهو المفعول الايجابي لأخطائه على الثورة السورية حيث لا يمل الممانعون من التلويح بفزاعة laquo;الإخوانraquo; بعد سقوط النظام. ومع كثير من الفوارق بين الحالتين المصرية والسورية، يبقى أن ما يحدث اليوم في مصر يقطع نصف الطريق على احتمال استئثار الاسلاميين بالحكم في سورية بعد السقوط ويضعهم أمام استحقاقات كثيرة في النصف الثاني منه.

وكما في مصر، من يسقط نظام بشار لن يصعب عليه laquo;الإخوانraquo;.